الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أكمل دراسة الطب وأحقق حلم أمي، ولكن كيف؟!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في أول الأمر أحب أن أشكر القائمين على هذا الموقع، جزاكم الله ألف خير, هذه المرة الأولى لي التي أطلب بها استشارة من الطبيب.

أنا طالب طب بالمرحلة الأولى, بطبيعة شخصيتي أنا إنسان جدا خجول، ودائما لا أعرف التعبير عما في داخلي، لذلك سأجد صعوبة في كتابة حالتي التي تواجهني منذ أربعة شهور، أي منذ أول يوم لي في كلية الطب، شعرت أنني أريد ترك الجامعة، والجامعة كانت حلمي الذي زرعته أمي منذ صغري، وحلم أهلي كلهم، فأنا الوحيد في العائلة الذي يدرس هذا التخصص, بدأت المحاضرات وأنا فقط أستمع ولا أجد ما يجذبني للدراسة، يوما بعد يوم أصبحت لا أبالي، أدخل إلى الامتحانات دون أن أقرأ شيئا، حيث كان صادما في البداية، ولم أعتد هذا الشيء، دائما لا أترك أي صفحة دون مذاكرة، كنت متفوقا في دراستي، وكل ذلك تغير وأصبحت أقضي وقتي على الإنترنت دون أن أشعر بأي متعة، فقط لتضييع الوقت، ونسيان وضعي، وتأنيب الضمير، وحالياً أكتب لكم وغدا لدي امتحان.

فقدت قدرتي على الحفظ والفهم بشكل مريع، أصبحت لا أفهم أي موضوع مهما كان بسيطا, نعم، كانت لدي هذه الحالة في سنوات دراستي السابقة، لكنني لم أكن أعيرها ذلك الاهتمام، كنت أحفظ المواد عن طريق التلقين، أي الترديد المستمر دون استيعاب ما قرأته، ولكن بعدها أصبحت أدرك أنني إنسان غبي ومشتت، لا أملك هدفا في الحياة، وفاقد للثقة في نفسي, ظننت أن السبب هو بيئة منزلي، وأنها غير مناسبة للدراسة بسبب المشاكل العائلية, أحيانا أشعر بأنه لا مكان لي في هذا العالم.

كل من حولي يدعمونني ويرونني إنسانا ناجحا، وما أمر به عقبة ووساوس من الشيطان، لكن ما أشعر به مختلف, عبارات التحفيز وقصص النجاح أصبحت لا تؤثر فيّ إطلاقا, في الفترة الأخيرة أصبحت أرى الدنيا سوداء، ولا حاجة للعيش، ووصلت إلى فكرة الانتحار، ولا أعلم ما الذي أوقفني، لعل السبب أنني إنسان ضعيف ولا أملك القدرة على ذلك، لا أطيق أن أكون مع أصدقائي، ولا التجول بين الناس، أشعر بأنه يجب العودة للبيت، أعلم أن من صفاتي الوحدة وحب العزلة، ولكنني لم أصل إلى هذا المستوى الذي يجعلني لا أرغب في التكلم حتى مع أهلي.

حينما أريد البدء بتعلم شيء جديد أجد نفسي في بداية الأمر مستعدا ومتحمسا، ولا يمر الكثير من الوقت حتى أتركه, كتطوير مهارتي في اللغة الإنجليزية، كل الكلمات الجديدة أتعلمها، وفي اليوم التالي أنساها بشكل كامل, أخجل من نفسي، كل من حولي يحسنون أنفسهم ويطورونها إلا أنا، أجد صعوبة كبيرة في تطوير ذاتي, حتى في علاقتي مع الله تعالى لا أقدر على تحسينها، دائم السرحان في صلاتي، ولا ألتزم بها، ولا أشعر بالخشوع، حتى عند قراءة القرآن الكريم لا أفهم شيئا, عصيت الله مرات كثيرة، وفي كل مرة أعاهد نفسي أن أتوب وأرجع إلى الله، ولا تمر مدة طويلة إلا وأقع في المعصية.

لا أكره الطب ولا أحبه، لكنني لا أرى نفسي في هذا المجال، فالمجال يحتاج إلى شخص نشيط وكفء، وأنا شخص كسول وبارد، دائما أحاول إقناع نفسي بتغيير التخصص، لكنني لا أجد تخصصا آخر يناسبني، لكن ما يجذبني هو كون مهنة الطب مهنة إنسانية، وتسعى إلى إنقاذ حياة الناس، وهذا شيء عظيم, لو حصل وتخرجت كطبيب أتمنى العمل في المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة، لعل ذلك يكون سببا في كسب رضا الله تعالى.

ولدت في أسرة مفككة، وتركنا والدي عندما كنت في السابعة من عمري، تكفلت والدتي برعايتنا طوال هذه السنوات، ونشأت في بيت جدي, لا أحتمل رؤية والدتي وهي تعاني من رؤية ضياع مستقبلي، وهي التي كان لديها بصيص أمل عندما دخلت المجال الطبي، وأنني سوف أكبر وأصبح رجلا يعتمد عليه، لكن ليس بيدي شيء، فأنا لا أقدر على مساعدة نفسي.

مؤخرا صرت أعاني من مشاكل في النوم، وفقدان الشهية، والإجهاد المستمر، مما جعلني لا أهتم بمظهري عند الخروج من البيت، وأعاني من النقص العاطفي لكوني شديد الحياء عند التحدث إلى الإناث، فأنا أتهرب من أي نشاط اجتماعي داخل الكلية أو خارجها.

قمت بالبحث مسبقا عن الحالة التي أمر بها، ووجدت أنني قد أكون مصابا بحالة اكتئاب، أو يكون السبب من الغدة الدرقية، أو أي أسباب أخرى، أتمنى أن توضحوا لي ما هي حالتي؟ وهل هنالك علاج أو دواء معين؟

شكرا لجهودكم مرة أخرى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdullah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، واشكرك على الثقة في إسلام ويب.

أنا تدراست حالتك -أيها الفاضل الكريم- ربما يكون لديك شيء من افتقاد الدافعية والتنافسية هذه الإشكالية الأولى، لكن جوهر مشكلتك أنك لست صارماً مع نفسك، ولا تدرك قيمة العلم والتعلم، أرجو أن تسامحني في هذا، لأن الإنسان إذا أدرك أهمية الشيء لا بد أن ينجزه، والإنسان يجب أن لا يحكم على نفسه بأفكاره أو مشاعره إنما بأفعاله، الفكر السلبي والمشاعر السلبية تقود الإنسان إلى الكثير من المهالك وتبعده عن الإنجاز.

أخي الكريم: أنت محتاج لشيء واحد وهو النية الصادقة، والنية تعني العزم الصادق والقصد الصادق، وهذا يوصلك إلى مبتغاك، الأمر في غاية البساطة، والله تعالى حباك بالقدرة الكاملة على الإنجاز، المهارات موجودة، الفكر موجود، فكل الذي تحتاجه أن تجلس مع نفسك وأن تراجع نفسك، لماذا أنت هكذا؟ لماذا لا تكون يداً عليا؟ لماذا تقبل لنفسك الهوان؟ أعتقد أنه مجرد قضية استشعار مسؤولية، وأنا لا أريدك أبداً أن ترمي الأمر على الاكتئاب وتقول أنا مكتئب، لذا أنا أنا، لن أستطيع أن أنجز، لن أستطيع أن أكون مسؤولاً عن نفسي أو غيري لا، حتى وإن كان هنالك سرحة من الاكتئاب فهي توزن بهذه الكيفية أن تستشعر المسؤولية الحقيقية تجاه نفسك، أن تعرف أنك أنت الذي تغير نفسك، أن لا تتبع مشاعرك وأفكارك السلبية وأن تتخذ خطوات علمية للتطبيق.

موضوع السهو في الصلاة هذا يأتي لكثير من الناس، لكن إذا استشعرت عظمة الذات الإلهية وحين يخشع القلب سوف تخشع الجوارح هذا أمراً أكيد ولا شك فيه، برامج عملية بسيطة تساعدك أول هذه البرامج هو أن تنام النوم الليلي المبكر، أنت ذكرت أنه لديك صعوبات في النوم، لكن هذه يمكن أن تحسنها من خلال برامج نسميها تحسين الدورة النومية، وهذا يتطلب منك أشياء بسيطة أن لا تنام نهاراً، أن تمارس الرياضة، أن تثبت وقت الفراش ليلاً، أن تحرص على أذكار النوم، أن لا تتناول المنبهات كالشاي والقهوة والبيبسي والكولا وكل محتويات الكافيين وذلك بعد الساعة الخامسة مساء.

قطعاً هذا سوف ينتج عنه تحسن كبير في نومك، وسوف أصف لك دواء بسيطاً يساعدك أيضاً على تحسين المزاج وتحسين النوم، الكلام على الانتحار أمر محزن، من ينتحر ينتحر لنفسه، ويدخل نفسه في عذابات الدنيا والآخرة، يؤدي إلى عذاب شديد لمن يتركهم خلفه كأمك مثلاً، والأمر واضح، {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيم}.

يجب أن تنطلق في الحياة، وأريدك أن تلجأ لما أسميها المبادئ التخصصية الراقية للمذاكرة والاستذكار، أولاً: حين تنام ليلاً مبكراً تستفيد من البكور، واجعل لنفسك برنامج واضح، صلاة الفجر بعدها الاستحمام، تناول كوب من الشاي أو القهوة، ثم تجلس وتذاكر ساعة إلى ساعتين قبل أن تذهب إلى مرفقك الدراسي، هذا هو الإنجاز اليومي العظيم الذي يفتح لك آفاق ممتازة.

يا أخي الكريم: تأمل نفسك بعد خمس أو ست سنوات من الآن أين أنت، ما هي شهادتك، ما هو تخصصك، أين الزواج هذا كله يجب أن تضعه نصب عينيك، واعلم أن لا أحد يغيرك، أنت الذي تغير نفسك، الطب مهنة محترمة ومهنة عظيمة وتتطلب الالتزام، وإن كنت بالفعل لن تلتزم أن تكون طبيباً ممتازاً فلا تدرس الطب، أنا أقول لك بكل شجاعة وتوجد بدائل أخرى كثيرة جداً.

أنصح لك بدواء بسيط يحسن نومك ومزاجك ليلاً، الدواء يعرف باسم ايمتربتالين وجرعته هي 25 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، الدواء سليم وهذه جرعة صغيرة، أسأل الله أن ينفعك به.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تركيا Ghaith jan

    الأخ ذكر بكلامه أنه يقع في المعاصي وأنا اعتبر مشكلته مشكلتي الشخصية أيضا لكن أعلم يقينا أن سبب المشكلة التي أمر بها أنا والأخ هي سبب المعاصي وتكرار المعصية وتآنيب الضمير المستمر مع الأصرار على المعاصي وعدم وجود حل قطعي للتخلي عن المعصية
    قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا )صدق الله العظيم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً