الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب زوجي ولا أتخيل أن يكون مع غيري

السؤال

أنا متزوجة منذ 3 سنوات، وأم لطفل، أحب زوجي بجنون! وهو أيضاً، ولكننا تعرضنا لعدة مشاكل، وذلك لعدم خبرتنا بالحياة، وأيضاً لأنني أعيش مع أهل زوجي بنفس العمارة، وبدأت أمه تغار من حب ولدها لي.

وأهلي كانوا مقيمين في نفس المدينة التي أنا فيها، ولكن لظروف ما رحلوا. وبسبب كثرة الخلافات مع أهل زوجي - وكان آخرها طردي من منزلهم - قررت عدم دخول بيتهم مرة أخرى، وكل ذلك وزوجي عالم بالمشاكل، ولكنه ضعيف الشخصية أمام أمه، ولا يستطيع مواجهتها!

وحينما جاءت العطلة الصيفية سافرت عند أهلي، وزوجي لم يسافر، واستغلت أمه الفرصة، وطلبت منه الذهاب معها لخطبة ابنة أخيها، مع العلم أنه كان من الأساس لا يريدها، ولكنه كما قلت لك: ضعيف الشخصية، وحينما خطب، اتصل بي؛ ليخبرني أنه فعل ذلك، وأنه يحبني، ولن يستغني عني مهما حدث، وأقفل السماعة! وأنا جن جنوني! وبكيت بكاء هستيرياً!

مع العلم أنه في نفس اليوم تهافتنا، وآخر كلمة قلنا لبعضنا أننا نحب بعضنا مهما حدث من مشاكل، مع العلم أن من خطبها، كانت صديقتي، ثم بعد ذلك حاول الاتصال بي، وحاول أن أعود معه إلى مدينتنا، ووافقت؛ لأني أحسست أني شاركت في هذه المصيبة، ولو بشكل غير مباشر، حينما ذهبت وتركت زوجي، وأنا أعرف أن أمه مسيطرة عليه تماماً.

ولقد رجعت مع زوجي، وهو نادم على فعلته، ويقول لي أنه سوف يفسخ الخطبة، ولكنه ينتظر والد العروس أن يأتي من السفر، وأنا أعرف أن زوجي لا يقدر أن يتخذ قراراً دون أن يخبر أمه! وهي إن علمت بذلك فسوف تغير رأيه، وأنا لا أستطيع أن أتحمل زوجة أخرى - مع العلم أنني متحملة أهله - ولذلك طلبت الطلاق منه، وحضانة ابني؛ فيوافق تارة، ويرفض تارة أخرى!

وأنا حائرة! مع العلم أننا لا زلنا نحب بعضنا حباً لا يوصف! فما هو الحل!؟ أرجو ألا تقول لي أن الزواج من أخرى غير محرم؛ لأنني كما قلت لك أنا أحبه، ولا أتخيل أن يكون مع غيري! والموت أهون عندي من ذلك! وشكراً لكم! مع اعتذاري على الإطالة!


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إني لأحمد لك الله تعالى، وأسأله أن يوفقك في حياتك، ويحقق لك السعادة التي تنشديها آمين.

اطلعت على استشارتك، وأعجبني فيك وضوحك وصدقك وبحثك عن الحق والحل، وقبل عرض الإجابة، أرجو أن أعرض الحقائق التالية:

1- أوجب الله تعالى على الإنسان حقوقاً متعددة، منها حقه سبحانه، وحق النفس، وحق الخلق، وأولها حق الوالدين، والزوج، والأبناء، وهكذا، وأوجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه.

2- خلق الله البشر، وركّب فيهم صفات يختلفون فيها، بعضها حسن كالحب والمودة والإيثار، وبعضها سيء كالبغض والحسد والغيرة والكراهية.

فإذا علمت -يا ابنتي- هاتين الحقيقتين، فاعلمي أن الغيرة شيءٌ مركب في الإنسان، وقلما يخلو منه أحد، فتصوري إنساناً له حبيب يراه بين عينيه صباحاً ومساءً يستأثر به وحده بحبه وعطفه، ويصبح عليه ويمسي به، فكله له، وفجأة يأتيه غريبٌ يخطف منه حبيبه ويستأثر به، ألا يكون ذلك مدعاة للغيرة؟ أظنك فهمت ما أرمي له، لذلك العاقل -يا ابنتي- يعذر أمهات الأزواج في تصرفهم الذي لا يقوم على دين ولا منطق ولا عقل، ولكنه يقوم على العاطفة.

نعم، تتصرف الأم بهستريا تكره ذلك الإنسان الذي اختطف ابنها (الزوجة)، وكراهيتها بلا سبب، وتترصد أخطاء هذه الزوجة، وتُفسر كل تصرفاتها بأنها سيئة وخطأ، نعم، تشكي من كل هذه التصرفات، ولعلها أكثر من ذلك، ولكنك بالطبع فاهمة ومتعلمة، ألا تعذريها نفسياً كما قلت لك أن هذا أمرٌ مركب في نفس كل والدة رضينا أم أبينا، فهل نقطع سبيل هذه الرابطة لأن أم الزوج غير راضية؟ لو كان هذا هو الحل لما قامت زيجة أبداً.

أريدك يا ابنتي أن تفهمي هذه الصفات، وهذا العامل النفسي، وأن هذا ليس في نسيبتك بل في أغلب الحموات، فهي تُكثر النقد والشكوى من زوجة ابنها، وتكرهها بلا سبب، فهذا ليس قدرك وحدك ولكنه قدر كثير من الزوجات إلا من رحم الله، لكن مع هذا فقد أفلحن الكثير من الزوجات الفاهمات في حل هذه المشكلة، واستطعن أن يغيرن أمهات أزواجهن إلى أن يكن في مرحلة الأم.

ابنتي! اعلمي أن الله فرض علي وعليك وعلى كل إنسان البر بالأم، وأن لها حدوداً في التعامل، وأنه لا يجوز أن نرفض لها أمراً إلا في معصية الله، ولا نقل لها: أف، وحقها مقدم شرعاً على حقك، ويجب على الزوجات أن يكن عوناً للأزواج ليبروا بأمهاتهم، ولا يقعوا في عقوقهن.

لهذا، أرى أنه يجب أن نعيش مع الواقع، ونتمثل هذه الحقائق، حقيقة الغيرة في الأم، وحقيقة وجوب برها، ومن هنا يأتي الحل.

وهو أن ندخل عليها بالمدخل الصحيح، وهو مدخل العاطفة لا مدخل العقل ولا المنطق، والعاطفة تقتضي الإحسان إليها، والتقرب منها، وخدمتها، وإظهار حبها، وغض الطرف عن أخطائها القولية والعقلية، ونتجاهل ذلك تماماً، ونتفانى في خدمتها في حضورها وفي غيابها، من إعدادٍ للطعام وتنظيم للبيت لا سيما فراشها، وهذه المعاملة يجب أيضاً أن تكون من زوجك، كلاكما يجب أن يتفانى في خدمتها، وعليك أن تتجاهلي تماماً خطبة زوجك لتلك المرأة، وكأنه أمرٌ لم يحصل، ولا تشعريها بغضبك من هذا الأمر، وكل ذلك يتم باتفاق مع زوجك، وأن يؤخر أمر الخطبة ما دام يحبك، وما دام هو غير مقتنع بها، وربما لا تجدون تجاوباً من أم زوجك في الأيام الأولى، ولكن اصبري، وواصلي المسير حتى تغيري فهمها ورأيها، وتجبريها على التحول، ولنا عدة تجارب في مثل مشكلتك، والحمد لله حلت كثير من المشاكل.

وإني أُعجبت باعترافك بأنك شاركت في المشكلة من رحيلك من البيت، فارجعي فوراً، ونفذي ما قلته لك، وأزيلي فكرة الطلاق نهائياً من رأسك.

والبداية أن تجلسي مع زوجك، ولا بأس أن تقرئي عليه هذه الرسالة، وتتفقا على التنسيق الفوري.

هيا، توكلي على الله، واستعيني على قضاء حاجتك بكثرة الصلاة والدعاء، واصبري حتى يحقق الله لك غايتك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • النمسا العذوبة

    وفقك الله لما يحب ويرضا انتي وزوجك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً