الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصر زوجتي سبب لي الشعور بالتعاسة، فبماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم

أعاني من إحساس بالتعاسة ينتابني مع زوجتي، عمرها 20 سنة، حيث أنه لا يروق لي أن أخرج معها لأنها تقصرني ب 30 سم، ونحن متزوجان منذ 5 أشهر، ولم أنتبه إلى قصرها عند عقدي عليها.

والله هذه المشكلة تؤرقني كثيرا، لدرجة أني أفكر في طلاقها لهذا فقط أو أن أتزوج عليها، كما أني لا أريد جرحها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ jamal حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن جميع خلق الله حسن فلا يعاب الطويل ولا القصير، وقدرك أن تتزوج بهذا المرأة، وأقدار الله كلها خير للإنسان.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليا).

ليس مقاس زوجتك بيدها فتزيد فيه إرضاء لك، بل هكذا خلقها الله، وقد أباح الله لك النظرة الشرعية قبل العقد من أجل أن تدخل في عقد شراكة معها وأنت راض مقتنع، ولكنك لم تقبل رخصة الله، ورضيت بها زوجة، ودخلت بها واستمعت بها طيلة هذه المدة، فالغلط ليس غلطها، وإنما غلطك أنت مئة بالمئة.

لنفترض أن أختك حدث لها مع زوجها مثل ما حدث معك فهل ترضى أن تتطلق أختك لهذا السبب؟ ألا تدرك نظرة المجتمع الجائرة للمرأة المطلقة؟ ألا تحس بما سيحدث لها من الحزن والكآبة وانكسار القلب والمعاناة التي ستستمر معها طيلة حياتها.

ليس العبرة في نظرة الناس إليك وإنما العبرة بسعادتك مع زوجتك واستقرار حياتك معها، فانظر إلى صفاتها الإيجابية، واغمر النقص في بحر تلك الصفات الجميلة.

ليس المهم في المرأة طولها وإنما يكون النظر إلى مدى تواضعها وتقديرها لزوجها وحبها له، وقيامها بواجباتها، ووجود المودة والرحمة والسكينة، فتلك هي أهم أسباب السعادة الزوجية.

الغاية من الزواج والمقصد الأساس السكن النفسي وليس جسد المرأة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

أنت في نعمة جليلة ولم تعب على زوجتك إلا قصر قامتها، فأخشى إن طلقتها أن يعاقبك الله بامرأة طويلة لكنها متكبرة ومتغطرسة وتنظر إليك شزرا وتذيقك الويلات.

لست أدري ما السبب الذي جعلك تهتم بطول القامة وتغفل صفات المرأة الأهم وهي: الدين، والخلق، وحسن العشرة، وإتقان تدبير المنزل؟

أخي الكريم: إن هذه الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة يقول نبينا عليه الصلاة والسلام:( الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) ولم يقل: خير متاعها المرأة الطويلة.

من الخطأ أن يعتقد البعض أن السعادة الزوجية تكمن في جسد المرأة طولا وعرضا وجمالا فنظر الإنسان يعتاد على الجمال والطول والعرض بعد بضعة أيام من زواجه، ويصبح بعد ذلك أمرا طبيعيا واعتياديا، ولربما صار يقلب ناظريه مالم يكن تقيا في وجوه النساء يبحث عن شيء آخر، وما أريد أن أهمس به في أذنك هو أن المهم جوهر المرأة والذي على أساسه تُبنى عشرة العمر.

أخي الحبيب: حياتك ومعيشتك اليومية في إطار بيت الزوجية ليس مع شبح ماثل أمامك بل مع روح إنسانة وكيانها وطباعها وأخلاقياتها وسلوكها تضفي عليك المحبة والحنان، وترعى شئون بيتك، وتهتم بك، تفرح لفرحك وتحزن لحزنك، وتسعى لراحتك وتألقك في هذه الحياة.

لا تنظر إلى قصر قامة زوجتك ولكن انظر إلى علو أخلاقها، وسمو سلوكها، وجمال روحها، فبذلك ترتفع مكانة المرأة في قلب زوجها وتتربع على كرسي حبه فتشغفه حبا.

هل تعلم أن أعظم شخصية رجل عرفها التأريخ كانت له زوجة قصيرة فلم يعب عليها ذلك، بل دافع ونافح عنها حين ذكرت بذلك ففي سنن أبي داود أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) أليس لك به أسوة وقدوة.

احذر من الشيطان الرجيم الذي يحاول أن يتلاعب بك، ويبغض زوجتك في نظرك، ويوقع في قلبك كرهها ليفرق بينكما، فاستعذ بالله منه ولا تصغ لوساوسه وخواطره.

أكثر من ذكر الله، ومن الاستغفار، وشكر الله على نعمائه، ومنها نعمة الزواج، فمن شكر الله زاده يقول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

عسى أن يكون كرهك ونفورك من قصر قامة زوجتك من ورائه خير كثير كما قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلبيكما، وأن يقنعك ويرضيك بما قسمه لك، وأن يصرف الشيطان عنك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات