الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس قهري مزمن وأريد رأيكم في بعض الأدوية التي أتناولها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور الفاضل محمد عبدالعليم، أعجز والله عن شكرك، أدعو رب العالمين أن يجزيك عنا خير الجزاء، وأن يبارك لك في عمرك وأهلك.

عمري 34، متزوج ولي طفل، متواجد حاليا في كندا للدراسة مع زوجتي وابني.

دكتور: أعاني من مرض نفسي منذ ما يقارب 15 سنة، أعتقد -والله أعلم- أنه وسواس قهري، أعراضه في بعض الأحيان أنني أكون في السيارة ويأتيني إحساس قوي بأن أنزل منها وأهرب؛ إلى أين؟ لا أعلم!! أو أكون جالسا مع أهلي ويأتيني إحساس قوي بأن أقوم وأذهب، أو أكون في المسجد بين المصلين والإمام يقرأ، وفجأة أريد أن أخرج من المسجد، بعض الأحيان أقوم من النوم مفزوعا.

صبرت على هذه الحالات إلى أن توفيت عمتي، وهي كانت تسكن معي في بيت واحد بعد وفات والدي -رحمة الله عليهما- فزادت علي هذه الحالات؛ حيث في يوم استيقظت الساعة السابعة صباحا ولدي خوف وفزع شديد، أدور في البيت مثل المجنون، وكل ما لدي من أفكار أنه لماذا صحوت في هذا الوقت والناس كلها نيام؟ مع العلم أنني كنت سهرانا في ذلك اليوم ولم أنم إلا في حدود الساعة الخامسة، بعدها لم أنم لمدة يومين أو ثلاثة إلى أن صارت أعصابي تلفة، ألم في يدي إلى المرفق، توتر وخوف وسواس بأنه سيأتي الليل ولن أنام.

قررت الذهاب إلى طبيب أمراض نفسية، فذهبت وأعطاني السيروكسات، بالإضافة لحبوب: clomipramin 25mg، لم ارتاح للدكتور، وأخذت من الحبوب مقدار نصف علبة، الشيء الوحيد الذي استفدت منه حبوب ال: clomipramin 25mg جعلتني أنام.

قررت الذهاب لدكتور آخر أحسست براحة معه؛ لأنه ببساطه دكتور أخذ وأعطى معي، وتفهم حالتي، غير لي حبوب السيركسات إلى حبوب: fluoxetine 20mg كبسولتين في اليوم دفعة واحدة في الصباح، وحبوب: clomipramin 25mg حبة في الليل بعد العشاء، استمررت عليها لمدة تزيد عن السنتين، مع توقيف حبوب ال: clomipramin؛ لأني أعلم أنها خطيرة، ويمكن أن تسبب لي الإدمان عليها.

الحمد لله حالتي تحسنت بشكل كبير، جميع حالات الهلع ذهبت مني، والوسواس خف بنسبة كبيرة جدا؛ إلى قبل رجوعي للدراسة في كندا قبل أسبوعين تقريبا؛ حيث كنت في إجازة لأهلي في جدة في شهر رمضان المبارك، وبدأت تعود لي حالات الوسواس بشكل قوي، ولكن ليس بصورة ما قبل استمراري علي الدواء، يأتيني وسواس بأنني لا أستطيع النوم في الليل، وكل ما قرب موعد دخولي غرفة النوم أتوتر وأقلق، وأقول لن أنام الليلة.

دكتور: أنا الآن في كندا للدراسة مع زوجتي وابني، ولا زلت مستمرا علي حبوب fluoxetine 20mg حبتين في الصباح، بالإضافة إلى أنني أخذت كميات كبيرة من حبوب: clomipramin؛ لأنها تريحني بشكل كبير، ولكني منزعج منها؛ لأنني قرأت أنه من الممكن أن أدمن عليها.

دكتور: أفدني جزاك الله كل خير، أتمنى أن تساعدني، ولو أضفت شيئا من الأدوية فأنا مستعد؛ حيث إنني قرأت لك استشارات تفضل فيها إضافة حبوب الدجماتيل مع fluoxetine.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ موسى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، وأشكرك على ثقتك الكريمة في شخصي الضعيف.

أيها الفاضل الكريم: أنت بالفعل تعاني من وساوس قهرية، كل ما وصفته ينطبق انطباقًا تامًا على الوسواس القهري، هي اندفاعات وسواسية حقيقة، وبفضل من الله تعالى الإنسان لا يقوم أبدًا بتنفيذ مثل هذه الوساوس التي تأتيك كأفكار، فأرجو أن تطمئن من هذه الناحية.

الوساوس قطعًا هي نوع من القلق النفسي، لذا دائمًا تتولد معها بعض المخاوف، وكذلك عسر المزاج الثانوي، إذًا تشخيصك الأساسي هو وجود هذه الوساوس مع الجزئيات البسيطة الأخرى التي ذكرناها.

أيها الفاضل الكريم: أولاً يجب أن تكون قناعاتك التامة أن حالتك ليست خطيرة، وأنك بفضل الله تعالى متعايش معها، متعايش معها لا يعني أنك قد قبلتها، لكنك قد عرفت كل حيل الوسواس؛ لأن الوسواس بالفعل مرض ذكي ومحتال، إذا استسلم له الشخص سوف يسيطر عليه، لذا نحن دائمًا ندعو الناس إلى تحقيره، وتجاهله، وعدم الدخول في حوارات وسواسية.

النقطة الأخرى المهمة جدًّا: لا أريدك أن تعيش في قلق توقعي، أنت -الحمد لله- لديك الزوجة الصالحة، لديك الذرية، وأنت الآن في كندا في مرحلة تحصيل علمي، وإن شاء الله تعالى تعود لأهلك غانمًا ظافرًا، عش على هذا النسق الفكري، وهو نسق واقعي، نحن لا نتكلم عن أمنيات، ولا نتكلم عن أمور وهمية أو شيء من هذا القبيل، لا، نحن نتكلم عن حياة واقعية وسمات عظيمة حباك الله تعالى بها، انطلق -أخي الكريم- من هذا المبدأ ومن هذا المفهوم.

وبالنسبة للعلاج الدوائي: قطعًا الأبحاث كلها أشارت إلى أهمية العلاج الدوائي في علاج الوساوس القهرية، قبل أن تظهر الأدوية التي تعالج الوساوس القهرية كان نسبة العلاج لا تتعدى عشرين إلى خمسة وعشرين بالمائة، أما نسبة نجاح العلاج الآن فهي تفوق ثمانين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدًّا.

بالنسبة للـ (clomipramin) والذي يعرف باسم (أنفرانيل) هذا دواء معروف، وهو أول دواء أثبت جدارته في علاج الوساوس القهرية، والذي أثبت فعاليته هم علماء من السويد حوالي عام 1981، وضعوا الدلائل العلمية القاطعة التي تفيد أن الأنفرانيل مفيد جدًّا في علاج الوساوس القهرية، وهذه حقيقة عايشنها مع مرور الأيام.

الـ (fluoxetine) والذي يعرف باسم (بروزاك) هو من الأدوية الممتازة جدًّا أيضًا لعلاج الوساوس، وهنالك أدوية أخرى كثيرة، والذي تلاحظ أن هذه الأدوية تعمل من خلال التوافق الجيني، يعني: تجد بعض الناس يستفيدون جدًّا من الفلوكستين، وتجد آخرون لا يستفيدون منه كثيرًا، تجد بعض الناس يستفيدون جدًّا من الفافرين، وآخرون يستفيدون من السبرالكس، ومجموعة أخرى يستفيدون من الزيروكسات (وهكذا).

إذًا ربما يكون هنالك علاقة التوافق الجيني بفعالية هذه الأدوية، وإن شاء الله تعالى حين تظهر الخارطة الجينية سوف تكون الأمور أكثر وضوحًا.

أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تواصل على عقار الـ (fluoxetine)، هو دواء ممتاز، دواء فعال، الشيء الوحيد ربما يحدث لك نوع من تأخر القذف المنوي عند المعاشرة الزوجية، وهذا يجب ألا يكون شاغلاً بالنسبة لك.

الـ (clomipramin) ليس علاجًا إدمانيًا –أيها الفاضل الكريم– مع احترامي الشديد لوجهة نظرك، لكني أؤكد لك وبكل الثوابت العلمية أنه دواء ليس له آثار انسحابية، ليس له آثار انقطاع، ليس له خاصية التحمّل -يعني أنك تحتاج لأن ترفع الجرعة حتى تتحصل على نفس الفعالية– وهذه خاصية من خصائص الأدوية التي تسبب الإدمان، إذًا الأنفرانيل (clomipramin) ليس دواء إدمانيًا، هذا أؤكده لك تمامًا، لكن لا يخلو من بعض الآثار الجانبية مثل الشعور بالجفاف في الفم والإمساك، وتأخير القذف المنوي وشيء من هذا القبيل.

ربما يكون من الأفضل أن تضيف عقار (فافرين) والذي يعرف باسم (فلوفكسمين) بجرعة خمسين مليجرامًا، تناول أربعين مليجرامًا صباحًا من (الفلوكستين fluoxetine) وخمسين مليجرامًا ليلاً من الفلوفكسمين.

جرعة الفلوفكسمين يمكن أن تكون حتى ثلاثمائة مليجرام في اليوم، لكن لا أعتقد أنك تحتاج لأكثر من خمسين مليجرامًا؛ لأنك تتناول الفلوكستين بجرعة كافية جدًّا.

بالنسبة للدوجماتيل: الدوجماتيل وكذلك الفلوبنتكسول وجرعة صغيرة من الرزبريادون – مثل واحد مليجرام يوميًا مثلاً– نعتبرها أيضًا مدعمات لعلاج الوساوس القهرية المصحوبة بالمخاوف، لكن في هذه المرحلة أفضل لك الفافرين (فلوفكسمين) بالجرعة التي ذكرتها، ويمكن أن نتواصل، وأنا أشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أوروبا محمد

    شافاك الله وعافاك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً