الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي دائما يقفون في وجهي... حتى في اختيار الزوجة!!

السؤال

السلام عليكم.

أنا عضو مستقل خارج البيت، أتخذ قرارات وأنفذها، وإذا علم أحد من والدي بتفكيري في شيء يحاولان إقناعي بعكس ما أرغب, فهم يعرفان كيف يدخلان لي ويؤثران على قرارتي، وكثيراً ما يفقداني الثقة في نفسي، وكثيراً ما أثرا علي بعكس ما أرغب في أكثر من موضوع, على الرغم من رؤيتي بنجاحه وصلاحه, إلا أنهم كانا يرفضاه, وكنت أحقق ما أرغبه وأحقق نتائج حسب ما توقعت مسبقاً وخلاف توقعاتهم.

أنا عضو تابع في البيت، يؤثرون على قراراتي, ولا أعرف أتخذ قرار الارتباط ألا بموافقتهم، فعلى الرغم من أني وجدت من تصلح لي, ووجدت فيها كل الصفات والأخلاق النبيلة فهم يؤثرن علي بالعكس, في عكس الاتجاه كما تعودا معي.

ولكن هذه المرة لا أستطيع أن أتناسى رأيهم، وأتخذ القرار بمفردي, لأنها ستعيش معهم في بيت العيلة، فماذا أفعل؟ فأنا أجد كل ما فيها طيبا, وتوقعاتي أن حياتي ستكون أفضل معها، وهم عندهم عكس التوقعات ويحاولان إقناعي بتوقعاتهم, حتى أني بدأت أقتنع بكلامهم.

حينما أتحدث معها أجد كل كلامهم خاطئا, وعكس ما أحسه وأجده من تعاملي معها.

فماذا أفعل حتى أتخلص من تبعيتي لهم, وتأثيرهم علي, وأحافظ على البنت, وعلى ارتباطي بها، وفي نفس الوقت أحافظ على رضى أهلي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

بداية فإننا ننصحك وننصح كل شاب يريد أن يبدأ علاقة زواج أن يستشير أهله في البداية، وأن يأخذ رضاهم، وألا يفاجئهم باختياره لأن هذا يحملهم على العناد حتى ولو كانت الفتاة صالحة، وإشراكهم في بداية الأمر له أثر كبير جدًّا، ونحن نقول: لا شك أن الشرع يركز على الدين والأخلاق، لكن الكمال أن يجد الشاب فتاة صاحبة دين وصاحب أخلاق ترضاها الأسرة، وتسعد بها الأسرة، وتقبل بها الأم، لأن هذا فيه عون كبير للإنسان على التوفيق بين الحقوق –بين حق الزوجة وبين حق الوالدين-.

ولذلك نحن نتمنى أن تنتبه لهذا الجانب، ولكن بالنسبة للاختيار فإن الشريعة تتركه للرجل، فهو الذي يختار من يراها جميلة، من يرتاح إليها، وقد لا ترتاح الأسرة إلى جمالها أو شكلها، وهذا ليس مكان الإشكال، لكن من الضروري أن يكون الدين جيدًا والأخلاق جيدة، لأن نظرة الناس في الجمال مختلفة، فما يراه الشاب جميلاً قد لا تراه الأم كذلك، قد لا يراه الأب كذلك، ولكن العبرة بنظره هو لا بنظرهم.

ودور الوالدين لا يخفى عليك أنه إرشادي وتوجيهي، وليس لهم أن يقفوا في طريق الشاب، بل حتى في طريق الفتاة، كما حدث للفتاة الأنصارية التي جاءت فقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن أبي زوجني بابن أخيه ليرفع به خسيسته وأنا كارهة) رغم أنه ابن عمها لكنها قالت: (وأنا كارهة) فردَّ النبي -صلى الله عليه وسلم– نكاحها، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم– أمرها إليها، لكنَّ الفتاة قالت: (قد أجزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن يعلم الناس أن ليس للآباء في الأمر شيء) إذا كان هذا مع الفتاة فكيف بالفتى؟!

فالأمر إذن –أمر الزواج– المرجع فيه للفتى وللفتاة، ودور الوالدين دور إرشادي، ليس لهم أن يمنعوا أو يُجبروا إلا إذا كانت هناك اعتبارات شرعية، كأن يكون الخاطب لا دين له، كأن تكون المخطوبة سيئة السمعة والعياذ بالله، فعند ذلك من حقهم أن يعترضوا ويقفوا، أما إذا كانت صاحبة دين وصاحب الدين رضي بها -ورضيت به– ومال إليها –ومالت إليه– قبلها –قبلته– فليس لنا إلا أن نبارك هذه الزيجة، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

ونتمنى دائمًا ألا تُظهر لهذه المخطوبة أو للفتاة رأي أهلك، فلا تقل (هم قالوا كذا، وكرهوا كذا، واتهموك بكذا) لأنك الآن تغرس مسامير في نعش حياتك الأسرية، والعكس كذلك لا تقل لهم (هذه قالت أنتم جهلة، أو أنتم لا تعرفون) هذا ما ينبغي أن يُقال، ولا يجوز مثل هذا الكلام من الناحية الشرعية، بل ينبغي أن تُحسّن صورتها عندهم وصورتهم عندها.

هذا طبعًا إذا كانت العلاقة شرعية معلنة، ولكن إذا لم تكن العلاقة كذلك فمن حقهم أن يسألوا عنكم، ومن حقكم أن تسألوا عنهم، وبعد ذلك من حقك أن تأتي البيت من الباب وتقابل أهلها الأحباب، بل تنظر إليها النظرة الشرعية، وحبذا –كما قلنا– أن يكون الأهل معك في كل هذه الخطوات، ونسأل الله أن يرفعك عنده درجات.

إذن نحن نريد أن نقول دون أن نعرف في أي مرحلة أنت، رأي الأهل مهم إذا كان لاعتبارات شرعية، رأي الأهل معاون إذا كان مجرد رأي، عند ذلك إذا كان هذا الرأي مصادم للشرع فعليك أن تمضي مع الشرع، وتسترضيهم، وتطيب خاطرهم، وتُحسن إليهم، وتقول (إن شاء الله البر لكم وسيستمر وسيزيد) ونحو هذا الكلام اللطيف الذي تذهب معه المخاوف، ثم بعد ذلك تفعل ما يُرضي الله تبارك وتعالى.

والإنسان عندما يتخذ قرارًا أيضًا ينبغي أن ينظر في الأبعاد، فإنا نريد الدين، والأخلاق، والبيت الجميل، الفتاة التي لها إخوان صالحون، لأن النساء يشبهن إخوانهنَّ وأخوالهنَّ.

كذلك إذا كانت الأسرة رافضة، أن تجتهد في أن تعرف أسباب هذا الرفض، فإن معرفة السبب تعيننا -بإذن الله تعالى– على إصلاح الخلل والعطب.

إذن أنت بحاجة إلى أن تنظر للموضوع نظرة شاملة، العاجل، الآجل، رأي الأسرة، ما يُقال، أيضًا هذه الاعتبارات لا بد أن تراعيها، ولكن إذا خطب الإنسان صالحة أو ديّنة، مال إليها، رضيها، رفضها الأهل، فلا عبرة بذلك الرفض، مع ضرورة أن يجتهد في إرضائهم وبرّهم والصبر عليهم والإحسان إليهم، لأن هذا مما تريده هذه الشريعة، ونكرر: من السعادة للإنسان أن يجد فتاة ترضاها الأسرة وهي صاحبة دين وخلق.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً