الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تعاني من الفصام وحدثت لي مشاكل منها .. فهل من نصائح؟

السؤال

أختي تعاني من مرض الفصام, مع العلم أن المرض وراثي, فكان أبي يعاني منه, وعددنا أربعة - ابنان وبنتان - وجاء لها مرتين بعد التخرج من الجامعة، عندما حاولت العمل في إحدى الوظائف, وكانت بعمر 22 سنة, وكانت تتخيل أشياء غير موجودة, وكلامًا يقال - ولا أحد يقوله - وحاولت الانتحار ومنعناها, وكانت دائمًا تجري على الشباك ونلحقها, ثم دخلت الحمام وشربت "فنيك" ثم ذهبنا بها للطبيب النفسي فقام بعلاجها, وتزوجت, وأنجبت ثلاثة أولاد – أكبرهم بعمر 16سنة – وكنا خلال هذه الفترة نحاول أن نرضيها بأي شكل, ولكنها شكاكة جدًّا, ومهما تجنبناها فإنها تثير المشاكل - خاصة معي؛ لأني قريبة من أمي جدًّا - فابتعدت عن أمي من أجل أن ترتاح, ولا فائدة, فالشك عندها يزيد، وكذلك الغيرة, فهي تغار مني ومن أولادي.

علماً بأنها دائمًا تضحك وتمزح, وأنا لا أعرف كيف أتعامل معها, وحدثت لها انتكاسة شديدة منذ سنتين, وكانت على وشك الانتحار, ولم يكن يعجبها أحد, وكانت تشك في كل الناس, ودخلت مصحة لمدة شهرين ثم خرجت, وأنا أحس أنها الآن في حالة من التقلب, ومن ناحيتي فأنا أصغر أخواتي, وأنا وأخي الكبير لم نصب بهذا المرض, ولكن أخي الأوسط أصيب بمرض الفصام عندما تخرج من الكلية, وقد كان أكثر شخص اجتماعي متكلم فينا, وشفي منه خلال سنة, فأريد منكم طمأنتي هل للوراثة دور في هذا المرض؟

أنا لا أعرف كيف أتعامل مع أختي, فهي كثيرة المشاكل, وكثيرة الشك, ولا شيء يعجبها, ولا تصدق أحدًا, مع أني أحاول التقرب منها, ولكن وجدت أن البعد أفضل من أجل نفسيتها, لكن هذا لا يعجبها أيضًا, ونقلت الصفات غير المرغوب فيها لأولادها, فوجودنا معًا - حتى لو كان على فترات - تحدث فيه مشاكل, وأسكت عن أخطاء كثيرة لأرضيها, ثم ترجع لتشتكي من صمتي, وأخاف أن أواجهها حتى لا تمرض.

أنا في هذه الحيرة منذ 19 سنة, والأولاد بدأت تكبر, ولا أعلم ماذا أعمل؟ فأرجو منكم الرد, وهل هناك احتمال أن أصاب بهذا المرض أو أن يصاب أولادي؟ وكيف أتجنب هذا المرض؟

من فضلكم ساعدوني, وماذا أفعل؟ لأني بسبب أختي - الله يشفيها - بعدت عن أمي, ودائمًا أفكر أن أساعدها, وكنت قبل زواجي معها دائمًا, أساعدها في بيتها, وفي تربية صغارها عن حب, ولكني تحملت كثيرًا من اللا شعور المقابل.

أنا الآن وصلت لمرحلة عصبية شديدة, ولا أستطيع أن أتحمل ما كنت أتحمله من قبل, فأنا أحبها, ولكنها – وللأسف - فقدت معنى الحب, وكانت تتألم من اقتراب أمي مني, فابتعدنا عن بعضنا جدًّا؛ لنرضيها, وأصبحت أمي تتقرب منها لإرضائها, ولا أعرف ماذا أعمل؟

أسأل الله أن تنتهي الأمور على خير, ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

أشكرك على تواصلك مع إسلام ويب, وثقتك في هذا الموقع، وكذلك نشكرك على اهتمامك بأمر أسرتك.

أيتها ـ الفاضلة الكريمة ـ نسأل الله تعالى لأختك الشفاء، وهذه الأخت بالرغم أنها مصابة بمرض الفصام إلا أنها - والحمد لله تعالى - تزوجت وكوّنت أسرة، وهذا دليل على نوع من التأهيل, أو النضوج الاجتماعي الذي نعتبره مهمًّا, وضروريًا جدًّا للشفاء من هذا المرض.

بالنسبة لعلاقتها معك, وأنها تسبب لك الكثير من المضايقات: أيَّتها الفاضلة الكريمة: حاولي أن تتحمليها، وحاولي دائمًا أن تتجنبي الأمور التي تُثيرها، فمرضى الفصام لديهم دائمًا ميول للشكوك، وهم حساسون، ويلجؤون دائمًا لسوء التأويل، فأرجو أن تجدي لها العذر.

الأمر الآخر - وهو مهم جدًّا -: هذه الأخت يمكن أن تعالج، فتوجد الآن أدوية فعالة وممتازة، وأنا أعتقد أنها لو تناولت جرعة صغيرة من دواء واحد فسوف يكفيها تمامًا، خاصة أن حالتها العامة - من وجهة نظري, ومقارنة مع مرضى الفصام الآخرين - جيدة جدًّا، فكما ذكرت لك هي كوّنت أسرة, ولديها ذرية، وكل هذه الأمور في مصلحتها من الناحية العلاجية والنفسية، فأعتقد إذا استطاع أحدكم – أنت, أو غيرك من أفراد الأسرة – أن يتواصل معها, وأن يقنعها بتناول جرعة علاجية صغيرة، مثلاً عقار (رزبريادول) بجرعة اثنين مليجرام ليلًا، فهذا يكفي تمامًا لأن تكون هذه الأخت في توازن نفسي وانشراح، وسوف تقل عصبيتها وتوتراتها، وسوف تنتهي شكوكها تمامًا.

الحل موجود - أيتها الفاضلة الكريمة – فحاولي أن توازني بين الصبر على تصرفاتها، وفي ذات الوقت تناصحي معها، وإن تمكنت - أنت أو غيرك – من إقناعها بتناول هذه الجرعة العلاجية الوقائية فأعتقد أن ذلك سوف يكون أمرًا طيبًا.

بالنسبة لوالدتك – جزاها الله خيرًا - فاسعي بما تستطيعين في برها، وهذا يكفي تمامًا.

أما فيما يخص مرضى الفصام والوراثة فيه: فلا ننكر دور الوراثة في مرض الفصام، لكن هذا الأمر ليس بالضخامة, أو الشدة التي يتصورها البعض، فلا توجد جينات محددة لمرض الفصام حتى الآن، بالطبع الجينات موجودة، لكنها لم تُحدد، والعلم لم يصل لطبيعتها، وعلى ضوء ذلك فالذي يُورَّث ليس المرض نفسه، إنما الاستعداد له، وهذه نقطة مهمة جدًّا، وهنالك إحصاءات تبين أنه إذا كان الوالدان مصابين بمرض الفصام – وهذا نادر جدًّا بالطبع – فإن حوالي أربعين بالمائة من الذرية سوف يصابون بهذا المرض، أو على الأقل لديهم الاستعداد الكامل للإصابة بهذا المرض.

أما إذا كان أحد الوالدين مصابًا: فالنسبة هي حوالي عشرة بالمائة من الذرية قد يصابون بهذا المرض.

هذه النسب تقل كثيرًا إذا أُتيح لأبناء هؤلاء المرضى فرصة التنشئة السليمة في بيئة متوازنة وطيبة، فهذا يقلل كثيرًا من فرص حدوث المرض، وبصفة عامة: يعرف أن مآل هذا المرض في الإناث أفضل كثيرًا، خاصة إذا كانت بدايات العلاج مبكرة.

لا تنزعجي على أولادك - نسأل الله أن يحفظهم - وعليك بالدعاء لهم، وحاولي تنشئتهم التنشئة الصحيحة المتوازنة، احرصي على دراستهم دون ضغوط عليهم، ونمّي شخصياتهم، ويجب أن يعرفوا أمور دينهم, وأن يكونوا حريصين على ذلك، وتخيري لهم الرفقة الطيبة، واجعليهم يمارسون الرياضة، ويكثروا من الاطلاعات غير الأكاديمية، فالقراءة غير الأكاديمية مهمة جدًّا، وتساعد كثيرًا في تنمية الإنسان ذهنيًا وفكريًا، وربما يكون للاطلاع المعرفي علاقة بتقليل فرص الإصابة بمرض الفصام, أو الأمراض النفسية الأخرى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً