الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معوقات في طريق زواجي بفتاة أحببتها، بماذا تنصحونني؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب بعمر 25 عاما، -ولله الحمد الكثير-، أعمل مهندس برمجيات، وأطمح وأتمنى من الله أن يوفقني في مستقبلي الذي أسعى وأدعو الله دائما أن يكون حافلا بالنجاح.

منذ فترة أفكر في أمر الزواج؛ لأني أريد من الله أن يرزقني العفاف، وأن يكون هذا الأمر تحفيزا لي لأكون أكثر سعياً وأكثر جدية.

لله الحمد، وجدت فتاة على خلق ودين وقمة في الأدب، ومن أسرة متدينة أعرفها محترمة، وأهلها قمة في الاحترام، رأيتها مناسبة لي بعد أن استخرت الله كثيرا، وفكرت في الأمر، كما أنها أيضا ما زالت تدرس بالجامعة، وبقي لها سنتان، وهذا مناسب لي، حيث أكون قد تيسرت أموري إلى الأحسن.

يعلم الله أني ما تمنيت هذه الفتاة للزواج إلا ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى، ولعلمي بحسن خلقها وتدين وطباع أهلها، كما أني منذ أن عزمت على هذا الأمر قد تقربت من الله كثيرا، وأصبحت ملتزما أكثر، وأدعو الله أن يثبتني على ذلك، فأصبحت أصلى الفجر في جماعة، وأسعى للحفاظ عليها، وجعلت لي يوميا ورداً من القرآن، وأسعى للإخلاص في عملي، وأقوم الليل أدعو الله أن يوفقني للزواج من هذه الفتاة، وأن يوفقني في عملي ويرضى عني.

كما أني خلال هذه الفترة رأيت رؤيا بعد صلاة الفجر، أن هناك مطرا غزيرا، وأنا كنت في مكان عملي فخرجت في الشرفة فرحاً، وأخذت أدعو الله كثيرا، وخصوصا أن ييسر لي هذا الأمر.

حينما قررت أن أفاتح أهلي في هذا الأمر لم يوافقوا؛ لأن الظروف المالية لا تسمح، ولأن أخي الأكبر مقبل على الزواج في الصيف القادم إن شاء الله، وأنا أساعده، وقال لي والدي: إننا لا نستطيع طلب هذه الفتاة للزواج؛ لأن الظروف المالية لا تسمح، وأهلها سيطلبون على الأقل الشبكة الذهبية في الوقت الحالي، وهم يعيشون في المدينة، والعرف عندهم وبالمحافظة التي أعيش فيها هو المغالاة في الشبكة والمهور.

كما أنه أيضاً هذه الفتاة تدرس بكلية الصيدلة، وأنا ظروفي لا تسمح حاليا، وبالنسبة للسكن حتى بعد فترة مقبلة لا تساعدني الظروف إلا في العيش في شقة بالإيجار.

سعيت في الأمر، ولم أستطع بلوغ الخطوة الأخيرة، والتقدم للخطبة لأني لا أريد أن أحرج والدي بالضغط عليهما، ولا أحرجهما أمام أهل هذه الفتاة إن لم يستطيعوا الوفاء بطلباتهم، كما أني لم أجد من يشجعني على هذا الأمر غير أخي الأكبر.

علما أن والدي يرون الفتاة مناسبة، وأهلها على خلق ودين، فأسألكم الإفادة في أمري وأن تدعوا الله لي بالثبات، وأن يوفقني وكل شباب المسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

-شكر الله لك -يا محمد- حرصك على طاعة مولاك، واجتهادك في بر والديك، واعتصامك بدينك، وطلبك للحلال حذرا من الحرام، وكلها أمور تدل على صدق نيتك وحسن مقصدك وسلامة اختيارك للطريق الحق، وإنا نرجو الله أن يوفقك لكل خير.

-نحب أن نطمئنك بأن من كتبها الله لك زوجة هي في علم الله معلومة قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة، معلوم من هي، ومعلوم متي وأين وكيف، كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم، والله لا يقدر لعبده إلا الخير، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء " وهذا يسير الأمر على كل مؤمن، لأنه يعلم أن الأمور بيد الله، وأن عليه بذل الجهد وليس عليه حصد النتائج.

-يطمئنك كذلك أن قضاء الله هو الخير لك، وما قدره الله لك هو خير مما أردته لنفسك مما لم يقدره الله لك، فاطمئن وتذكر دائما أن الله يختار لعبده الأصلح والأوفق له، بل علمنا القرآن أن العبد قد يتمني الشر وهو لا يدري أن فيه هلكته، وقد يعترض على الخير ولا يعلم أن فيه نجاته قال تعالي: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم".

كن علي يقين بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهنا سيطمئن قلبك ويستريح، فلا نريدك أن تقلق كما لا تنزعج من أي تأخير خارج على محيط قدراتك، وقدرات عائلتك، بل قد يكون عين ما تخاف منه هو قلب ما ترجوه، وأنت لا تشعر، وقد يكون ما تظنه شرا الآن هو الخير لك في الغد، وقد تكون هذه النازلة من ورائها الخير الذي لا تعلمه.

قال الشاعر: ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند الله منها المخرجُ*
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ.

-اعلم أن أحرص الناس على إتمام زواجك: والداك، فاستعن بعد الله بهم، واستمع إليهم، واحرص على إرضائهم وستجد الخير الكثير في ذلك، شريطة ألا تتعجل أقدار الله عز وجل.

-حتما سيراودك الشيطان بأن هذه الفتاة لو ضاعت منك فلن تجد مثلها! وقد اجتمع فيها ما تفرق بين النساء من خلق ودين وجمال وعلم.

كل هذا -أخي الحبيب- لا ينبغي أن يدفعك إلى التهور أو الحزن؛ لأنك مؤمن، وتعلم أن الله لو قدرها لك ستكون، وأن الله لو قدر لك غيرها لن تكون، والحديث عن أن الفتاة لا تجد مثلها حديث غير صحيح، فالخير موجود إلى قيام الساعة، وأنت والحمد لله، لا زلت صغيرا نسبيا، فلا تقلق.

-هناك نقطة هامة نريد أن نلفت انتباهك لها وهي: صلاح الفتاة في ذاتها لا يعني أهليتها لك، وصلاحك في ذاتك لا يعني أهليتك لها، والذي يعلم ذلك هو الله عز وجل.

-لا يعني حديثنا الفائت ترك الموضوع، بل نعني به بذل كافة الأسباب المعينة مع ترك النتائج على الله، وعدم تعلق قلبك إلا به، واعلم أنك بهذا معان، معان من الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والمجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف.

- إننا ندعوك وأنت تسير إلى طلبك الحلال بأن تفعل ما يلي:
- الإيمان الكامل بأن قضاء الله وقدره نافذ وهو الخير لك، دون كسل منك في العمل أو اتكال على العمل فقط، مع زيادة التدين عن طريق الصلاة (الفرائض والنوافل) والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلم أن الشهوة لا تقوي إلا في غياب المحافظة على الصلاة قال الله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعا أنه ابتعد عن الصلاة، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله أعانه الله على شهوته.

- لا تتعجل الحلال بالحرام، ولا تستمطر غضب الله باليأس منه، وانظر إلى ما أنعم الله به عليك، ستجد أموراً كثيرة تستوجب منك شكر الله عليها، واحذر أن تسلم نفسك للفراغ أو للأفكار، دع الأمر على ربك بعد أن تبذل ما عليك.

- كثرة الدعاء إلى الله عز وجل -دون ملل أو تعجل- أن يرزقك الله الزوجة الصالحة التقية النقية، واعلم -أخي الحبيب- أن الدعاء يستجاب.

نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً