الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سئمت من حياتي بسبب الرهاب الاجتماعي.. فهل من خطة علاجية تدريجية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البداية أود أن أشكركم على ما تقدمونه من خدمة جليلة لنا، وأسأل الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء.

بخصوص حالتي فقد قرأت العديد من الحالات المطروحة، وتمعّنتُ في أوصافها، ووجدت أنني أعاني من رهاب اجتماعي يمنعني من مواصلة حياتي بشكل طبيعي، بل أحس أن حالتي تسوء، وأني كنت أفضل قبل مدة مضت.

في السابق كان لدي نوع من الرهاب الاجتماعي، اكتسبته من خلال نشأتي، فكنت دائمًا ما أتلقى كلمات تحبطني من والديّ، مثلا: عندما كنت أؤمَر بالذهاب لقضاء مصلحة في الخارج، وتبدو عليّ علامات الرفض، يقال لي باستهزاء: ماذا؟! هل أنت خائف من مواجهة فلان أو فلانة؟، وكنت دائمًا ما أتعرض لمقارنات مع الأشخاص المتفوقين في الدراسة، وآلامُ لعدم تمكني من تحصيل نتائج عالية.

ما يزيد الأمر سوءًا هو أنني الأصغر بين إخوتي، وكنت دائمًا ما أَلقى التقليل من قيمتي، وعدم الأخذ برأيي، كنت دائمًا أعاني من رهاب اجتماعي، لكن في السابق كان فقط مع الغرباء، فعندما أكون مع الأصدقاء أكون شخصًا آخر، مرحًا ومتعاونًا، أستطيع حضور الحفلات، والقيام برحلات مع الأصدقاء دون أي نوع من الخوف أو التراجع.

لكن كل شيء بدأ يتغير، ابتداء من العام الماضي، فقد بدأت أشعر تدريجيًا بأنني لا أتحمل الوقوف والتحدث مع الناس، وحتى الذين أعرفهم، فكنت أحس باضطراب كلما حاولت التحدث إلى أحدهم فيكون كلامي كلمات قصيرة، فأشعر بأن أنفاسي تخونني، وألتفت يمينًا ويسارًا ولا أركّز في عينيّ من أتحدث معه، ولا أرتاح إلا إذا كنت وحيدًا.

أصبح الأمر يكبُر، وبدأت ألقى مشاكل في التحدث حتى مع أصدقائي المقربين، وأصبحت أحب أن أكون وحدي أكثر فأكثر، وأنا اليوم طالب في جامعة يدرس فيها حوالي عشرة آلاف طالب، جلست ذات يوم مع نفسي لأعُد الأشخاص الذين أستطيع التحدث إليهم دون مشاكل، وجدت أن هناك فقط ثلاثة أشخاص.

في داخلي أشعر بأنني لا أحب الوحدة، وأشعر بشوق شديد للتحدث مع الناس، وأشعر بالأسى كلما رأيت أصدقاء يتكلمون مع بعض ويخرجون ويمرحون، وأنا مسجون في نفسي، وأشعر أن الناس يحبونني؛ لأنني أعاملهم معاملة حسنة ولا أؤذي أحدًا، بالعكس أنا متعاون مع كل الناس، لكن يصعب عليّ التحدث معهم، وكلما حاولت شعرت أن ذلك يغلبني، وأحس أنني مرتبك وغير مرتاح.

في الحقيقة هناك الكثير مما أود أن أقوله، لكن يصعب عليّ أن أفصِّل في الأمر، وقد جربت ذات يوم أن أذهب لطبيب نفسي، وجلست أنتظره لمدة طويلة ولما وصل دخلت، وبدأت أحكي له، لكني كنت أحس أنه لا يسمعني، وعندما انتهيت قال لي: إن حالتي بسيطة، وأنه يجب فقط أن أتعرف على فتاة، وتكون لي صديقة، لكني لم آخذه على محمل الجد، ووصف لي بعض الأدوية، لكن ذلك لم يكن له أي نفع، وكانت تكلفة الزيارة مرتفعة قليلًا، فلم أستطع أن أكلف أهلي زيارات أخرى.

خلاصة الأمر، أنا أعاني من رهاب اجتماعي، وأعلم ذلك جيدًا، وكذلك أعلم الأسباب، وأريد منكم مساعدتي على تجاوز هذه المشاكل، أريد خطة تدريجية حتى أتغلب على مخاوفي، وأنا على استعداد لبذل الجهد كي أتغير؛ لأني بدأت أسأم من حياتي، وأشعر بأنها مُملّة حتى بدأت أحس أني أدخل في حالة اكتئاب، وأريد أن أعرف هل الأدوية تنفع معي، خصوصًا (الزيروكسات) الذي سمعت عنه كثيرًا؟، وفي هذه الحالة، ما هي الجرعة المناسبة من هذا الدواء؟

أشكركم جزيل الشكر، وأسأل الله أن يجزيكم خيرًا على كل ما تقدمونه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عدنان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالفعل أنت تعاني من درجة بسيطة من الرهاب الاجتماعي كما ذكر لك الطبيب، وأنت تحتاج إلى نوع من التعرض والتعريض المستمر، وقطعاً ليس من الضروري أن يكون هذا من خلال التعرف على فتاة، ولكن تستطيع أن تكسر هذا الخوف من خلال أصناف كثيرة ومفيدة من التواصل الاجتماعي؛ الحرص على صلاة الجماعة، وأن تكون في الصف الأول، أن تلعب الرياضة مع زملائك خاصة كرة القدم، أنت الآن لديك ثلاثة أشخاص تستطيع التحدث إليهم دون مشاكل، يمكنك أن توسع هذه الدائرة، اجعلهم أربعة، اجعلهم خمسة، اذهب إلى الأسواق، تحاور مع الباعة مثلاً، تواصل مع جيرانك المصلين في المسجد.

أخي الكريم: الإنسان بطبعه اجتماعي، وأنت محتاج أن تغير الفكر السلبي عن نفسك؛ وهي أن مقدراتك محدودة، أو أنك لا تستطيع مخاطبة الآخرين، أو أنك سوف تفشل في موقف اجتماعي، هذه أفكار مسبقة غير صحيحة هي التي تسبب لك الإعاقة، وأمر آخر: الأنشطة على نطاق الأسرة، خاصة فيما يتعلق ببر الوالدين، والسعي دائماً نحو ذلك يساعد كثيراً في انحصار وذهاب الخوف والرهاب الاجتماعي.

أنت لست جبانًا، أنت لست ضعيفًا -في الحقيقة- أبداً، إنما هو خوف مكتسب، تعاملت معه بشيء من التهاون في بداية الأمر، ومن ثَم بدأ يتصاعد أكثر، الآن من خلال تحقيره ومواجهته، والإكثار من التفاعل الاجتماعي على الأسس التي ذكرناها لك، تمارين الاسترخاء مهمة جداً؛ لأنها تؤدي إلى زوال الجانب القلقي المرتبط بالرهاب الاجتماعي.

يجب أن تضع لنفسك خططًا تبني من خلالها مستقبلك الآني ومستقبلك القادم -إن شاء الله تعالى-، فهذه مهمة جداً؛ لأن فيها نوعًا من صرف الانتباه الإيجابي من الخوف الاجتماعي.

العلاج الدوائي: أقول لك: نعم هو مطلوب ومفيد إذا كان عمرك أكثر من 18 عامًا، (الزيروكسات) هو الدواء الذي سوف يناسبك، الجرعة في حالتك هي جرعة بسيطة: أن تبدأ بـ 10 مليجرام ليلاً، تتناولها بعد الأكل، أي نصف الحبة التي تحتوي على 20 مليجرام، بعد عشرة أيام اجعلها حبة كاملة، استمر على ذلك لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين، وهذه الجرعة المطلوبة أي 40 مليجرام يومياً، تناولها كجرعة واحدة لمدة شهرين، ثم خفضها إلى حبة واحدة واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، هذه الطريقة السليمة لتناول هذا الدواء في مثل حالتك، والدواء غير إدماني وغير تعودي.

لكن يجب أن تتناوله حسب الخطة التي رسمناها لك؛ حتى لا تعاني من أي آثار انسحابية يتصف بها هذا الدواء، الدواء أيضًا قد يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن؛ لأنه يؤدي إلى زيادة في الشهية نحو الطعام، والبعض قد يشعر بشراهة نحو الحلويات حين يتناول هذا الدواء، إن حدث لك شيء من هذا فاتخذ التحوطات اللازمة التي تمنع زيادة وزنك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا ali

    كان الله في عوننا، شعور مؤلم جداً لا يعلمه إلا من صابه هذا المرض.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً