الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تبت إلى الله وأرجو قبول الدعاء، فهل يرجع لي ما فات؟

السؤال

السلام عليكم

أنا السبب في كل شيء سيئ حصل لي، وأراه عقاباً من الله لي في الدنيا، فقد فاتني أحسن إنسان برغم أني أستغفر الله منذ زمن، وتبت إلى الله من قلبي، وتغيرت للأحسن، وأخذت جزائي.

هل من الممكن أن الله يرجع لي ذلك الإنسان أم لا؟ إني خائفة، وأدعو أن يرجع لي، فماذا أعمل؟

أتمنى أن يستجيب الله لي، وأعمل أي عمل يأمرني به الله، وأدعو الله أن يعفو عني ويستجيب لي، ويوفقني في حل الأمر الذي غالباً تحققه شبه مستحيل، لكن الله على كل شيء قدير.

إن هذا الإنسان الذي أعجبني صارت روحي به متعلقة، فكيف أعمل حتى يرجع لي؟ فأنا أدعو كثيراً ومن قلبي وبيقين بحصول الأمر الذي أحب، لكني أفكر في الواقع والأسباب، وأن كل الطرق أغلقت، ويقيني وظني في ربنا كبير.

ماذ أعمل؟ هل أستمر في الدعاء؟ مع أن التفريط كان من عندي، ولقد تعبت.

أرجوكم ردوا عليّ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

من خلال حديثك -أختنا- فهمنا ما يلي:
1- أنك أذنبت ذنباً وتبت إلى الله منه.
2- أنك تريدين العودة إلى شخص والطرق كلها مغلقة، هل تكفين عن الدعاء أم تستمرين عليه؟

أولاً: -أختنا الكريمة-: اعترافك بالذنب وتوبتك إلى الله أمر جيد، والله عز وجل يقبل من العبد على ما كان منه، فأملي في الله خيراً، واصدقي مع الله في توبتك، وثقي أن الله سيكرمك ويرزقك من واسع فضله، إنه جواد كريم.

ثانياً: ربط التوبة بطلب أمر معين، أو ربط العبادة بطلب أمر ما لا ينبغي -أختنا-، فتوبتك واجبة عليك جراء ما وقعت فيه من ذنب، وقبول التوبة تفضل من الله عليك، وليس وعداً منه أن يحقق لك أمراً مقابل توبتك، فاحذري أن يخلط الشيطان لك بين الأمرين فتكون التوبة قاصرة والعبادة ناقصة.

ثالثاً: حبك لهذا الشخص -أختنا- له أسبابه قد يكون منها:
- ظنك أنه هو الخير لك.
- بعض صفات فيه أحببتها.
- شعورك بأنك المخطئة في حقه.

هذه كلها أمور قد تكون متفهمة وربما قد تكون صحيحة أو غير ذلك، لكن هناك أمر آخر لا بد أن تركزي فيه وهو: أن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه، وهذه قاعدة مطردة في جميع الخلق، وإذا سألت ألف امرأة متزوجة ستخبرك بأن ما قبل الزواج قطعاً ليس كما بعده، وعليه فيجب أن تكون عندك الصورة متوازنة، وأن يكون الدعاء صحيحاً، وأن تلتزمي آداب الدعاء حتى يستجيب الله لك.

لذلك لا بد أن ننبه على بعض النقاط:
1- الدعاء في كل أحواله نافع، فلا يجب أن تتوقفي عنه ولا أن تقطعي الرجاء في مطوبك إن كان فيه خير لك، يقول بعض أهل العلم: "لا يكن تأخر أمد العطاء موجباً ليأسك فالله قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره أنت وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد" والمعنى أن الله قد يؤخر العطاء للعبد لمصلحته هو، لأنه يعلم أن منحه مراده الآن فيه ضرر له، فيحجبه عنه ويوفيه الإجابة في وقت آخر.

2- الخير لا يعلمه إلا الله، وقد نبصر الخير شراً أو الشر خيراً ولا ندري، وهذا بعض معنى قول الله: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فقد يصرف الله عن العبد الإجابة لفضل أعظم أو لمصلحة أرجح له، فيدخر الله له الخير وهو لا يدري، ويتعجل الشر والله يحجبه عنه لحبه له.

3- إذا توافرت الشروط في الدعاء فاعلمي أنه لا يضيع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ).

لذا على العبد أن يدعو ربه ولا يستعجله، فهو سبحانه الحكيم في قضائه، الغني عن عباده، وهو يريد الخير لهم لا محالة، فلا تتعجلي، وعليك أن تتذكري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، فيقول: قد دعوتُ فلا أو فلم يُستجَب لي)، وفي رواية لمسلم: (لا يَزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجِل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء)، وقوله: "فيَستحسِر"؛ أي: يَنقطع عن الدعاء، فاستجابة الله تعالى لمن دعاه أمرٌ مِن وعد الله الذي لا يتبدَّل، ولكن الاستجابة تتنوَّع، فتقع بعين ما دُعِي به، أو بعوضه، أو بادِّخار الأجر.

نكرر: إن الله قد يَختار برحمته القائمة على الحكمة غير ما سأل العبد، أو يدفع عنه من البلاء فوق ما يتحمل، وقد يدَّخر له في الآخرة الأجر والثواب، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم وأهليهم.

ضعي هذا النقاط في رأسك، وأكثري من الدعاء أن يقدر الله لك الخير، فإن كان في الشاب خير لك أن يوفقك الله له، وإن كان فيه السوء أن يصرفه الله عنك، والخير عند الله لا محالة.

هذا هو الطريق -أختنا- الذي يهدئ روعك ويعينك على تجاوز ما أنت فيه من غم وهم، ويصحح توبتك وعلاقتك بالله.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يعطيك فوق ما أردت، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً