الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما زال فكري متعلقًا بفتاة أقمت معها علاقة محرمة مع أني متزوج الآن!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

سأروي لسيادتكم قصتي، وكلي أمل بالله، ثم بكم أن ترشدوني إلى الصواب، أنا إنسان عاطفي جداً، أحب أن أكون مرتبطاً عاطفيًا دومًا، ومنذ صغري كنت أحب وأتعلق بفتيات، وكبرت وكبرت معي العاطفة وأنا -ولله الحمد- لي أم وأب حنونان عليّ منذ صغري، ولم يحرماني من العاطفة، ولا الحنان قط.

بعد تخرجي من كلية الطب انصدمت بفتاة كنت على علاقة معها، وكنت أنوي أن أتزوجها، وقد تم التحدث لأهلها وكانت بعيدة عني في بلد آخر، حيث إنها تركتني وأشعرتني بفراغ كبير، وبعدها جاء لي طبيب صديقي، وصعب علي حالي، وقال لي في يوم: " دعنا نخرج في لقاء لأصدقاء لنا في الجامعة"، وفي ذلك اللقاء تعرفت على فتاة، وأصبحت مع الوقت شغلي الشاغل، واستحوذت على كل تفكيري، وأغرمت بها، وكان الناس ينصحوني بأن أنهي علاقتي معها؛ لأن سمعتها سيئة جداً، وكانت على علاقة بشاب من نفس الجامعة، وأنها غير شريفة، وأنا أعماني الحب؛ ولأنني تخرجت من الجامعة، فنويت الزواج فورًا لكي لا أغضب ربي أبداً.

علمًا بأنني وبكل سهولة كنت أستطيع أن أفعل أي شيء معها؛ لأنها سلمتني جسدها -والعياذ بالله- وعلمًا بأنني خلال سنوات الدراسة كنت قد ألغيت أي تفكير بغير الدراسة؛ لأنها صعبة ويحتاج لها لتركيز، فقد حاربت الناس وقلت بيني وبين نفسي الله في السماء يغفر للناس، وأنا العبد الفقير لا أغفر لها، ولم أصارحها قط، ولم أعلمها أنني أعرف الكثير عنها.

في يوم من الأيام لاحظت أنها تتوغل في العلاقة معي، وتريد أن تأتي عندي الشقة، وإذا كنا في مكان أو في الشارع تتعمد أن تقرب يدي من أماكنها الحساسة، وأنا لم أوافق، وبيني وبين نفسي كنت أخجل، وقمت وتحدثت لوالدها على الهاتف، وأخبرته أنني أحب ابنتك، وأريد الزواج، وأنني سآخذ بالي منها في فترة وجودها في الجامعة إلى أن يكتب النصيب، وتتخرج هي وأنا أبدأ بالعمل.

مع الأيام زادت في حركاتها الغير أخلاقية، وأنا تماديت أيضاً، وأعترف، ولكني شعرت بالذنب وقلت لها إننا نريد الزواج، ووافقت وذهبت أنا وهي لمأذون، وقام بتزويجنا مع شهود وعقد قران، ولكن قال في الآخر: أنه عرفي، وبإمكانكم أن توثقوها بسهولة من المحكمة في المستقبل، وكنت قليل الخبرة بالموضوع، ووقع الزواج وبرضاها، وذهبت لخطبتها مع أمي وأبي إلى بلدهم، وخطبتها خطبة عادية على أساس أننا نقوم بالزواج عند قاضي في المحكمة بطريق نظامية.

بعد فترة ذهبت إلى بلدي، وبدأت العمل، وتفاجأت أنها تقول لي إن والدها يرفض الزواج، وهي أيضًا مطيعة لوالدها، وتركنا بعض وطلقتها عند نفس المأذون الشرعي، وكتبت أني أعطيتها المؤخر، وأنا لم أعطها، ولكن هي موافقة؛ لأنها تريد أن لا تقع في أي مشاكل، وتم الطلاق.

وللعلم عندما كنت متزوجًا لها كانت تدعي إنها عذراء، ولكني اكتشفت أنها غير ذلك، وبررت بأنها تعرضت لتحرش وهي صغيرة من خالها، وكل هذا وأنا أغفر لها، وقلت لها نبدأ حياتنا من جديد، وننسى الماضي كله اليوم.

الآن أنا متزوج بفتاة راقية، وعوضني الله عز وجل، ولكن بعد خمس سنوات زواج، بدأت التفكير في هذه الفتاة، وأصبحت لا أنساها؛ لأنها آخر حب وأقوى حب، وأشعر أني ظلمتها مع أنها باعتني، وقالت لي أرجو أن لا تدعو عليّ، ما رأيكم يا أهل العلم أثابكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالعاطفة المجردة تجر صاحبها إلى ما لا تحمد عقباه؛ لأنها غير منضبطة بالعقل والشرع، وهو ما حدث لك بالفعل، فبالرغم من أن زملاءك نصحوك أن تقطع علاقتك مع هذه الفتاة، وأخبروك بأنها غير شريفة وسمعتها سيئة، بل إنها كانت قد أسلمت لك نفسها، وتريد أن تأتي إلى شقتك، وتضع يديك في أماكنها الحساسة كما ذكرتك، غير أن الله عصمك في تلك الفترة، وكان مجرد التحذير من زملائك كافيًا في تركها والإعراض عنها، لكن عاطفتك أعمتك فاستمريت بالعلاقة معها إلى أن وقعت في المحرم الأكبر، وهو ما يسمى بالزواج العرفي.

هذا النوع من أنواع الزواج الذي يفتقد لشرط أساس في صحة العقد، وهو انعدام الولي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، ويقول: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل)؛ ولأن الأولياء فقط من يحق لهم تزويج من ولاهم الله من النساء، فقد أمرهم الله تعالى أن يزوِّجوا من تحت ولايتهم من النساء، وأن لا يعضلوهن بمنعهن من النكاح لغير سبب شرعي، فقال سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فدل ذلك على أنه ليس للمرأة أن تزوج نفسها، وهكذا ورد الأمر في السنة النبوية مطابقا لما في القرآن، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء ألا يمتنعوا من تزويج من ولاهم الله عليهن من النساء في حال تقدم الخاطب الصالح في دينه وخلقه، فقال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).

فزواجك بتلك الفتاة يعتبر باطلا وطالما وقد تم الفراق بينكما، فعليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحا من فعلتك تلك والله غفور رحيم، وعليك كذلك ألا تفكر في الرجوع إليها مرة أخرى، ولا تتذكر تلك العلاقة المحرمة فأنت قد أنعم الله عليك بزوجة، فاشكر الله على هذه النعمة، وحافظ عليها والظلم الذي تخافه وقع مشتركًا بينكما فكلاكما ظالم لنفسه ولغيره، وما عليكم سوى الاستغفار والندم والعزم على ألا تعودوا مرة أخرى لمثل هذا العمل، وما أخشاه هو أن الشيطان يريد أن يغويك حتى تقع في الظلم مرة أخرى، وتبدأ بالتواصل مع تلك الفتاة، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم كلما جاءتك وساوسه وخواطره قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وهذه نصيحتنا لك أن توثق صلتك بالله بنوافل الطاعات من صلاة، وصوم، وتلاوة للقرآن، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة، مع التضرع لله وأنت ساجد، وفي أوقات الإجابة بالدعاء أن يصرف عنك وساوس الشيطان وخواطره، وأن يعصمك من الزلل، ويقنعك بزوجك، وعليك أن تتذكر وتبرز محاسن زوجتك وتقارنها بمساوئ تلك الفتاة السيئة السمعة، وماذا تفعل بامرأة ربما خانتك من وراء ظهرك لما لها من علاقات محرمة بأناس من قبلك.

أسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يقنعك بما رزقك من الحلال، وأن يسعدك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً