الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا الوحيد الذي أساعد أهلي بمصاريفهم ورغم ذلك قاطعوني، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

نحن أسرة مكونة من 10 اشخاص -أسرة ذات عادات وتقاليد أشبه بالريف- والأسرة كانت تعمل مع بعضها، والدخل واحد، ويساعدون بعضهم البعض في الزواج، واحتياجات المأكل والملبس.

بعد تخرجي من الجامعة وحتى الآن، منذ 10 سنوات متواصلة وأنا أعمل في الغربة، وأنزل إجازات قليلة جدا، وساعدت كل إخوتي، وأنا رقمي 7 منهم، وتزوجوا جميعا رغم معاناتي لأنني الوحيد المتعلم، وهم لم يكملوا دراستهم، ويعملون بمهن متقطعة وليس بصفة دائمة، كل دخلي كنت أعطية لوالدي، وكان هو رب البيت، ويزوج الكبير بالكبير، ولكن للأسف لم يقم أي مشروع، أو شيئا يفيدنا بدخل بالمستقبل.

في الفترة الأخيرة كبرت العائلة وزادت المصاريف والخلافات بشكل جنوني، ولا يوجد دخل كاف من باقي الإخوة لسد المصاريف، وأنا رغم عمري الذي مر أساعدهم، ولا أحد يهتم بي ولا بمساعدتي أن أبني شقتي، وبعضهم يعمل والآخر لا يعمل بصفة دورية، ولا يبحثون عن بديل ويأخذون بأسباب السعي والرزق.

عمري وصل إلى 32 عاما ولم أتزوج، وكنت في ضيق شديد، ولكنني تصرفت لكي أبني شقتي، وأخذت قروضا، وتزوجت -الحمد لله- ولكن حاليا علي ديون كثيرة في الوقت الحاضر نظرا لأنني عملت زيارة لزوجتي لمقر عملي بدولة خليجية لم يوافق أي أحد من إخوتي رغم نزولي إجازة 20 يوما زواج، وإجازاتي القصيرة سنويا، ولم أظلم نفسي ولا زوجتي.

إخوتي الآن يتحججون بي، واثنان منهم ترك العائلة (العمل مع بعض)، ولا يريدون مساعدتي في سداد ديوني، وباقي إخوتي كانوا معي ولكن ليس لديهم دخل، وبالكاد يكفي احتياجاتهم، ووالدي طيب جدا وليس له حيلة، ويترك الأمور تسير كما يسرها الله، ولا يأخذ بالأسباب، وأرى أن عمري وشبابي ذهب دون مقابل.

أخذت قرارا أفكر في نفسي ومستقبلي، وفي الوقت ذاته لن أنسى والدي ولا إخوتي، وأبلغتهم أنني سوف أتكفل بسداد ديوني جميعها، ولا أريد منكم المساعدة، وأن تعملوا وتجتهدوا لمستقبل أفضل، وسأرسل لوالدي مرتبا شهريا لا يقل عن 3000 جنية، وأتكفل بمصارف عمرة لأبي وأمي، وسوف أساعد أخي الأصغر عند زواجه، وأخي الأكبر سأساعده في زواج بناته، وذلك علي قدر استطاعتي، وسأكون وحدي حتى أبني مستقبلي أيضا، ولكن هنا المشكلة.

المشكلة أنني تحدثت مع أبي وأمي بخصوص هذا الموضوع، ولكنهم قابلوني بإغلاق الباب في وجهي وقاطعوني، وما زلت يوميا أتواصل معهم لأنني بدون رضى والدي أعتبر نفسي ميتا، وأخاف من غضبهم وعدم التوفيق في حياتي، وللعلم أخواي الاثنان الآخران تركوهما نهائيا، وأنا لم أفعل مثلهم، بل فكرت في مستقبلي ومستقبلهم، لا أدري ماذا أفعل، وكيف أرضيهم؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
جزاك الله خيرا على ما قدمت لأسرتك، ولكنك الآن صرت رب أسرة، ولذلك ينبغي أن يقدم الأولى فالأولى في الاهتمام، ويكفي أنك تحملت ديونا كثيرا بحسب استشارتك وساعدت جميع أفراد أسرتك.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم من الأيام لأصحابه: "تَصَدَّقُوا، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ).

الرجل إذا تزوج تتغير عنده أولويات المسؤولية، ولذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: (كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول)، وفي رواية: (من يقوت)، وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: "أمك"، قلت: ثم من؟ قال: " أمك "، قلت: ثم من؟ قال: "أباك" قلت: يا رسول الله ثم من؟ قال: "ثم الأقرب فالأقرب".

إخوانك الآن صاروا رجالا وكل واحد منهم يتحمل مسئوليته، وليس صحيحا أن تبقى طيلة عمرك تعمل من أجلهم، لكن من البر أن تعينهم ما بين الحين والآخر، وتفرج كرباتهم كما مر في الحديث.

الذي أنصحك به ألا تفصح لوالديك عن راتبك ودخلك، وعليك أن تلتزم بما وعدتهما به، وغضب الوالدين إن كان بدون سبب شرعي أو كان فيه ضرر كبير عليك لن يؤثر -بإذن الله- والذي يجب على الوالد أن يكون عادلا في حكمه، فلا يضيق على أحد من أبنائه لمصلحة الآخرين، بل عليه أن يحث الآخرين ليعملوا وليجتهدوا في طلب الرزق.

أنت اليوم مع زوجتك وغدا سيكون لك أبناء، وإن نقلت زوجتك إلى مقر إقامتك سيكون عليك تكاليف وتبعات كثيرة، وعليك أن تدخر شيئا من المال لمواجهة الظروف ولعمل شيء في المستقبل.

استمر في التواصل مع والديك، وبين لهما كثرة الديون التي عليك ومطالبة أصحابها، وأنك ستولي تسديد الديون اهتمامك الأول، لكنك سترسل لهما شهريا (3000) جنيها، وسترسل لهما مصاريف العمرة، ولن تنسى من يتأزم من إخوانك.

أكثر من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل الله سبحانه أن يلهم والديك الرشد، ويرزقهما العدل، ولن يخيب الله رجاءك، والزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم كما ورد في الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

إن وجدت من إخوانك من يتفهم وضعك فاجعله وسيطا بينك وبين والديك، وما لم يوجد فاستعن بالله، وعملك وفق ما يرضي الله سيكون سببا في أن يلين الله قلب والديك -بإذن الله-.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً