الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الحسد والتأتأة والرهاب وعدم الرضا بالقدر، فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم

أعاني من المشاكل التالية:

1- أنا شخص لا أحب أن أحسد الناس، لكنني في هذه السنة كلما رأيت شيئًا جميلًا، سيارة أو بيتًا أو إذا أحد تزوج، أشعر بضيق وهمّ، وأقول: لماذا لا أصير مثلهم، لماذا أنا فاشل، حياتي تصبح تعيسة، وأحيانًا أستغفر ربي وأتوب إليه من الحسد، وأقول: الله كريم.

2- أعاني من خوف رهيب من الفشل، ومن المستقبل.

3- أعاني من تأتأة قوية لدرجة أنها أصابتني بالإحباط، أحيانًا -والله- أقول: ربي ظلمني في هذه الحياة، وأحيانًا أفكر في الانتحار! نوع التأتأة التي أعاني منها، حبسة في الكلام، أي عند ما أريد أن أتكلم أشعر بحبسة، وأعاني منها منذ كان سني 10سنوات.

4- أعاني من الرهاب الاجتماعي.

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيها الفاضل الكريم، أنا أعتقد أن لديك شيئًا من عدم الثقة بنفسك، ولديك شعور بالفشل، لذا تدخل في مقارنات مع الآخرين، ويأتيك شعور، لا أقول: إنك تتمنى زوال نعمة الآخرين؛ لأن هذا هو الحسد، لكن من الواضح أن الذي يأتيك من قلق وضيق، هو نوع من الخوف من الفشل، أو أنك لن تستطيع أن تصل إلى مبتغاك، وأيضًا يدل على عدم الرضا.

تفكيرك وسواسي، وتفكيرك تشاؤمي، وقولك: (ربي ظلمني في الحياة هذه)، وأحيانًا تفكر في الانتحار: هذا كله دليل على أنك لم ترتقِ بنفسك ولم تطورها، ولم تكتسب المهارات التي تجعلك تُسقط مثل هذه الأفكار، ولقد قلت قولاً عظيمًا؛ فالله يقول:{إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تكُ حسنةً يُضاعفها ويؤتِ من لدنه أجرًا عظيمًا}.

إذًا -أيها الفاضل الكريم-، حقّر مثل هذا الفكر، الذين يشترون السيارات وخلافها، أنت رجل، وهم رجال، أسأل الله -تعالى- أن يهب لك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملاً متقبلاً، زوّد نفسك بالعلم، كن إنسانًا مثابرًا، أكثر من الاستغفار، احرص على الصلاة مع الجماعة، أدرْ وقتك بصورة صحيحة، ضع لنفسك برامج مستقبلية، وضع الآلات التي توصلك لمبتغاك ولبرامجك التي تُريد أن تنفذها. هذه هي الحياة -أيها الفاضل الكريم-.

موضوع التأتأة قطعًا، هو دليل على وجود القلق، وربما أنك تراقب نفسك كثيرًا، وفي ذات الوقت خوفك من الفشل، هو الذي يجعلك تتلعثم في بعض الأحيان، فلا تراقب نفسك، وكما ذكرت لك، انطلق اجتماعيًا، تفاعل، كن شخصًا محبوبًا، ساعد الضعفاء، زُر المرضى في المستشفيات، مارس الرياضة مع الآخرين، اذهب وجالس أحد المشايخ وتعلم منه كيفية تلاوة القرآن وتجويده بصورة صحيحة، ركّز على مخارج الحروف واربطها بالتنفس، هذا -إن شاء الله تعالى- يساعدك كثيرًا في موضوع هذه التأتأة والحبسة.

بما أنك تعاني من شيء من الخوف الاجتماعي، مع وجود هذه التأتأة، والشعور بالضيق حين تنظر إلى نِعم الآخرين –كما ذكرت–، أرى أنْ تتناول دواء يُزيل عنك هذه الهموم ويساعدك في الاسترخاء الداخلي، وتقبل على الحياة مع السعي نحو التطوير، أرى أن هذا الدواء سيكون ذا فائدة لك، والعقار الذي يعرف باسم (باروكستين)، واسمه التجاري (زيروكسات)، وربما يكون له مسميات تجارية أخرى في اليمن، سيكون جيدًا ومفيدًا جدًّا لك.

إذًا اذهب، وقابل الطبيب، أو احصل على الدواء بأي وسيلة متاحة، ابدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة ليلاً، وقوة الحبة عشرون مليجرامًا، استمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبتين في اليوم، يمكن أن تتناولها حبة صباحًا وأخرى مساءً، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم أنقصها إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء. هذا الدواء مفيد جدًّا في علاج الخوف والقلق والتوترات، وأسأل الله -تعالى- أن يجعله ذا نفعٍ كبيرٍ بالنسبة لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتو/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
تليها إجابة الشيخ/ موافي عزب، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
+++++++++++++++++++++++++++++
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء.

بخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل سمير –، فأحب أن أقول لك: إن هذه الحياة الدنيا التي نعيش فيها أنا وأنت والناس جميعًا دار ابتلاء وامتحان واختبار، وأنه ما من أحدٍ على وجه الأرض إلا وهو مختبر وممتحن ومبتلىً من الله -تعالى-، وأحيانًا قد تكون الابتلاءات أو معظم الابتلاءات غير واضحة بالنسبة لي ولك، فأنت تلبس ملابس تستر جسدك، ولا يعلم ما في جسدك إلا الله، وأنا كذلك ألبس ملابس، وأظهر أمام الناس، قد أكون مبتهجًا، وقد أكون فرحًا ومسرورًا، ولكنّ في قلبي حزنًا وهمًّا لو وُزِّع على أهل الأرض لوسعهم، فلا تظنَّ أن أحدًا يعيش في هذه الحياة بلا هموم أو مشاكل؛ لأن الله -تعالى- قال عن الحياة الدنيا كلها: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}، وقال: {...ونبلوكم بالشر والخير فتنة...}، فهذه مشقة جعلها الله -تبارك وتعالى- فاصلاً وفارقًا بين الجنة وعالم الدنيا التي نعيش -أنا وأنت- فيها.

لذلك أقول، أولًا: أتمنى أن تُصحّح هذه الرؤيا، فلا تتصور أنك الذي ابتلاك الله وحدك، ومن هنا، فإني أعتَبُ عليك عتَبًا شديدًا أن تقول هذه العبارة القاسية والغير شرعية: (ربي ظلمني في هذه الحياة)، أتمنى أن تستغفر الله -تبارك وتعالى-، وأن تتوب إليه، وأن تُجدّد إيمانك بأن تقول: (لا إله إلا الله)، وأن تُكثر من الاستغفار؛ لأن هذه الكلمة كلمة عظيمة، وليست سهلة.

ثانيًا: كما ذكرتُ لك: اعلم أن الكلّ مبتلىً وممتحن ومختبر، وأن الله قال: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها؛ لنبلوهم أيهم أحسن عملاً}، وأنه قال: {أفحسب الناس أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتون * ولقد فتنَّا الذين من قبلهم، فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين}.

ثالثًا: لو نظرت في واقع الناس، لوجدتَ أنك أحسن حالاً من الملايين من خلق الله -تعالى-؛ فأنت تتكلم عن بعض مظاهر الأمور السلبية التي تعيشها: كالخوف والتأتأة والرهاب الاجتماعي وغيره، هناك من ينام على سرير، لا يدري ما يحدث حوله، لا يستطيع أن يُميط الأذى عن نفسه، لا يستطيع أن يُعبِّر أو يتكلم، بل لعلّه يُشير بعينيه أو بيديه، ويتمنى الموت فلا يجده، فأنت في حال أحسن، وأنت تأكل وتشرب -رغم الظروف الصعبة التي يمر بها يمننا السعيد، الذي نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يردّ إليه أمنه وأمانه- وهناك ملايين من الخلق لا يجدون قوت يومهم؛ ولذلك علَّمك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: (انظروا إلى من هو دونكم)، انظر إلى الأقل، وستجد الكثير مِمَّنْ هم أقلُّ حالًا منك.

فيما يتعلق بعلاج الحسد، فعليك -بارك الله فيك– إذا رأيت شيئًا يسرُّك أن تقول: (ما شاء الله، لا قوة إلا بالله)، كما علمنا الله -تبارك وتعالى- في سورة الكهف، ومن الممكن أن تقول: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة)، حتى تحقِّر هذا الأمر؛ لأن هذا بالنسبة لنعيم الآخرة حقير مهما عظم؛ فالدنيا كلها –كما تعلم– لا تساوي عند مولاك -تبارك وتعالى- جناح بعوضة.

فيما يتعلق بالخوف: أتمنى أن تبدأ بمشاريع صغيرة بسيطة تقوم بإنجازها، حتى تشعر بإعادة الثقة إلى نفسك، كأنْ تعقد العزم على أن تصلي الصلوات في جماعة، تعقد العزم على أن تفعل أشياء بسيطة، حتى تشعر بهذه الأشياء البسيطة التي تفعلها، وتنجح فيها، وتعيد بعض الثقة، ثم تطوّر نفسك خطوة خطوة من مشروع بسيط إلى مشروع أكبر قليلاً إلى مشروع أكبر قليلاً، حتى تستطيع أن تحقق -إن شاء الله تعالى- مشاريع تزيل عنك هذا الخوف وهذا الشعور بالفشل.

فيما يتعلق بالتأتأة: كما ذكر الدكتور/ محمد عبد العليم –جزاه الله خيرًا– أتمنى أن تحاول أن تذهب إلى أحد محفظي القرآن، وتحاول أن تقرأ على يديه؛ لأن كثرة خروج الحروف من مخارجها مع القراءة، سوف يجعله الله -تعالى- سببًا في القضاء على هذه التأتأة -بإذن الله تعالى- وهي كلها آثار من آثار عدم الثقة بالنفس، كما ذكر لك الأخ الدكتور النفساني.

واعلم أن الله -تبارك وتعالى- إذا قدَّر شيئًا كان، واعلم أن كل شيء في خزائن الله، فإذا أردت ما عند الله، فتقدَّم بطلبه إلى الله -تعالى-، وهذا الطلب هو الدعاء، فاستغفر الله -تعالى- من هذه الكلمة العظيمة التي قلتَها، وعليك بالدعاء والإلحاح على الله -تعالى- أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يشفيك، وأن يعافيك، كما عليك –بارك الله فيك– بأداء بعض المشاريع الصغيرة التي تستطيع أن تفعلها بلا مشقة، ثم تطوِّر نفسك، وتكون في غاية التركيز أنك تعالج نفسك، ثم بعد ذلك –كما ذكرت لك– عليك بملازمة محفظٍ للقرآن، تقرأ على يديه، وتتعلّم منه مخارج الحروف، وستكون -بإذن الله تعالى- في أحسن حال.

وللمزيد عن الحسد وعلاجه، يمكنك الرجوع للاستشارات التالية: (255080 - 246534 - 3266).

نسأل الله لك التوفيق والسداد، كما نسأله -تبارك وتعالى- أن يعيد إليك ثقتك بنفسك، حتى تكون من المتميزين المتفوقين في الدنيا والآخرة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً