الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يرضى الشرع أن تحجر المرأة، وتحرم من حقوقها باسم ولي الأمر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لديّ مشكلة أرقت تفكيري أطرحها بين أيديكم، علّي أجد بين حروفكم بارقة أمل بعد المولى سبحانه.

أنا فتاة متدينة -ولله الحمد-، وصلت لسن الثامنة والعشرين، تردد علي خُطاب كُثر، وفي كل مرة يأتي ما يفسد كل خطبة، والسبب الأول والأخير تفكير أهلي العقيم، وحرصهم الزائد عن الحاجة، الذي أفقدني صوابي، ليس في هذا الموضوع بل في كل شأن من شؤون حياتي، أضحيت يائسة، والهم في صدري يزداد يوماً عن يوم، مللت كل شيء يربطني بهم، فعمري يسير، وغصوني تذبل، وهم لا زالوا على حالهم غير آبهين بالوجع الذي يخلفونه كل مرة، لدرجة وصل بهم الحال أن يقولوا: عيشي طيلة حياتك عزباء!

وهم في الوقت نفسه يقفون كالأبواب الموصدة لأمنياتي وطموحاتي في هذه الحياة، وبين لحظة وأخرى يزعمون محبة الخير لي، ولا أرى منهم إلا سد كل باب خير أرتجي ولوجه، آخر خطبة كانت من أيام قلائل، -والحمد لله- استخرت وارتحت للخاطب، وهو أيضاً رد بذلك، وأهلي وبالذات أخي الذي يصغرني كان مرتاح نسبياً ووالدي معه، لم تكتمل فرحتي بموافقتهم حتى بدأ معهم مشوار التفكير بالمستقبل، وما الذي سيحدث لي فيه؟ .. إلخ، وكلام لا ينطق به عاقل، ما المستقبل إلا بيد الله سبحانه، وهو ما ضيعني يوماً ولن يضيعني.

تفطرت عيني كمداً من الحزن الذي اقترفته أيديهم بيّ، وأخذوا يقررون بالنيابة عني من آخذ، وماذا سأصنع؟ وكيف سأعيش؟ وكأني قطعة أثاث في المنزل، لا تملك من الاحترام والكرامة والإحساس شيء، ويصمونني بأني مستعجلة وأريد الزواج بأي شكل من الأشكال، وربي ما هذا من الحقيقة بشيء، وإلا لما بلغت هذا العمر وأنا أبلع أذاهم، وأنا كأي بنت، أرغب بالستر والاستقرار، وأن أكون أماً مثل أي أنثى على وجه الأرض، وأن أتزوج وفق ما أباح لي الشارع، لكن انتهى بي الحال من شدة غضبي أن أقول: إذن لا تذكروا أمامي موضوع الزواج والخطبة ما دام وضعكم هو ذاته في كل موضوع. فعلاً مللت، صبرت وتصبرت لكن العضل ديدنهم، وهو ما يرمون إليه في النهاية، حسبنا الله ونعم الوكيل.

أسألكم بالله: هل هذا من الدين في شيء؟ هل يرضى الله أن تحجر المرأة، وتحرم من حقوقها باسم ولي الأمر؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم، لعلي أجد السلوى مع هذا البلاء العظيم الذي حطم أمنياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يعين أهلك على الخروج من هذا الظلم والعدوان، وشريعة الله لا ترضى بما يحصل أبدًا، بل شريعة الله تجعل أمر الزواج للفتى والفتاة، ودور الأهل هو دور إرشادي توجيهي، ليس لهم أن يتدخلوا بالمنع، إلا إذا جاءت بسكِّيرٍ حيرانٍ تارك للصلاة، عاصيًا لمالك الأكوان، أما إذا كان المتقدم صاحب دين وخلق، ورضيتْ به ورضي بها، وارتاحتْ إليه وارتاح لها، فإنه لم يُرى للمتحابين مثل النكاح، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها تختلف.

وأرجو أن يُدرك الجميع، أن شريعة الله ترفض هذا الذي يحدث، وأن كثيرًا من الآباء والأهل من الجهلة –بكل أسف– يستغلون حياء الفتاة، وإلا فشريعة الله هي الإنصاف، شريعة الله تتجاوز هؤلاء جميعًا، الذين يفكرون بعقليات قبل التاريخ، تتجاوزهم لتتزوج الفتاة، ولكن نشكر لفتاتنا ونشكر لك هذا الحياء، وهذا الحرص على إرضائهم وإن كان في ذلك ضرر بالنسبة لك.

نؤكد مرة ثانية أن هذا الذي يحدث محرم في شريعة الله، وأرجو أن تشجعيهم على التواصل مع العلماء والدعاة، ليسألوهم عن حكم الله تبارك وتعالى في هذ الذي يحدث، فإنها جريمة الجرائم أن يعضلوا الفتاة وقد جاءها الخاطب المناسب، مهما كان السبب الذي يتكلمون به، ونحن مع هذا نزعم أنهم يريدون لك الخير، لكنهم أخطأوا طريقهم، والأمر كما قال ابن مسعود: (كم مُريد للخير لم يُصبه) ليست المشكلة أن يكون الإنسان مُريدًا للخير، لكن المشكلة أن لا يعرف أن الخير هو ما جاءت به الشريعة، ليست ما جاءت به العادات البالية، والممارسات الخاطئة التي كلها خداع، وهي عادات لا تُقيم لها الشريعة وزنًا، بل ترفضها جملة وتفصيلاً، لأنها تصادم ثوابت هذا الدين والشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

نتمنى ألا تيأسي، نتمنى أن تقتربي من الأخ الأصغر ومن الوالد في هذه الأحوال، ونتمنى أن تجدي من الأخوال والأعمام من العقلاء المتعلمين، من يستطيع أن يتكلم بلسانك ويدافع عنك، ويأخذ لك هذا الحق، يقفوا في وجوههم، ويخالفوا ما ذهبوا إليه، إنا نريد للفتاة أن يكون هناك رجلاً يتكلم بلسانها، فابحثي في محارمك، وتلفتي في من حولك، وبُثي شكواك لأحد هؤلاء الذين يعتبر أكبر الناس إليك، وليته تواصل معنا، يمكن أن يتواصل معنا على هاتف (55100346) حتى نعطيه وصفة لإقناعهم، وصفة للكلام معهم، حتى لو كان هذا الأخ الأصغر، نفضل أن يتواصل معنا حتى نتعاون جميعًا في تجاوز هذه الأزمة، حتى لو وجدنا فرصة نكلم الأهل الذين يقفون في الطريق، فإن الإقناع والكلام له أثر كبير، نريد أن نخوفهم بالله تبارك وتعالى من عقوبة هذا الذي يحصل منهم، وكيف أن الشريعة لا تقبل ولا ترضى بهذا، بل الشريعة تسميه (عاضل)، و(ظالم)، وهو معتدٍ على حقوق غيره.

وإذا كان الآباء قد أحسنوا وتعبوا في التربية، فإنهم لن ينالوا الأجر إلا إذا أحسنوا، النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: (من عالج جاريتين فأدبهنَّ وأحسن إليهنَّ وزوجهنَّ) لأن الإحسان لا يكتمل إلا بهذه الصورة، إلا بأن ييسر زواجها، لا أن يقف في طريقها، والسلف عليهم من الله الرضوان كانوا أحرص على الأعراض، وفيهم عمر الذي عرض بنته على الرجال، وهؤلاء لم يفعلوا هذا، وإنما وقفوا في طريق من يأتي به الله ليطرق الباب، وقفوا في طريقه بغير أسباب مقنعة، والشريعة لا تُقيم لهذه العادات البالية وزنًا.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الصبر، ولكن نتمنى ألا تستسلمي، ألا تيأسي، أن تبيّني لهم أن عليهم أن يراجعوا شرع الله والعلماء، ويسألوهم عن هذا الذي يحدث منهم، لأن الرجال يأخذون عن الرجال أكثر، ونسأل الله أن يسهل أمرك، ونتمنى من الشباب الذين طرقوا الباب أن يُعيدوا الكرة، وأن يكون لهم إصرار وعزيمة، وحبذا أيضًا لو تواصل أمثال هؤلاء معنا، حتى نبين لهم أن المعروف والأجر الذي يمكن أن ينالوه في حال إصرارهم وتكرار الطلب، لأن هذا له أثر كبير، فالفتاة يصعب عليها أن تقول (زوجوني من فلان)، لكن الشاب يستطيع أن يطرق الباب، ويأتي بالوجهاء ويكرر المحاولات مرة بعد مرة، ليفوز بالأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى.

ونؤكد لك كما هو معلوم بالنسبة لك، أن هذا الذي يحدث ترفضه شريعة الله جملة وتفصيلاً، والدين بريء من هذا الظلم الذي تأتي به العادات، ونسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرد الجميع إلى الحق ردًّا جميلاً، وأن ييسر أمرك، وأن يغفر ذنبك، وندلك على الباب العظيم الذي هو باب الله، لأن قلوب الرجال وقلوب الجميع بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، فنسأل مصرف القلوب ومقلب القلوب أن يصرف قلوبهم من أن يشفقوا عليك، ولا يظلموك، ولا يقفوا في طريقك، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • نسرين العمري

    انا وصلت لسن 47 ولم اتزوج حتي الآن انتي ما زلت صغيره و الفرص كثيره لا تفقدي الأمل حالتك أفضل من حالتي أحمدي الله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً