الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس وخوف من المرض، ما الحل؟

السؤال

أعاني منذ مدة من وسواس دون سبب واضح؛ إذ أعتقد أنه سيصيبني مرض في المستقبل، وأفسر كل شيء أنه دليل على ذلك، وقد جعلني هذا الشعور خائفا معظم الوقت، وعندما يراودني أشعر بحالة نفسية سيئة، وقد سبق وأن استفسرت في موقعكم، ولكن تم توجيهي إلى أسئلة مماثلة، ولكنها ليست حالتي، ولأكون أدق: هذا الشعور أتخيل أنه سيصيبني العمى، أو فقدان البصر -عافانا الله وإياكم- وأن ذلك سيحدث بعد (10) سنوات من الآن!، فأدعو الله أن يجنبني هذه الأمراض، وهنا أشعر أنني إذا توقفت عن الدعاء فسيحدث ذلك، فتصيبني حالة من الوسواس القهري في الدعاء، فأعيد الدعاء عدة مرات.

أحيانا عندما أكون مع شخص ما أحاول قطع كلامي معه؛ لأجل الدعاء، وأحيانا أقطع مشاهدة التلفاز، أو قراءة القرآن؛ لأنني أتخيل أنه إذا لم أدع الله في تلك اللحظة سيصيبني مرض -عافانا الله وإياكم- ما أحتاجه لكي أشفى من هذه الحالة -بإذن الله- هو تأكيدكم لي على أن هذه مجرد وسوسة، وأن الله لا يخبر أحدا أبدا بما سيحدث له رغم أنني أعلم ذلك مسبقا، ولكن أحتاج للتأكد من ذلك، وأرجو الإجابة المباشرة على هذا السؤال من دون التوجيه إلى أسئلة مماثلة؛ لأنني بحثت ولم أجد.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا، لن نوجهك إلى أي أسئلة مماثلة -يا ابني- وسوف نُجيب عليك مباشرة.

ما زلت صغير السن، وفي سِنِّك هذا تكثر الوساوس والشكوك، والأسئلة متكررة في الأذهان، وأحيانًا بعض علماء النفس يعتبرون هذا شيئًا طبيعيًا من مرحلة من التطور الطبيعي للطفولة إلى الاستقلالية وتأكيد الذات -أي مرحلة المراهقة- ولكن عندما تصبح هذه الأفكار معيقة لحدٍّ ما ومُقلقة فإنها تحتاج إلى تدخُّلٍ.

تعلم علم اليقين أنه لا يعلم الغيب إلَّا الله، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى بذلك في القرآن الكريم في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلَّا الله} وقال: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدًا} وحتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب إلَّا ما علمه الله، {إلَّا من ارتضى من رسولٍ}، والقرآن مليء بالقصص الغيبية، فليس بمقدور كائنًا من كان أن يعلم الغيب، حتى الملائكة لا تعلم الغيب، حيث قال الله تعالى لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} وحيث قالوا: {سبحانك لا علم لنا إلَّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} أي أنهم لا يعلمون إلَّا ما علَّمهم الله به.

إذًا ما يحدث لك هو نوع من الوسواس، والوسواس هو أفكار تتسلل إلينا رغمًا عن أنفنا، وتبدأ في التكرار والتردد، نقاومها، نقاومها، نفشل، نُصاب بالقلق والتوتر، وعادةً من المعروف أن معظم مواضيع الوسواس إمَّا وساوس في الدين أو وساوس في العنف أو وساوس في الجنس، وقد مرَّتْ علينا حالات كثيرة مثل حالتك.

عليك بكسر هذا الطوق، لا تستجب للوسواس مهما كان، الاستجابة للوسواس تجعله يتكرر، نعم، عدم الاستجابة ستؤدِّي إلى القلق والتوتر، ولكن بالصبر وبالاسترخاء سوف يكون هذا هو أول الخطوات في توقُّف السيل المنهمر من الأفكار المتسللة.

لا تستجب لها، لا تأتمر بأمرها، لا تفعل أي شيءٍ إذا جاءك الوسواس بأن هذا سوف يحدث أو هذا سيحصل، بل حاول أن تفكِّر في شيء آخر، فكِّر في أشياء أخرى جميلة عشتها من قبل: لحظات جميلة عشتها، رحلة ذهبت إليها واستمتعت بها، سفرة سافرتها، وبهذا سوف تسترخي، وسوف يتوقف سيل هذه الأفكار.

لا تحاول دفعها، ولكن حوّل مسار التفكير إلى شيء آخر، وهذا يُغلق الباب أمامها، ولا تستجب لها، هي تتغذى من الاستجابة، وتُعاود الكرَّة. إذًا أوقف الاستجابة للوساوس، وحوِّل تفكيرك إلى شيء آخر جميل، وإن شاء الله تعالى تتوقف كل هذه الأشياء، وتعيش حياة هادئة مطمئنة.

وفَّقك الله -يا ابنِي- وسدَّد خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً