الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس في الطهارة منذ الطفولة مع قلق وإحباط، فساعدوني.

السؤال

أعاني من وسواس قهري منذ الطفولة، وأنا الآن عمري في أوائل الأربعينات، يتركز أكثر شيء في الطهارة، مع وجود قلق واكتئاب وإحباط، واضطررت كثيرا لترك الصلاة بسبب وسواس ارتداد رذاذ البول، مما كان يضطرني للاغتسال عند كل صلاة، وعندما أترك الصلاة تتغير نفسيتي؛ تعبت من كثرة ترك الصلاة، أتمنى أن أكون مثل غيري إنسانا سويا، ماذا أفعل؟ هل لي من علاج؟ هل أنا قابل للشفاء، أم أنني سأبقى أعاني دون جدوى؟

وسواس رذاذ البول أفسد حياتي، أصبحت محطما، إما أن أترك الصلاة، وإما أن أعيش في هم لا يعلمه إلا الله؛ هناك من أفتاني من العلماء بعدم غسل هذا الرذاذ كونه معفيا عنه، والبعض أفتاني بضرورة أن أغسل كل ما أصابه هذا الرذاذ، وأنا لا أدري ماذا أفعل؟ كيف أتغلب على هذا الوسواس؟ هل دواء البروزاك مفيد لحالتي؟ وهل أحتاج معه لدواء آخر؟ هل حالتي يمكن أن تتحسن أم لأنها مزمنة لا فائدة من العلاج؟ هل يمكن أن يصاب أطفالي بنفس المرض، أم أنه ليس بالضرورة ذلك؟

أتمنى أن أجد لديك العلاج، والنصيحة، كيف أتغلب على هذا الوسواس معرفيا وسلوكيا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إنسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

وساوسك واضحة المعالم، وهي تتمركز حول التخوف من ارتداد رذاذ البول، وهذا قطعًا أدخلك في معاناة نفسية كثيرة؛ لأن هذا النوع من الوسواس ملح ومستحوذ، والعلاج السلوكي المعرفي يتكون من:

أولاً: أن تجلس مع نفسك وتخاطبها بعمق وتدبر وتأمل: هل هذا الذي تعاني منه هو أمر منطقي أو غير منطقي؟ قطعًا هو غير منطقي؛ لأن الناس جميعًا تتبول وتقضي حاجاتها، وقلَّ من يتخوف من موضوع ارتداد رذاذ البول، والمفترض هو أن تتخذ التحوطات اللازمة، اجلس على المقعد في بيت الخلاء، ولا يكون هنالك أي رذاذ للبول، الموضوع في غاية البساطة.

أنا أعرف أن الوساوس تُلح، وأن الوساوس تأتي للإنسان بمنطق مختلف وتحاول إقناعه دائمًا بأنها صحيحة، لكن في حالتك العلاج السلوكي يتمثل في فهم أن هذه وساوس، وأن علاجه يتم من خلال التحقير، والتجاهل، وعدم اتباعه، والتحقير والتجاهل يعني أنك تتوضأ وتصلي، ولا تغسل مكان ما تعتقد أنه رذاذًا؛ لأنه في الأصل لا يوجد هذا الرذاذ، هذه مجرد تخيلات وسواسية استحواذية ملحة.

فإذًا العلاج هو: التفهم، والتحقير، وعدم المناقشة للوساوس، وعدم تحليلها.

ومن العلاجات السلوكية أيضًا: تطبيق تمارين الاسترخاء، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أرجو أن تطلع عليها وتطبق التمارين الموجودة بها.

أنا أفضل أن تقوم بزيارة للطبيب النفسي، زيارة أو زيارتين سوف تكفي تمامًا، وبالنسبة لفائدة العلاج أنا أقول لك: نعم، توجد فائدة، ولابد أن أفيدك على أسس علمية، والذي أؤكده لك أن الأبحاث السابقة كلها كانت تدل أن نسبة نجاح علاج الوساوس القهرية هو عشرين بالمائة فقط، هذا حين كان العلاج علاجًا نفسيًا أو سلوكيًا فقط، لكن بعد أن ظهرت الأدوية المضادة للوساوس -وأولها العقار الذي يعرف باسم أنفرانيل والذي بدأ استعماله كمضاد للوساوس في أواخر سبعينيات القرن الماضي- تحسنت نسبة النجاح -أي نجاح العلاج- وبعد أن ظهرت محفزات السيروتونين مثل: البروزاك أصبحت نسبة العلاج ثمانين بالمائة.

هذه نسبة عالية جدًّا، نسبة نجاح العلاج النفسي للوساوس القهرية، على الأقل هي ثمانون بالمائة، وهذا بالمقاييس الطبية يعتبر نجاحًا كبيرًا.

ولكن للنجاح شروط حتى يصل إليه الإنسان، وأهم هذه الشروط: أن يقتنع الإنسان بأن الذي به هو فعلاً وساوس قهرية، وأن يكون هنالك التزام تام بتناول الدواء، ومدة تناول الأدوية طويلة نسبيًا، كما أن الجرعة المطلوبة يجب أن تكون هي الجرعة الوسطية أو الجرعة الكبيرة.

والبروزاك من أفضل الأدوية، وهو يسمى علميًا (فلوكستين) والجرعة هي: أن تبدأ بكبسولة واحدة، تتناولها بعد الأكل لمدة أسبوع، بعد ذلك اجعلها كبسولتين يوميًا -يمكنك أن تتناول الكبسولتين مع بعضهما البعض صباحًا أو مساء- استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى ثلاثة كبسولات في اليوم، تناول كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، هذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة والتي يجب أن تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

يُضاف إلى عقار فلوكستين عقار آخر يعرف باسم (رزبريادون) وهذا الدواء يعتبر دواءً داعمًا ومنشطا لفعالية البروزاك، وجرعته المطلوبة في حالتك هي جرعة صغيرة جدًّا، وهي أن تبدأ بواحد مليجرام، تتناولها ليلاً لمدة شهر، ثم اجعلها اثنين مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الرزبريادون، لكن يجب أن تستمر على جرعة الفلوكستين كما هي.

وتوجد أدوية كثيرة مثل: الفافرين، والسبرالكس، والزولفت، كلها أدوية جيدة، لكن قطعًا الأبحاث تُشير أن البروزاك يعتبر من أفضلها، فلا تحرم نفسك من نعمة العلاج، العلاج متوفر، واحرص على الصلاة، لا تتهاون أبدًا، ولا تدع للشيطان سبيلاً، عش حياتك بصورة عادية جدًّا؛ لأن هذا من صميم علاج الوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم..........استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي..........مستشار الشؤون الأسرية والتربوية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرحبًا بك -أيها الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يمُنَّ عليك بالشفاء العاجل من هذه الوساوس، ونحن نتفهم -أيها الحبيب- مدى المعاناة والمشقة التي تعيشها بسبب الوسوسة، ولذا فنحن ننصحك نصيحة من يتمنى لك الراحة والخلاص من هذه المشاق، ونأمل بإذن الله تعالى أن تجاهد نفسك بالعمل بمقتضى هذه النصيحة.

نصيحتنا -أيها الحبيب-: أن تأخذ بالنصيحة النبوية في معالجة الوسوسة، وذلك بالانتهاء عن الاسترسال معها كُليّة، وعدم الانجرار ورائها، وترك العمل بمقتضاها، مع الاستعاذة بالله تعالى وسؤاله أن يحميك من الشيطان وكيده ومكره، وهذان الدواءان ضالعان بإذن الله تعالى للوسوسة مُزيلان لها.

ومما يعينك على ذلك: أن تعلم أن الأصل في الأشياء الطهارة، فالأصل في ثيابك الطهارة، والأصل في بدنك الطهارة، فلا تنتقل عن هذا الأصل بمجرد الشك هل وصل إليه بول أو لا؟ فإن الأصل طهارته، وعلى فرض وصول شيء يسير من البول فإن بعض العلماء -كما هو مذهب الحنفية- يرون أن اليسير من البول معفوٌ عنه، كما أن العلماء قرروا أيضًا بأن الموسوس له أن يأخذ بأيسر الأقوال وأسهلها ليعين نفسه على التخلص من الوسوسة.

ونحن نرى أن لك أن تأخذ بهذا المذهب ليعافيك الله تعالى مما تعانيه.

اعلم -أيها الحبيب- أن دين الله تعالى يُسر، وأن شريعته سمحة، وأنه لا يريد من العباد ما يشق عليهم ويحرجهم، فإن الله عز وجل أنزل كتابه وأرسل رسوله ليرفع عنا الأغلال والآصار، فقال سبحانه وتعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}.

أما عن الناحية الطبية وهل سيفيدك الدواء الذي ذكرتَ أو لا؟ فإن الجواب عنه قد تولاه الإخوة الأطباء، وأفادوك بإذن الله تعالى، ولكنا نؤكد عليك ثانية بضرورة الأخذ بالإرشاد النبوي لمدافعة هذه الوساوس بالأمرين اللذين ذكرناهما لك.

نسأل الله تعالى أن يتولى عونك، وأن يأخذ بيدك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً