الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كذب الأطفال

السؤال

لدي -ما شاء الله- ثلاثة أولاد، أوسطهم أنثى، الأول عمره خمس سنوات وخمسة أشهر، والثانية عمرها أربع سنوات، والثالث عمره سنتان، أحبهم ولا أميز بعضهم على بعض! أهتم بالكبير من ناحية أنه القدوة، وأشجعه وأحمسه، ولكني أغضب لو عمل خطأ؛ لأنه كان طفلاً مثاليا في الهدوء والأدب!

والآن بعد اختلاطه بالأقارب وأطفال الروضة أصبح عنيدا، ولا يسمع كلامي إلا بالتهديد أني سوف أغضب منه، أو أني سوف أخبر والده، أو أني سوف أضربه! وبدأ يكذب علي، ولا يخبرني بأخطائه، ويقول كلاماً لم أقله، وأفعالا لم أفعلها لأم زوجي!

طفلتي الثانية متعلقة بي، كانت عادية جداً، لكن قبل شهور أصبحت شديدة التعلق بي، وشديدة الاعتماد علي في فعل كل شيء لها، وتتكلم كالأطفال ذوي السنة أو السنتين، وتقلدهم، وتناديني: يا أماه، وأبوها: يا أبة، مع أننا نحبهم جميعا، ولا نقصر عليهم في شيء ينفعهم دون سرف، فهي تطلب منا أن نفعل لها كل شيء فعلناه لأخيها الصغير!

حاليا ضقت ذرعا بتصرفاتها الطفولية! وأصبحت أقول لها يا طفلة، يا نونو، أخوك أصغر منك ويفعل أشياءه بنفسه، وفلانة من الأطفال تعتمد على نفسها في كل شيء، عكسك، وهي ـ للأسف ـ لا تستجيب! بل تعاند! وأحياناً كثيرة ألاطفها، وأبوسها، وأضمها، وأخبرها بحبي الكبير لها، ولكنها تزداد دلعا ودلالا! وأحياناً تريد أشياء، وأطلب منها ألا تفعل، ولكنها تعاند، وتضطرني لأن أضربها، وأراها تضحك قليلاً، ثم فجأة تبكي، وبحرقة! ثم ترتمي في أحضاني؛ مما يجعلني أشعر أن فيها عقدة من أخيها الصغير! كيف أتعامل معهما!؟
لقد احترت أنا ووالدهم في كيفية التعامل معهما! أمن المستحسن أن أخبر والدهما عن أخطائهما أمامهما، أم أستر وأخبره في السر؟ أنا أريد بذلك أن أخبرهما أني ووالدهما بيننا صراحة، وأني لا أخبئ عليه شيئاً يخصهما!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريما حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يجعل الصلاح ميراثاً في ذرياتنا إلى يوم الدين، ونسأله تبارك وتعالى أن يلهمنا السداد، والرشاد!

فإن الطفل ما سمي طفلاً إلا لأنه لا يعرف مصلحته، وليست الخطورة في الخطأ، ولكن المشكلة إذا لم ننجح في التوجيه الشديد، ومن ثم المتابعة الرشيدة، والطفل الذي يتحرك ويخطئ يعطي فرص كبيرة للتوجيه، والتصويب، ولكن الصواب أن نتغافل عن الأخطاء الصغير، وخاصة إذا لم تكن مقصودة حتى لا نرسخها عندهم.

اهتمامك بتوجيه الأكبر، والتركيز عليه صواب وخير؛ لأنه الذي يرسم الطريق لإخوانه، وعليك أن تساعديه في اختيار الأصدقاء الأفاضل، وتربطيه بالأسر التي تهتم بتربية أطفالها. واعلمي أن التشجيع والحب والملاطفة تنفع أكثر من الزجر والصراخ والضرب، وإذا أردت أن تطاعي، فمريه بالمستطاع، وإذا هددت بشيء فاحرصي على التنفيذ مع أننا لا نشجع كثرة التهديد، ونحذر من الضرب في هذه السن.

وعلى كل حال فإن الصواب أن يضرب الطفل إذا بلغ عشراً ـ كما قال الإمام أحمد ـ شريطة أن يكون الضرب على قدر الذنب، وأن يكون خفيفاً، وأن لا يتخذ ذلك عادة، وأن يعرف الطفل السبب الذي لأجله عوقب، وأن يسبق الضرب تعليم وتوجيه وتعنيفٌ وتهديد وتعليق للعصا، وتذكير بالله مع حرصٍ على تجنب الأماكن الحساسة كالوجه، ومن الضروري أن لا يكون مع الضرب توبيخ، وأن لا يكون أمام إخوانه، ولا يجوز أن نعاقب أطفالنا في حال الغضب الشديد إلى غير ذلك من الضوابط المهمة.
ولاشك أن الطفل لا يستمر على هدوئه بعد أن يخالط غيره، والصواب أن تصفي تصرفاته وتبقى على الحسن منها، ونعلن له عن حبنا له إذا فعل كذا وكذا، ونمدح فيه كل تصرف حسن، واحرصي على الثناء على تصرفاته الحسنة أمام والده والأهل.

أما سبب الكذب عليك وكتمان الأخطاء عنك فهو كما يلي:

1- اتخاذك لأسلوب التحقيق معه، كقولك : هل فعلت كذا!؟ أو من الذي فعل كذا؟
2- شدة التوبيخ على الأخطاء.
3- جلوسه مع من يكذب من الأطفال، أو وجود من يكذب في البيت.
4- فرح بعض الأهل بكذب الأطفال واتخاذهم لبعض الحيل.
5- ليس كل ما يقوله الطفل يدخل في باب الكذب؛ لأن الأطفال لهم خيال واسع فربما أخبر عن أشياء يريد حدوثها أو يشعر أن الناس يرغبون في حدوثها.

وعلى كل حال، فإن سؤال الطفل عن أحوال الناس يدفعه للكذب، ويعوده صفات ليست محببة، خاصة إذا عرف الطفل الإجابة التي نريدها. وقبل أن ندخل إلى قصة الطفلة أرجو أن ننبه إلى أهمية جرعات العاطفة، وضرورة التوازن فيها والعدل، فإذا كان الأب يعطف على طفل معين، فعلى الأم أن تهتم بالثاني حتى تحفظ التوازن، وإذا كانت الجدة تحب طفلاً معينا، فعلى الوالدين الاهتمام بالآخرين؛ حتى نحفظ التوازن العاطفي في المنزل.

ويتضرر الطفل جداً إذا شعر أن غيره يفضل عليه، ويدفعه ذلك للتمرد والعناد والتبول الليلي، والرغبة في تقليد من يصغره حتى يلفت الأنظار، ويحاول رد الاعتبار والاهتمام بالبكاء، والتصرفات الغريبة والدلع، وهذه الطفلة تشعر أن البساط يسحب من تحتها، ولكونها بنتا، فهي محتاجة لعاطفةٍ أكثر، وأرجو عدم إظهار الضيق على تصرفاتها؛ لأن هذا يدفعها للعناد، ولكن عليك بالصبر عليها، والحرص على الثناء عليها أمام والدها والأهل، وتشجيع كل خطوة إيجابية، وابتعدي عن المقارنات السالبة، ولكن قولي فلانة ممتازة؛ لأنها تحب أخاها، وهي جيدة؛ لأنها اليوم خلعت ملابسها وحدها، وسوف تكون جيدة جداً إذا تركت البكاء، وإذا جئت إلى البيت بحلوى، فاطلبي منها أن تعطي أخاها بنفسها، ولتكن البداية بها قبل غيرها.

وليس من المصلحة إخبار والدها بأخطائها، ولكن المفيد هو أن يعطيها نصائح تعالج أخطاءها دون أن يذكرها لها أو يشعرها بمعرفته بالأخطاء، واجعلي تدخل الأب في آخر المراحل، وناقشي هذه الأشياء بعيداً عن سمعهم وأبصارهم، ولا تظهري الشكوى والتضجر من تصرفاتهم أمام الناس، فإن بعض الأمهات تقول لجاراتها هذا الطفل حيرنا، وما قدرنا عليه، وهنا ينتفش الطفل ويفرح ويواصل السير على هذا الدرب رغبة في الشهرة.

وليس من الضروري أن يعرفوا أنك صريحة مع والدهم؛ لأن هذا قد يكسر عندهم حاجز الحياء إذا عرف الوالد بكل شيء، ولكن من المهم أن يكون لكما منهج موحد للتوجيه والتربية؛ لأن الأطفال يتضررون من الأوامر المتعارضة والتوجيهات المتناقضة، وعلى الأب أن يحرص على أن يغرس في نفوسهم رقابة الله واحترام الأم، وكذلك أنت تعلميهم الاحترام لوالدهم بعد طاعتهم لله.

والله ولي التوفيق!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً