الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا زلت أعاني من الاكتئاب وتعكر المزاج، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم

جزاكم الله خير الجزاء على ما تقدمونه للناس في هذا الموقع المبارك.

مشكلتي قديمة وطويلة سأذكرها لكم باختصار:

أنا شاب عمري 25 سنة، أصبت بالاكتئاب وعدم الثقة بالناس، والقلق، والرهاب، وبعض الوساوس القهرية، بعد سنوات من إدماني المخدرات الكبتاجون والحشيش، والتعرف على أناس مشبوهين، وجرائم، وسجن، فقد سجنت أكثر من مرة بقضايا مخدرات وقضية سرقة وبلغت مدة سجني ثلاث سنوات تقريبا أدمنت المخدرات، وأنا في سن 15 سنة، وسجنت في سن 18 سنة، وخرجت وأنا في سن 21 سنة.

تركت المخدرات منذ دخولي السجن واستمريت بعد خروجي، وقد كرهتها واقتنعت أنها سبب مرضي مع السجن، وأنها ليست حلاً، لكن المشكلة الآن في الأمراض التي سببتها لي.

الأعراض التي أعاني منها ضيق الصدر، وتعكر المزاج، وقلة التركيز، والنسيان، تشتت الذهن، وقلة التحدث، ومخاطبة الناس، وهذا ما يعزلني عنهم؛ لأنني أحس أنني ثقيل عليهم ودائما صامت، الشراهة في الأكل، الأرق، فقدان الطاقة، والإحساس بالإجهاد طوال الوقت، والتعب، وتمني الموت، والتفكير بالانتحار أحيانا الاستمرار في ترديد بعض العبارات في ذهني.

مع العلم أن أفكاري تغيرت عن قبل، فأنا الآن عندي طموحات وأحلام، ومؤمن بالله، نفسي أحافظ على الصلوات في المسجد، أتوظف، أتزوج، أفتح بيتا، أكون اجتماعيا لكن المرض يمنعني، مع أنه لا ينقصني شيء، أبي وأمي يعيشون، لي 7 أخوان، أحبهم ويحبوني، وما يردوني بطلب، لدي شهادة، لدي سيارة، وموعود بوظيفة عن قريب، لكن لا أعرف ما سبب عدم استجابتي للعلاج؟

أود أن أتحسن لأنطلق في الحياة لكن ما يمنعني هو المرض، بدأت العلاج النفسي من 3 سنوات، جربت أدوية عديدة لكني أتحسن وأنتكس، وأكثر مدة تحسنت فيها شهر.

جربت أدوية البروزاك، السيبرالكس، السيبرام، الافكسور، الريميرون، السيمبالتا، الانافرانيل، الفالدوكسان، الباروكسات، الفافرين، وغيرها كثير، لكن أدوية مساندة، مع العلم أنني لا أغير العلاج قبل شهرين أو قبل وصولي للجرعة القصوى، والآن من 5 أيام بدأت باستخدام الولبيترين 150 بالإضافة للفافرين، استخدمته من أكثر من شهرين؛ لأنه حسن الرهاب عندي 200 والريميرون 45 لتحسين النوم فقط.

أكثر الأدوية التي تحسنت عليها البروزاك من ناحية الاكتئاب، والفافرين من ناحية الرهاب والوساوس.

ما العلاج المناسب لحالتي، وهل للمخدرات سبب في عدم استجابتي للعلاج، وما مدى فائدة الجلسات الكهربائية في علاجي، وعلاج محسن للنوم بديل للريميرون، لأنني أستخدمه منذ أكثر من سنتين وفقد مفعوله؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فالحمد لله تعالى الذي جعلك تُقلع عن المخدرات، فهي ملعونة، ولا شك أن خلايا دماغك النضرة الخصبة الشابة قد تأثرت بها، لأنك بدأت التعاطي في سن مبكرة، لكن نقول: -الحمد لله تعالى- استوعبت الدرس، واستكملتَ الإلمام بعيوب المخدرات وتفهمتها، وها أنت أقلعت، وأنا أقول لك أن هذا أفضل علاج، الإقلاع والابتعاد عن مصدر الخطر وهو التعاطي والإدمان.

الآن حالة الاكتئاب التي تعاني منها مع تعكر المزاج، هي بالفعل مزعجة، وهي أكيد وليدة لعدم استقرارك النفسي في الفترات السابقة، لكن هذا لا يعني نهاية المطاف، وأعتقد أن اعتمادك على الأدوية أكثر من المناشط السلوكية ربما يكون أيضًا سببًا في أنك لم تصل إلى النتائج التي ترجوها.

من السرد الذي أوردته بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أرى أن البروزاك ومعه السوركويل سيكون هو الأفضل، لماذا؟ لأن البروزاك مضاد للاكتئاب فعال ممتاز، آثاره الجانبية قليلة، والسوركويل يعرف عنه أيضًا أنه محسن للمزاج مزيل للقلق ومحسن للنوم بصورة ممتازة جدًّا.

الريمارون أيضًا عقار ممتاز، لكن لا أرى أن من الحكمة أن تتناول أدوية كثيرة، خاصة إذا كانت الأدوية متقاربة.

عمومًا خذ برأي طبيبك، وأنا أرى أن البروزاك بجرعة كبسولتين في اليوم تتناولها صباحًا، يضاف إليه السوركويل بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً، تُرفع إلى خمسين مليجرامًا ليلاً بعد شهر، سيكون تمازجًا دوائيًا ممتازًا جدًّا، وحالتك لا تتطلب أبدًا أي جلسات كهربائية، حالتك - إن شاء الله تعالى – أبسط وأقل من ذلك.

بالنسبة للأسباب: الأسباب -كما ذكرت لك- غالبًا تكون متعددة، لا نستطيع أن نُحدد سببًا واحدًا في جُل الحالات النفسية، قطعًا هنالك عوامل بيولوجية وعوامل نفسية مع عوامل اجتماعية، والمخدرات قد يكون لها أثر، لكن الحمد لله تعالى هذا الأثر يختفي تدرجًا ما دمت قد أقلعت.

أنا أريدك أن تتجه اتجاهًا فكريًا إيجابيًا، أن تنظر للمستقبل بأمل ورجاء، وأن تعيش حياتك بجهد واجتهاد واستمتاع وتنظيم لوقتك، وأن تمارس الرياضة، وأن تتواصل مع أصدقائك وأرحامك، وأن تكون بارًا بوالديك، وأن تحرص حرصًا شديدًا على الصلاة الخاشعة مع الجماعة، وأن تتلوَ القرآن، وأن تحرص على الأذكار، خاصة أذكار الصباح والمساء، وأن يكون لك خطًّ واضح فيما تريد أن تفعله وتقوم به، فأنت الآن على أعتاب مرحلة عمرية متميزة حيث القوة البدنية والفكرية وطاقات الشباب التي نسأل الله تعالى أن يزيدك منها، -فإن شاء الله تعالى- النجاح سيكون مآلك، وأنت صححت مسارك، وهذا في حد ذاته محفز ومضاد قويّ للاكتئاب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً