الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مريض يشكو من تغير حاله وشكه في من حوله، ما تشخيصه وعلاجه؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
د/ محمد عبد العليم: تحية طيبة، وبعد:

بادئ ذي بدء أشكر جنابكم الكريم على جهودكم المباركة في خدمة الشبكة وروادها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيك خير الجزاء.

دكتورنا الفاضل: لي أخ حبيب، ومن القلب قريب، عمل منذ فترة في سلك حكومي في بلد شديد الاضطراب، وشكا لي هذا الأخ من تغير حاله، وشكه في من حوله، وأنهم يكيدون له ويتابعونه ويراقبونه، وقد وصل بهم الحال أن يدسوا له في طعامه وشرابه ما يؤذيه، ودليله على ذلك زيادة إدراره، ووجع أصابه لم يكن يعهده من قبل، وأنهم حين يجلسون معه يكونون جماعات ويتجنبون الانفراد به، وكأنهم يخشونه، وهو في قلق دائم، وهم شديد نغص عليه حياته، وقد نقل هذا التوتر معه إلى بيته، فصار يضرب أولاده بطريقة لم يعهدها من قبل، علما أن هذا الأخ كانت له سابقة شكوك وظنون، لكنها لم تكن كحالها اليوم.

وأسئلتي لك -دكتورنا الفاضل- هي:

1- هل هذا قلق أفضى إلى ظنون ووساوس أم أن الأمر له علاقة بظنان باروني -لا قدر الله-؟ علما أن هذا الأخ يقر بحاجته لعلاج نفسي، ويرغب بزيارة طبيب نفسي، وحين ناقشته في ظنونه لم يبدُ لي أنه مصر على اعتقاداته؛ مما أراحني قليلا.

2- ما هي آثار تهاونه في علاج نفسه على مستقبل حياته في عمله، وبيته، وعقله؟

3- ما هو العلاج السلوكي المعرفي والدوائي لمثل هكذا حالات؟

وتقبل خالص التقدير والاحترام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك -أخِي- ثقتك في إسلام ويب، وكذلك اهتمامك بأمر هذا الأخ الذي أسأل الله تعالى له العافية والمعافاة.

أخِي: نوعية الفكر والارتياب والظنان الذي يعاني منه هذا الأخ -أيها الفاضل- لا شك أنه حالة مرضية، وليست حالة وسواسية، فظنونه ظنون بارونية، وليس من الضروري أن تكون الظنون البارونية مُطبقة، فكثيرًا ما تكون هشَّةً، ويكون للإنسان استبصار جزئي، لكنه ليس مرتبطًا ارتباطًا كاملاً بالواقع.

والإنسان إذا كان له منظومة قيمية عالية وكان إنسانًا طيبًا وفاضلاً وتحمل شخصيته سمات الاعتدال والتوازن، في هذه الحالة قد لا يظهر المرض بالحدة والشدة التي نُشاهدها لدى الأشخاص الذين أصلاً لديهم سمات سلبية متعلقة بشخصياتهم وبنائهم النفسي.

أي أن عدم إطباق المرض وشدته على هذا الأخ أرى أن مآله وسببه وتفسيره هو غالبًا اعتدال شخصيته واستقراره الاجتماعي والمعرفي.

أخِي الكريم: هذا الأخ يجب أن يُعالج، وأنا أقول لك: إن هذه الحالات تُعالج بسهولة شديدة، والعلاج دوائي في المقام الأول، لأن الاضطرابات من هذا النوع لا بد أن يكون اضطراب كيمياء الدماغ هو السبب الرئيسي فيها. ربما يكون الإنسان لديه شيء من الاستعداد وتأتي الظروف الحياتية السلبية، فمثلاً هذا الأخ يعيش في بلدٍ شديد الاضطراب -كما ذكرت- هذا قطعًا يُمثِّلُ عبئًا نفسيًا عليه، لكن هو في الأصل لديه استعداد لأن تظهر لديه التطورات النفسية السلبية التي تحدثت عنها.

فيا أخِي الكريم: العلاج الدوائي هو العلاج الأساسي، وأفضل علاج سلوكي معرفي هو أن نقنع هذا الأخ بأن حالته بسيطة، ولكن يجب أن يُعالج، وأنه -الحمدُ لله تعالى- بخير، ونساعده في أن تكون رؤياه إيجابية حول المستقبل، وأن يعيش حياةً طبيعية فاعلة، وأن يُنظم وقته، وأن ينام النوم الليلي مبكرًا؛ لأن النوم الليلي مطلوب جدًّا في مثل هذه الحالات.

أما العلاج الدوائي فلدينا أدوية ممتازة، لدينا أربعة أو خمسة أدوية معروفة جدًّا، ونسبةً لأن حالة هذا الأخ بسيطة، أعتقد أن عقارا يعرف تجارياً باسم (رزبريدال Risporidal) أو ما يسمى علمياً باسم (رزبريادون Risperidone) وبجرعة بسيطة سيكون مناسبًا جدًّا، يبدأ بواحد مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى اثنين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم واحد مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم يمكنه أن يتوقف عن تناول الدواء، لكن حالته يجب أن يتم رصدها ومراقبتها، فإن لم تتحسَّن أعراضه فهذا يعني أننا نحتاج أن نزيد جرعة الرزبريادون أو ننتقل لدواء آخر، وإن لم يستجب للعلاج أرجو أن تتواصل معي، وهذا الأخ ما دام على قناعة بالذهاب إلى طبيب نفسي أعتقد أن هذا أمر إيجابي جدًّا، وما يصفه له الطبيب من دواء يجب أن يلتزم بتناوله، وكذلك يلتزم بالمدة العلاجية.

أنا أعطيتُ الرزبريادون كمثال، لكن يُوجد الإرببرازول، ويوجد السوركويل، ويوجد الأولانزبين، وهناك أدوية قديمة أيضًا، كلها فاعلة. نحن -الحمد لله تعالى- في خير عظيم -أيهَا الأخ الكريم- فيما يتعلق بعلاج مثل هذه الحالات، فالأدوية متوفرة تمامًا.

أنا أرى أن هذا الأخ سوف يعيش حياة طبيعية جدًّا في مستقبل أيامه، وفي عمله، وفي بيته إذا تناول الدواء.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أوروبا ام عبدالله

    الله يشفينا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً