الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تتصور أشياء غير حقيقية، كيف نساعدها لتجتاز أزمتها النفسية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

الدكتور/ محمد عبد العليم، جزاك الله خيرًا، وجعلك ذخرًا للإسلام والمسلمين، ورزقك الإخلاص والقبول، وبارك فيك وجميع العاملين في إسلام ويب، فأنتم تقدمون خدمات جليلة للمسلمين. وبعد:

أرسلت لك استشارة بخصوص أختي – عمرها 29 عامًا - والتي تعاني من مرض الفصام الباروني، ونصحتنا بالتوجه لطبيب نفسي وطمأنتنا على استجابة هذه الحالة للعلاج.

بالفعل بعد أن ذهب أبي للطبيبة وشرح لها الأعراض التي تعاني منها أختي (المراقبة، والتآمر، والأحلام المخيفة)، وصفت لها دواء ريسبيردال، وهي الآن على جرعة 2 ملجم. وتظل على جرعة الفافرين حبة واحدة، لأن أختي من قبل لديها بعض الوساوس.

حقيقة أنا قد ذهبت لطبيبة أخرى لأنني عرفت أنها تقوم بجلسات للعلاج السلوكي، حيث أني -بفضل لله- مهتمة جدًا بموضوع أختي، وأحاول أن أبذل ما بوسعي لمساعدتها، أرجو من الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقها الشفاء عاجلًا غير آجل.

أخبرتني الطبيبة أن المرض مزمن، سألتها عن الأفكار الضلالية التي تعاني منها أختي، فأخبرتني أنها عندما تتناول الدواء يمكن أن تشك في صحة هذه الأفكار، وما فهمته من الطبيبة أن هذه الأفكار قد تظل، وعندما سألتها عن الانتكاسة، قالت لي: أن الضلالات تعود مرة أخرى، وكأنها لم تعرف أن هذه الضلالات كانت أوهام. حقيقة أحسست بالإحباط، ولدي بعض الأسئلة، وفقك الله للإجابة عليها.

1- بعد أن تناولت أختي الدواء هدأت نوبات الغضب -ولله الحمد-، وربما قلت الأحلام المخيفة، أو تفسيرها للأحلام على أساس ضلالي، ولكنها أصبحت تنام كثيرًا، وعندما تستيقظ تحس بخمول ودوخة خاصة بعد الأكل مما يجعلها خاملة، فهل هذه الأعراض ستختفي؟ خاصة أننا لم نرفع الجرعة إلى الجرعة العلاجية بعد، وهي على الأقل 3 أو4 ملجم كما قالت الطبيبة. وهل من بديل إذا ظل الوضع كذلك، وما هي الجرعة المناسبة؟.

2- قرأت من خلال بحثي عن دواء الريسبيردال أنه قد يسبب مرض السكر، فهل هذا صحيح؟ وهل هناك طريقة للوقاية من ذلك؟ وقد لاحظت أن أختي قد زاد وزنها قليلًا، وهي لم تكمل شهراً على بداية العلاج.

3- كيف ومتى نخبر أختي عن حقيقة مرضها؟ وهل يمكن أن تستوعب ذلك؟ هل يمكن أن تدرك أنه لا يوجد مراقبة ولا مؤامرات، وهل يمكن أن تفرق بين الأفكار الصحيحة والضلالية، مع العلم أن أختي متخرجة من الكلية، وملمة بما يدور حولها، وكان لها علاقات اجتماعية كبيرة، ولكن قطعتها بعد أن اشتد عليها المرض.

4- هل يوجد علاج سلوكي لهذه الحالة؟ وإذ لم أجد أخصائي للعلاج السلوكي، فهل من دليل أو مرجع يمكنني الحصول عليه؟.

5- أحس أن أختي تفكر بعمق في بعض المسائل الدينية، فهل هذا من المرض أم وسواس أم طبيعي؟ أحاول أن أقول لها من يصل إلى الاستنتاجات هم العلماء، ونحن لسنا منهم، فلا تكلفي نفسك ما لا طاقة لك به، فهل أنا محقة أم أتركها وشأنها؟ وما هي أفضل طريقة للتعامل معها؟

بارك الله فيك، ووفقك لما يحب ويرضى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً على كلماتك الطيبة، وأسأل الله -تعالى- لأختك العافية والشفاء، وأنا أشكركم كثيراً على ثقتكم في شخصي الضعيف، أنت ووالدك، حيث أنكم ذهبتما بأختك لمقابلة الطبيبة.

أولاً: ما ذكرته لك الطبيبة حول مآلات هذا المرض أرجو أن لا يكون محبطاً بالنسبة لك، حيث أن بعض الأطباء يحاولون أن يبلغوا الحقائق كاملة ومجردة لذوي المرضى، الوضع المعروف أن الفصام الباروني هو أفضل أنواع الفصام من حيث الاستجابة للعلاج، خاصة إذا كان التدخل الدوائي مبكراً.

ثانياً: نستطيع أن نقول بصفة عامة أن مآلات هذا المرض لدى النساء أفضل.

ثالثاً: حوالي 35% من هؤلاء المرضى يتم شفاؤهم تماماً، و35 إلى 40% تظل أعراضهم موجودة، لكنها بسيطة جداً، ولا تعطل حياتهم، وتظل فئة بسيطة 20 إلى 30% يظل مرضهم مرضاً مطبقاً ومعيقاً لدرجة كبيرة، إذاً الأمور مبشرة وجيدة بصفة عامة، والمرض نعم له الطبيعة الانتكاسية، خاصة إذا لم يحافظ المريض على علاجه، أما إذا التزم المريض بدوائه وكان له قناعة به، ففرص الانتكاسات قليلة جداً، وإن أتت تأتي في شكل هفوات بسيطة، يمكن احتوائها بسرعة كبيرة جداً.

بالنسبة لسؤالك حول الأثر الجانبي للدواء، وأن هذه الأخت الكريمة تحس بالخمول، نعم هذا قد يحدث خاصة في الأيام الأولى للعلاج، لكن يمكن أن تعطى الجرعة كجرعة مسائية واحدة وفي وقت مبكر، هذا يمكن تماماً.

أما بالنسبة لموضوع زيادة الوزن؛ فهذا قد يحدث لدى بعض المرضى، خاصة الذين لا ينظمون طعامهم، ولا يلتزمون بممارسة الرياضة، بالنسبة للإصابة بمرض السكر، هذا قد يحدث خاصة إذا كان هنالك تاريخ أسري لمرض السكر، أي أن أحد أعضاء الأسرة كالوالدين مثلاً أو كلاهما يعاني من مرض السكر، لكن لا نقول أن هذا قانوناً صارماً، أي الرزبريادل أو الأدوية المشابهة إذا تناولها المريض تساوي مرض السكر، لا، هنالك حالات كثيرة رأيناها بالرغم من وجود التاريخ المرضي للسكر في الأسرة إلا أن مرض السكر لا يحدث، مرض السكر مرتبط ارتباطاً تاماً بزيادة الوزن، بالنسبة للمرضى الذين لا يتحملون الرزبريادل -وإن كان من أفضل الأدوية- لا يتحملون النعاس، وبالنسبة لزيادة الوزن هنالك عقار يعرف باسم اريببرازول، أي الأيبليفاي وهو من أفضل الأدوية البديلة، فالحمد لله تعالى الخيارات موجودة.

بالنسبة لإخطار أختك الكريمة حول طبيعة مرضها؛ أعتقد أن هذا يمكن أن يكون بالتدريج، وحين ترون أن بصيرتها قد تحسنت، وتعاونها مع الدواء وتناوله والقناعة به أصبحت جيدة، هنا لا بأس أن تعطى مقدمات بسيطة أن حالتك مرتبطة ببعض الاضطراب في كيمياء الدماغ، وهي تسمى بالمرض الظناني أو الباروني، والبعض يسميها الفصام، لكن هذه المسميات حتى وإن سببت وصمة اجتماعية، يجب أن لا يشغل الإنسان بها نفسه، إنما المهم هو العلاج والدواء.

وأقول لك أيتها الأخت الفاضلة: أنه لدي الكثير من المرضى يأتون ويقولون لي الحمدلله تعالى أننا قد تحكمنا في مرض الفصام، أننا قد تخلصنا من مرض الفصام، أننا في حالة جيدة، فالحمدلله تعالى هناك جمهور كبير، وتفهم من الناس لطبيعة هذا المرض، بالنسبة للعلاج السلوكي، أفضل علاج سلوكي هو إشعارها بالإيجابية، مساعدتها أن تتجنب الكسل والخمول، وأن تكون مشاركة حقيقية في أنشطة الأسرة، أن تقرأ أن تتواصل اجتماعياً، هذا هو أفضل علاج سلوكي، تفكرها بعمق في المسائل الدينية يجب أن نبحث وندفعها نحو الوسطية في كل الأمور، أتمنى أن أكون قد أجبت على اسألتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً