الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثير التخيلات وضعيف الثقة وكثير الافتتان بالنساء، فما الدواء؟

السؤال

السلام عليكم..

تحية لهذا الموقع العظيم, وتحية خاصة للدكتور/ محمد عبد العليم على ما يقدمه من جهد قيّم يرفع به العناء عن كثير من الناس, وسؤالي معقّد بعض الشيء, فأرجو أن يتسع صدركم.

أنا شاب أبلغ من العمر 35 عامًا متزوج, وقد بدأ الأمر منذ سبع أو ثمان سنوات, فقد بدأت تأتيني وساوس شديدة في ذات الله وذات النبي صلى الله عليه وسلم وذات الصحابة, وكنت أسمع الشتائم والبذاءات في عقلي, وربما أذني, ولا أستطيع دفعها - خاصة حين أصلي - حتى اضطررت أن أصلي وحدي بصوت مرتفع جدًّا؛ حتى لا أسمح لهذه الوساوس أن تأتيني, وقد دعوت الله كثيرًا جدًّا أن يرفع هذه الوساوس عني, وقد رفعها بفضله ومنِّه وكرمه, وذلك منذ أكثر من خمس سنوات, وهي تأتيني من حين لآخر على فترات متباعدة جدًّا - فلله الحمد والمنة -.

أعاني أيضًا من شيء غريب وهو أنني أكلّم نفسي كثيرًا, وأفترض في مخي وخيالي قصصًا قد تكون خيالية من أساسها, وقد تكون منبثقة من أمر صغير قد حدث بالفعل, فأبني خيالات وأتفاعل معها وأضع لها نهايات, بل وأحزن أحيانًا لو كانت النهاية سيئة - يمكنك أن تقول إنه فيلم كامل يحدث في مخي – فيكفي مثلًا أن أعرف أن رئيسي في العمل سوف يمر غدًا, فأبدأ بوضع الفيلم بأنه سوف يكلمني, ويقول: كذا وكذا, بل ويوبخني على كذا, أو يشكرني على كذا, أو ... وأبدأ بالتفاعل مع الأمر, وأكلم نفسي بصوت عال, وألوّح بيدي, وقد تخرج مني كلمات بغير قصد, ولو حدثت مشادة بيني وبين أحد الزملاء وانتهت عند حد معين, فعندما أعود للبيت أبدأ بفتح موضوع المشادة بعقلي وأكملها, وأفكر بأسئلة يطرحها زميلي, وأجيب عنها, أي أنني أكمل المشادة كاملة في عقلي.

أعاني أيضًا من مشكلة الجبن والخوف من أي أحد يعتدي عليّ حتى لو كان أصغر مني, وحتى لو كان هذا التعدي بالكلام, بل لا أقبل أصلًا أن يتعدى عليّ أحد بالكلام, فلو كانت أجرة الطريق 4 أو 5 جنيهات فأنا أعطي السائق خمس جنيهات وربما أكثر؛ حتى لا يقول لي السواق بقي جنيه أو ما شابه, فأخشى أن يقول لي ذلك ولا أدري لماذا.

ولا أستطيع الدفاع عن نفسي عند أي مشادة كلامية بسيطة, فقد أرى من ينظر إلى زوجتي فأغض الطرف حتى لا يراني فتحدث مشادة أو عراك - تصور هذا - وعند هذا أشعر بزيادة نبضات القلب, ورعشة في اليدين, وخوف غريب, وأحس أن نصفي السفلي به بعض البرودة.

أعاني من فتنة النساء, وهي ليست فتنة بالمعنى المفهوم, بل لو قلت هي تحرك غريب أرادي طبعًا - لا أنكر - للتركيز على منطقة الصدر عند النساء, وقد أركز على منطقة كالعين, خاصة لو كانت منقبة, ولا أشاهد الأفلام الإباحية على الإطلاق منذ أن تزوجت, ولكني قد أشاهد عرض الأزياء مثلًا, وذلك حتى أركّز - كما قلت سابقًا - على منطقة الصدر التي تكون عارية في عروض الأزياء, ولا أركّز في المرأة عند عرض الأزياء سوى على الصدر, وكما ذكرت لحضرتكم أني لا أشاهد الأفلام الإباحية على الإطلاق, ولا يأتيني ميل لأن أشاهدها, ولكني قد أسمع عن فضيحة الممثلة الفلانية, أو لقطة من فيلم للممثلة العلانية فلا أستطيع أن أمنع نفسي من المشاهدة.

أرجو أن تكتب لي - سيدي - الدواء المناسب بالتفصيل, وإن كان العلاج رخيصًا نسبيًا فسأكون شاكرًا, وأرجو ألا يكون مما يسبب ضعفًا جنسيًا أو عجزًا, فقد قرأت في هذا الموقع ما يفيد ذلك, وإن كان لا بد من علاج يسبب الضعف الجنسي, فهل هذا الضعف كبير؟ وهل ستشعر زوجتي بذلك؟ وهل هذا العجز سيدوم أم أنني سوف أعود طبيعيًا بمجرد الانتهاء من العلاج؟

جزاكم الله خيرًا لحسن استماعكم وقبولكم, وجعله الله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdel Halem حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

جزاك الله خيرًا على كلماتك ومشاعرك الطيبة، وأؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، وهي غنية بالكثير من المعلومات والظواهر التي أراها مفيدة، ونستطيع - إن شاء الله - من خلال ما أوردته أن نصل إلى بعض التشخيصات التي نسأل الله تعالى أن تكون دقيقة.

من الواضح أن المكوّن الرئيسي لديك هو الوساوس القهرية, والتي بفضل الله تعالى حاولتَ أن تحجّمها بقدر المستطاع، والوساوس الدينية من النوع القبيح المفزع لنفس المؤمن موجود؛ لأن الوساوس دائمًا تكون مربوطة بالأمور الحساسة، وهذا النوع من الوساوس الذي يأتيك اشتكى منه أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (لزوال السموات والأرض أحب من أن أتكلم به) هذا الصحابي كان يقصد قطعًا المحتوى القبيح والمقزز لوساوسه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر، أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان).

فيا أخي الكريم: هذه هي طبيعة الوساوس، والظاهرة الأخرى وهي وضعك للقصص الخيالية والمسرفة في محتواها الفكري، أقول لك: إن هذه ظاهرة أيضًا نشاهدها عند الذين يعانون من الوسواس القهري، وكأنه يحدث نوع من التبادل في الفكر، بمعنى أن الفكر الوسواسي بمحتواه القبيح حين يخف أو ينقطع يُستبدل بنوع من الأفكار الخيالية التي تشبه أحلام اليقظة، وهذا كله مرتبط بوجود القلق النفسي.

إذن هذه ظاهرة بناء الخيال والتدبر والتفكر في أشياء ليست ذات قيمة، وتشد خيالك جدًّا، هذه مرتبطة أيضًا بالوساوس القهرية.

أما موضوع الخوف الذي تحدثت عنه: فأعتقد أنه سلوك تجنبي، وبعض الناس تكون شخصياتهم شخصيات تجنّبية لا تريد أبدًا أن تدخل في أي نوع من العراك اللفظي، حتى على مستوى المشاعر، وهذا هو الذي يجعلك تتصرف على هذه الطريقة، وهذا أيضًا نضعه في نطاق القلق النفسي, وليس أكثر من ذلك.

أما المشكلة الأخرى فهي موضوع فتنة النساء، وأنت تعرف الداء وتعرف الدواء، فيجب أن تقطع نفسك تمامًا عن المثيرات، وهذه الأشياء وهذه الغرائز تُثار عند الناس من خلال المثيرات، وفي حالتك الرابط المثير واضح جدًّا، وأعرف أن بعض الناس الذين يعانون من الوساوس يُصرون في بعض الأحيان إلى النظر إلى أشياء ليست طيبة، وذلك بهدف التأكد من الشيء، ويكون هنالك نوع من الإصرار عليه، لكن اتضح واتفق أن هذه الأشياء كلها تحت الإرادة التامة للإنسان.

فيا أخي الكريم: حاول أن تعصم نفسك من هذا الأمر.

بصفة عامة: العلاج الدوائي سوف يفيدك قطعًا، بل أنت محتاج له، وأرى أن عقار (فافرين) والذي يعرف علميًا باسم (فلوفكسمين) هو الدواء الجيد الفاعل، وليست له أي تأثيرات جنسية سلبية مقارنة مع بقية الأدوية، وأعتقد أن سعره معقول جدًّا، والجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدأ بخمسين مليجرامًا، تتناولها ليلاً بعد الأكل، تستمر عليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك تجعلها حبة واحدة ليلًا – أي مائة مليجرام – وأعتقد أن هذه جرعة كافية، تناولها بانتظام واستمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا ليلاً وتناولها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء.

عليك قطعًا بالدفع المعنوي السلوكي لمحاصرة الوساوس والقلق والتوترات، والفكر الخيالي المشابه لأحلام اليقظة أيضًا يتم التحكم فيه من خلال صرف الانتباه، أما موضوع النساء فالحذر الحذر - أخي الكريم -، وانظر إلى هذه الروابط: (281749 - 424).

أسأل الله لك العافية والشفاء, والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع استشارات إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً