الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالندم بسبب تلاعبي بمشاعرها وتواصلي معها بعد الزواج، فكيف أكفر عن ذنبي؟!

السؤال

السلام عليكم يا دكتور وجزاكم الله خيرا على موقعكم الرائع.

أنا شاب أبلغ من العمر أربعا وثلاثين سنة، سبق وأن تعرفت على فتاة عبر النت وتحادثنا طويلا إلى أن تعلقت بي تلك الفتاة، وحقيقة كنت أرغب في بادئ الأمر في الزواج منها لما لمسته فيها من خلق ودين، لكن للأسف عندما رأيت صورتها بالكامل لم أر منها ما يثيرني، وخفت إن أنا تزوجتها قد لا أوفيها حقها أوقد أقع في الزنا.

لكن مع ذلك استمر اتصالنا، وكنت دائما مماطلا لها، وكانت ملحة علي في السؤال لم أنا هكذا متردد، فكرهت ذكر السبب الحقيقي؛ لأن ذلك قد يكون سببا في تجريحها ورأفة بها، خاصة أني أذكر ذات مرة نهرتها على الاتصال بي فأقدمت على شرب دواء خطير كاد يودي بحياتها.

ومما زاد الأمر سوءاً أن قد تقابلنا مرارا بغية رؤيتها عن قرب، وقد اتخذت قرارا في صالحنا وللأسف أوقع بي الشيطان، وحصل بيننا تلامس سطحي عند أول خلوة فندمت ندما شديدا على ذلك، ومنذ ذلك الحين ازداد نفوري منها بعلّة أن عملي ليس مستقرّا، ولا أستطيع التكفل بمصاريف الزواج حاليا، فحاولت قدر الإمكان إقناعي بأن ذلك ليس عائقا بتاتا، ووعدتني أن تيسر علي ذلك قدر الإمكان، خاصة وأنها من عائلة ميسورة لكنني لم أستطع الاقتناع بها، في المقابل لم أستطع يوما قطع اتصالي بها، ولم أجد تفسيرا لذلك وهي كذلك.

استمررنا على ذلك الحال وخطبت الفتاة فانتابني ما انتابني من حسرة وأسى عندما أعلمتني بذلك ووجدتني أسمعها ما لم تسمعه مني من قبل من كلمات العشق والهوى، وأقسم على ذلك حتى فاجأتني بخبر فسخ خطبتها ولم أكن أعلم أني بذلك قد ارتكبت جرما عظيما، ومع ذلك عاودتني حالة التردد التي كنت عليها وأقنعتها بأن تتزوج وتتركني وشأني، وبالفعل تزوجت الفتاة بعدما فقدت الأمل من زواجنا.

وجدّ تطوّر آخر إذ بعد زواجها مباشرة اتصلت بي وأخبرتني أنها لم تنعم يوما بهذه الزيجة، وأنها لا تحبّ زوجها وأنها ستطلب الطلاق، فوجدتني كالعادة فرحا جدا باتصالها ومحبطا ومتحسرا على تفريطي فيها، ومن دون أن أشعر أسمعتها كلاما معسولا -استحببت الفكرة- راغبا جدّا في الزواج منها، ولكن في المقابل ذكرتها أن ذلك لا يجوز دون سبب شرعي، وأني خائف من أن أكون ممن قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"ليس منَّا من خبب امرأة على زوجها أو عبدًا على سّيده" للمرة الثانية، فلم تقتنع وهي عاقدة العزم على الطلاق ولن تتزوج إلا بي.

أنا الآن في حيرة من أمري وخائف من عذاب الله على ما اقترفته من ذنب في حق تلك الفتاة بأن تلاعبت بمشاعرها ووقعت معها فيما حرّم الله، وامتنعت عن الزواج بها دون سبب مقنع، وكنت سببا في تعاستها، وخائف مما قد أقترفه من ذنب في حق زوجها، ومما اقترفته في حق خطيبها الاول.

أنا الآن أعيش في حسرة وندم شديدين على ما آلت إليه الامور، ومبادر إلى التوبة إلى الله، وحائر فيما أفعل لأرضي الله وأكفر عن ذنوبي.

أرجوكم دلوني يا شيخ وجزاكم الله عنا كل خير، وجعله في ميزان حسناتكم؛ لأن حياتي صارت جحيما لا يطاق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عادل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنرحب بك ابننا الكريم، ونشكر لك هذا الوضوح في الطرح وهذا الاعتراف بالخطأ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب عليك لتتوب، وأن يردك إلى الحق والصواب.

لا شك أن ما قمت به عمل خطير وكبير، ولكن التوبة تَجُبُّ ما قبلها بشرط أن تكون توبة نصوحًا صادقًا فيها إلى الله تبارك وتعالى، ونتمنى أن تقول للفتاة بوضوح: إن هذا التدخل – وهي متزوجة – لا يجوز، ولا يُرضي الله تبارك وتعالى، وتجتهد في قطع الاتصال تمامًا بها في هذه المرحلة، ثم بعد ذلك تتوب إلى الله، وتطلب منها كذلك أن تتوب مما حصل بينكما من اتصالات وتهاون في هذا الجانب، ثم بعد ذلك عليك أن تتوب وتُقبل على الله، وتكثر من الحسنات الماحية، وتتوقف عن التواصل معها، وتندم على ما مضى، وتقطع الصلة بها وبغيرها من الفتيات؛ لأنه لا يجوز لأي شاب أن يتواصل مع امرأة بهذه الطريقة مهما كانت الأسباب، إلا بغطاء شرعي، إلا بعد خطبة شرعية معلنة واضحة، وإلا في علاقة هدفها الزواج، ويكون مع هذه المرأة التي يتواصل معها محرم من محارمها، بغير هذا لا يوجد في الإسلام مجال أبدًا للعبث في المشاعر.

فبعد التوبة النصوح والتوقف التام عن هذه العلاقة والندم على ما مضى، وبعد ذلك تستأنف حياتك، ثم إذا تبين فعلاً أنها تطلقت من زوجها وأنك لم تكن سببًا أبدًا في الذي حصل، وأن ثمة خلافات حدثت بينهم، فعند ذلك ينبغي أن تنظر في نفسك، فإن وجدت فيها ميلاً، ووجدت رغبة أكيدة في إسعادها، وفي الاستمرار على الطريق الذي يُرضي الله تبارك وتعالى، فعليك أن تتقدم قبل أن تتكلم معها لتطرق باب أهلها؛ لأن هذا هو الطريق الصحيح، الطريق الرسمي، الفتاة لا تُخطب من نفسها إنما تُخطب من أهلها، وقبل ذلك ينبغي أن تُقنع أسرتك وأهلك، ويتكلموا بلسانك، وتذهبوا كأسرة لتطلبها من أهلها، فإن تيسر هذا الطريق، فهذا هو الطريق الذي يُرضي الله تبارك وتعالى.

وإذا استمرت مع زوجها فهذه ولله الحمد نعمة، فعليك أن تصرف النظر عن هذا الأمر، واعلم أن النساء غيرها كثير، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واعلم أن الخطوة الأولى كما ذكرنا هي أن تقطع الاتصالات تمامًا، فلا يجوز لك أن تتصل على أي فتاة، فكيف إذا كانت الفتاة زوجة لرجل أخذها على كتاب الله وعلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – وأنت تأتي لتُخببها على زوجها، وتقع في دائرة اللعن والخطورة – عياذًا بالله تبارك وتعالى -.

نحن نريد لك النجاة بنفسك من هذا الذنب، ولن يحدث ذلك إلا بتوبة نصوح، ثم بعد ذلك لا مانع من أن تفتح صحفة جديدة، فإن ما وقع من الخطأ لا يمنع حصول الصواب، ولا يمنع من تصحيح الأوضاع لتكون على خطى وهدى هذا الإسلام الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

أنت في شهر الصيام الذي استطعت فيه أن تترك الطعام والشراب، فاترك هذه الفتاة لله، وتوقف عن التواصل معها تمامًا، واتركها وشأنها مع زوجها، فإن في ذلك إعانة لها على التفكير بطريقة صحيحة، وادعها للتوبة، وادع نفسك أيضًا للتوبة، وتب إلى الله توبة نصوحًا؛ لأن هذا العمل لا يجوز أبدًا، ونحذرك من التمادي والاستمرار في هذا النفق المظلم، ونذكرك بأن العظيم تبارك وتعالى يُمهل ولا يُهمل، وأنه سبحانه يستر على العاصي ويستر عليه، فإذا لبس للمعصية لبوسها وبارز الله بالعصيان وتمادى، هتكه وفضحه وخذله، وهذا ما لا نريده لك، ولا لأحد من شبابنا، واعلم أن هذا الأمر الذي حصل يحتاج إلى توبة، وإلا فسيكون مصدر إزعاج وتعكير لحياتك المستقبلية، فاتق الله في أعراض الناس، واتق الله في بنات الناس، والواحد منا لا يرضى مثل هذا العمل لأخته أو لابنته فكيف نرضاه للأخريات.

ولا تتكلم معها، فإن الغواني يغرهنَّ الثناء، والفتاة مسكينة تصدق كل ما تسمع منك وأنت لم تكن صادقًا في معظم أحوالك كما هو واضح من الرسالة، فاتق الله في نفسك، وتجنب الكذب والخديعة، وتب إلى الله فأنت في شهر فضيل.

نسأل الله أن يتوب عليك، وأن يرزقك السداد والثبات، ونتمنى أن تتواصل لنسمع خيرًا، ونتعاون في وضع الخطط الصحيحة في مستقبل الأيام، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً