الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقلعت عن المخدرات تماماً منذ عامين ولكن حالي لم يتغير!

السؤال

بسم الله الـرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آلة، وصحبه أجمعين.

أشكر القائمين على هذا الموقع العظيم، أثابكم الله خيرا، وجعل مثواكم الجنة.

أنا شاب عمري 19 عاما، طولي 165 سم، وزني 50 كيلو، واقع حالياً في مشكلة صعبة، لها جانبان عضوي ونفسي، أود أن أوضح أني أعاني منذ عامين من نوبات هلع, وتبدد الشخصية والواقع؛ بسبب تعاطي الحشيش، ولكن مع إحكام العقل وتفهم المرض جيداً، وأنه مهما كان صعباً فهو شعور ليس إلا، تماماً كشعور الجوع والعطش، لا خوف منه، ولا من أعراضه، بات لا يشكل لي مشكلة الآن.

وأما المشكلة الرئيسية فهي كالتالي:
منذ شهرين أصبت بحالة من الخمول وصداع، وثقل العينين وارتفاع ضغط الدم حتى عند الاستيقاظ من النوم، وإجهاد كأنني لم أنم أصلاً، أو لم آخذ قسطا كافيا، مع أني أنام وقتا كافيا جداً من 8 - 9 ساعات، والضغط غالباً (140-90) , (150-90)، صاحب هذه الأعراض جانب نفسي يتمثل في: قلق نفسي غريب وفقدان الشعور بالحياة بمعنى الكلمة، وأحلام يقظة تأتي بشكل كبير جداً في اليوم، وفي أي مكان، ومنها السلبي والإيجابي، ولدي أعراض أخرى منها:

- العزلة في البيت بدون أن أشعر أني معزول، وأتعامل مع العزلة أنها شيء طبيعي بالنسبة لي.

- تبلد في المشاعر، وهذه المشاعر غريبة شيئا ما، لا معنى لها، ولا توصف!

- شعور بالضيق يصعب علي الخروج منه بدون سبب واضح.

- أفكار تشاؤمية بشكل عام، وتفكير في الموت وموت الأحباب.

- شعور باليأس أحياناً، ولا أهتم بنفسي وقيمتي.

- أحياناً لا أشعر بذاتي الحقيقية, ومع ذلك فأنا أواجه كل مشاعري السلبية بدون علاج، ولا أدويه منذ عامين، واجهت ضعف الثقة في النفس, والرهاب الاجتماعي, ونوبات الهلع, والتبدد، وهذا كان أصعبها!

أقلعت عن المخدرات تماماً منذ عامين، وأنا مندهش لماذا لم يتغير الحال حين أقلعت منذ بداية عام 2018؟ أقسمت أن أجعل هذا العام بداية جديدة بدون أزمات نفسية، ولا ضغوطات، وسأصبح إنسانا ناجحا في حياتي، وكفى عزلة، وإحباطا وتفكيرا بدون فائدة.

العائق الوحيد الذي أمامي هو مشاعري، إن أصبحت مشاعري إيجابية، وفي صالحي، وشعرت بالسعادة التي انعدمت وفائدة وقيمة ما أفعله سأصبح بمعنى الكلمة بدون مشاكل نهائياً.

أسعى أن أحقق ما أريد، وأدرك أن الله خلقني حرا ليس مسخرا لمشاعر رجعية توقفني مكاني أو تعجزني، فأنا لا أشعر بوجودي حالياً، ولا بشخصيتي، وهذا شعور مؤلم للغاية وأصبحت انطوائيا بعدما كنت اجتماعيا ؟!

وأخيراً أدعو لكم دعوة صادقة بقلب سليم أن يثيبكم الله خيراً في الدنيا والآخرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد يونس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
أخي الكريم: أعراضك واضحة جدًّا، وكما تفضلت بأنك تحس بشيء كبير من الإجهاد النفسي، وكذلك الإجهاد الجسدي، والشعور بتبدد الشخصية، وهذه كلها مجتمعة، ويُضاف إلى ما ذكرتَه علّة معروفة جدًّا تُصاحب تعاطي الحشيش لدى حوالي ستين بالمائة من الناس، وتُسمَّى (emotively Syndrome )، وهذه المتلازمة - أيها الفاضل الكريم - تتميَّز بافتقاد الطموح؛ لأن الحشيش يعمل على ضرب الفصّ الأمامي عند الإنسان، والفص الأمامي هو الذي يتحكّم في خُططنا نحو المستقبل، تحليلنا للأفكار وللأحداث واستنباطها، وهو مُحرِّك الدافعية لدينا.

أتمنى - أخي الكريم - ألَّا تكون قد أُصبتَ بهذه المتلازمة، وحتى إن حدث ذلك ما دمتَ قد أقلعت عن التعاطي، فهذه بشارة كبيرة جدًّا في حدِّ ذاتها، والمطلوب منك الآن هو أن تتحرَّك فكريًّا ووجدانيًّا وفعليًّا؛ لأن الإنسان يتكوّن من أفكار ومشاعر وأفعال.

الأفكار قد تكون مُحبطة - كما في حالتك - كذلك المشاعر، إذًا يجب أن تبذلَ جُهدًا كبيرًا في تفعيل ضلع الأفعال.

والالتزام بالجوانب الاجتماعية يُساعد الإنسان كثيرًا في هذه الناحية، يعني: أن تُلبّي الدعوات الاجتماعية، أن تُشارك في الأفراح، في الأتراح، أن تزور أصدقاءك، أن تزور أرحامك وأقرباءك، أن تُرفِّه عن نفسك قليلاً بالذهاب إلى المتنزِّهات أو المجمَّعات التجارية، وأن تمارس شيئًا من الرياضة، هذه - أخي - وجدناها من أفضل السبل التي يمكن أن تعود على الإنسان عودًا إيجابيًا كبيرًا فيما يتعلَّقُ بمشاعره وأفكاره، وسوف تتغيَّر وتتبدّل، وتحسّ من خلال هذه الإنجازات - حتى وإن كانت بسيطة - أن فكرك ومشاعرك أصبحتْ تتجه نحو الإيجابية، وهذا في حدِّ ذاته سوف يُولِّدُ المزيد من الإيجابية ممَّا يساعدك على المزيد من الأداء والإنجاز.

هذه المعادلة النفسية - أخي الكريم - يجب أن تحرص على تطبيقها والالتزام بها.

والإنسان حباه الله بالطاقات والإمكانات والمهارات والقدرات، ربما تكونُ مُعطّلة ومُختبئة، لكنها موجودة، والتغيير دائمًا يأتي مِنَّا، مصداقًا لقوله تعالى: {إن الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}.

فيا أخي الكريم: أنت تُحسِّن الدافعية من خلال ما ذكرته لك، وبرَّ الوالدين عظيمٌ جدًّا في تحسين الدافعية، وبناء الصداقات الإيجابية مهمٌّ جدًّا، والعلاقات الاجتماعية المتوازنة أمرٌ ضروريٌّ، وذكرتُ لك فائدة الرياضة، والصلاة مع الجماعة أيضًا وجدناها تُحسِّنُ الدافعية عند الإنسان في أشياء كثيرة، حتى في محيط عمله.

موضوع ضغط الدم - أخي الكريم - يحتاج منك لشيء من المراقبة دون وسوسة، راجع الطبيب مرة كل ستة أشهر مثلاً.

أنت تحتاج أيضًا لعلاج دوائي يُحسِّنُ من مزاجك، وأعتقد أن الـ (بروزاك)، والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين) هو الأفضل، الجرعة: أن تبدأ بكبسولة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً