الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحتقر نفسي وأتهرب من مواجهة الناس، ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر 26 عاماً، لا أعلم منذ متى بدأت معاناتي بالتحديد، لكنها منذ زمن طويل، في البداية عندما أكون في مكان عام أشعر بحرجٍ شديدٍ عند الكلام، وعندما أتكلم يكون صوتي خافتاً جداً لا يُكاد يُسمع، وإن تداركت نفسي وقمت برفع صوتي أرفعه أكثر من اللازم، وأتهرب من المواجهة، وأسكت في المواقف الحاسمة.

أنام كثيراً، ولا أهتم كثيراً بنظافتي الشخصية، ولا آكل إلا وجبة واحدة في اليوم، ولا أستطيع حتى إكمالها، وجسمي نحيف، وأشعر بخمول معظم الأوقات، وبضعف الذاكرة، وكثير التدخين، وأشرب الشاي، وأفعالي متناقضة، وردود أفعالي كذلك، ولا أستطيع اتخاذ أي قرار بسهولة.

عندما أتعرض لموقف أفكر فيه باستمرار يومياً حتى وإن كان ذلك الموقف حدث لي قبل سنوات، وقد زادت حالتي، وتيقنت يقيناً تاماً أني أحتاج إلى المساعدة.

عندما ذهبت للدراسة في أمريكا كنت أقوم بعمل [برزنتيشن-التحدث عن موضوع أمام مجموعة من الطلاب-]، فكان جسمي يرتعش، ونبضات قلبي تزداد لدرجة أني أشعر أن قلبي سوف ينفجر، وأتعرق بشدة، ويزداد تنفسي بسرعة، وأشعر أني سوف أختنق، وأني على وشك الإغماء، ولا أستطيع الدراسة، والعمل مع مجموعة من الطلاب.

كانت هذه مشكلتي منذ زمن قبل الذهاب للدراسة، وهي التهرب من المناسبات الاجتماعية، والاجتماعات العائلية، أو عند الأكل في مكان عام ينتابني شعور أن الكل يراقبني، أو عند الصلاة في المسجد لا أستطيع الوقوف في الصفوف الأمامية، بالرغم أني قد كنت قديماً من الطلبة الذين يقومون بأداء الإذاعة المدرسية الصباحية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة.

تطاردني الأحاسيس باستحقار نفسي، وأني إنسان نكرة، لا أستطيع إنجاز أي شيء، اتكالي، فاقد للسيطرة، ضعيف الشخصية، غير مرتب الأفكار، متقلب المزاج، أشعر دائماً بالحزن، عاطفي، حساس، فكلمة واحدة كفيلة أن تقوم بتحطيمي، وثقتي بنفسي معدومة، وعند المذاكرة تهاجمني الأفكار السلبية والمواقف الصعبة التي مررت بها من قبل حتى وإن كانت منذ أيام الطفولة، مع الإحساس بتنمل وحرارة في بقعة معينة من الجزء الأيسر من الرأس في كل محاولة للتركيز أو التفكير.

أريد أن أتغير فعلاً، وأن أتزوج -إن شاء الله-، حاولت أن أقنع نفسي بأن كل الذي أفكر فيه مجرد أوهام في رأسي سببها التفكير بسلبية، وحاولت التفكير بإيجابية، لكن الامر لم ينجح، ولا أستطيع الذهاب إلى دكتور نفسي؛ لأن المجتمع -للأسف- ينظر إلى أي شخص يتعالج نفسياً أنه مختل عقلياً -مجنون-، ولا أريد أن أتناول أدوية بدون استشارة مختص.

أتمنى أن تكون المعلومات كافية لتشخيص حالتي، ووصف العلاج المناسب لي، وعدم تجاهل رسالتي.

شكراً لكم، ووفقنا الله وإياكم لكل ما فيه خير وصلاح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة جدًّا، وأعتقد أن جوهر أعراضك الآن يأتي في شكل خوف ورهاب اجتماعي، ولديك خلفية وسواسية واضحة جدًّا، فترددك في اتخاذ القرارات والأفعال المتناقضة التي تُزعجك، هذه سمة من سمات الوسواس، وحتى تقديرك لحجم صوتك بأنه خافت أو مرتفع، هذا أعتقد أنه ناتج من حساسية وسواسية في الطريقة التي تقيِّم بها الأمور.

عمومًا: هذه أحوال بسيطة جدا، والأمر كله الآن ينحصر فيما يمكن أن نسميه بقلق المخاوف الوسواسي البسيط، ومخاوفك جُلِّها هي ذات طابع اجتماعي، وهذا كله بالطبع أدى إلى شيء من الإحباط.

أيها الفاضل الكريم: لا بد أن تتفكر وأن تتدبر وأن تتأمل أن هذه الأعراض يمكن استبدالها بما هو مخالف لها، والإنسان له طاقات نفسية وجسدية حباها الله بها، هذه الطاقات قد تكون مختبئة أو حبيسة، لكن بتسليط الإرادة عليها والإصرار من أجل الإنجاز سوف يستفيد الإنسان منها ويُفعّلها، فكن على هذا النهج.

ومن المعروف والمؤكد أن حسن إدارة الوقت دائمًا تؤدي إلى حسن إدارة الحياة، فلا بد أن تلتزم بجدولة أو خارطة يومية تدير من خلالها وقتك، ولا بد أن تضع كوابح، وتتخذ قرارًا حاسمًا حول كثرة النوم، وكثرة التدخين، وشرب الشاي باستمرارية، هذه أمور لا بد أن تنجلي، ولا بد أن تنتهي.

أخي الكريم: ميزان النفس واضح، هنالك الميزان الإيجابي الذي يجب أن ندعمه ونثقل كفته، وهنالك الميزان السلبي الذي يجب أن نزيله تمامًا، يجب أن يكون تفكيرك المعرفي على هذا المستوى، وهذا سوف يفيدك كثيرًا.

من المهم جدًّا أيضًا أن تحقر فكرة الخوف؛ من خلال الثقة في الذات، وتقييم الذات بصورة صحيحة، والإنسان يمكن أن يُدرك نفسه ويعيها إذا تأمَّل فيما حباه الله تعالى من مقدرات، هذا يؤدي إلى دفع نفسي عظيم.

ضع لك برامج كما ذكرت لك، ويجب أن تكون لك أهداف آنية، وأهداف مستقبلية، قدِّم دائمًا مشيئة الله، واسع والزم نفسك بالتطبيق، ولابد أن يكون لك صحبة جيدة تساعدك على أمور الدنيا والدين.

اسع دائمًا لبر والديك والرفق بهما؛ هذا يُمثل رصيدًا حياتيًا وأخرويًا عظيمًا -بإذن الله تعالى- .

العلاج الدوائي أرى أنك في حاجة إليه، وهو مكمّل للوصفة التي ذكرتها لك، ويجب أن تأخذ الأمور بكلياتها ولا تجزئها، وأفضل دواء سوف يساعدك هو [الزيروكسات] هذا اسمه التجاري، ويعرف علميًا باسم [باروكستين]، وعمرك مناسب جدًّا لتناول هذا الدواء.

الأفضل لك هو الزيروكسات CR، والجرعة هي 12.5 ملجم، تناولها ليلاً بعد الأكل لمدة شهرين، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم 12.5 ملجم بعد يومٍ لمدة شهر، ثم 12.5 ملجم مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

الدواء سليم وفاعل جدًّا، ليس له آثار جانبية كثيرة، فقط قد يؤدي إلى زيادة في الوزن لدى بعض الأشخاص، كما أنه قد يؤخر القذف المنوي قليلاً لدى المتزوجين، وهذه الآثار كلها آثار وقتية وعابرة وتزول بعد التوقف من الدواء، وعمومًا هي لا تحدث لجميع الناس، فأرجو ألا تشغل نفسك بها.

الرياضة يجب أن تأخذ حيزًا أساسيًا في حياتك، وأشكرك على رسالتك الطيبة هذه، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً