الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خوفي من الأمراض جعلني أعيش في دوامة من الوساوس

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية شكر خاص للموقع على ما قدمه ويقدمه للآلاف؛ فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وأودّ ان يجيبنى الدكتور محمد عبد العليم -حفظه الله- شاكرا له مقدّما إجابته.

أنا يا دكتور شاب مصري، اضطرتني الظروف للسفر للخارج طلبا للرزق، وتزوجت بعد سفري بسنتين -ولله الحمد- أموري المالية مستقرّة، لكن من جرّاء الوحدة والسفر أصابني الوسواس من الأمراض والموت، وخفّ الخوف من الموت، ولازمتني الوساوس والخوف من كل مرض أسمع عنه، وعزّز خوفي كثرة الأخبار والناس المصابين، فمن السرطان للقلب للسكري، لغيرها مما لا يحصى، حتى كاد عقلي يجنّ من كثرة ما أصادفه من حديث عن الأمراض تلك التي أخافها، وكأن العالم كله مصاب أو يتحدث عنه.

الذي زاد خوفي هو قراءتي لقانون الجذب، وأن ما نخافه حتماً سيصيبنا؛ مما جعلني عالقاً، وكانت السنارة التي علقت بها هي الخوف من الأمراض والخوف من جذبه، مع مصادفات عجيبة في كل مكان عن تلك الأمراض؛ مما يربكني ويخلّ توازني ويشلّني تماما، فتركت اهتماماتي ونسيت أحلامي وأهدافي، ولا همّ لي إلا القراءة عن كيف التخلص من تلك الوساوس والوقاية من تلك الأمراض عموما!

أصبحت حياتي جحيما مع وحدتي، وللأسف لا أستطيع استقدام زوجتي للعيش معي، أحتاج حلاً للخروج من تلك الدوامة اللعينة التي علقت بها، لقد فكرت مرّات في الانتحار هروبا من المخاوف، فلا ثقة في المستقبل ولا الحاضر.

هل يؤاخذني الله على سوء ظني به يا دكتور؟ حقيقة لا أستطيع إيقاف تيار التفكير عندما يبدأ العمل والخوف من قانون الجذب خوفا أكبر، فما العمل جزاك الله عني خير الجزاء؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمرو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بادئ ذي بدئٍ المسلم يجب أن يُحسن الظنَّ بالله، ومن أحسن الظن بالله فإن الله عند ظنِّه، قال تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، هذا أمرٌ لا جدال حوله ولا حوار فيه، ويجب أن يكون على قناعة راسخة في وجداننا وكياننا؛ لأن الله تعالى هو الذي أوجدنا، وهو الذي يحفظنا، وهو الذي يختار لنا كل طُرق وسبل حياتنا، والأمراض - يا أخي - موجودة، والصحة موجودة، والخير موجود، والشر موجود، والحلال موجود، والحرام موجود، لماذا؟ {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}، {أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون}، {أم حسبتم أن تُتركوا ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء}، {ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}، والله تعالى خلق الكون في ثنائية عجيبة، وهذه حكمة عظيمة تحتاج لمن يتدبَّرها وأن يتفكّر فيها. هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية أخي الكريم: الأمراض موجودة نعم، لكن الصحة أيضًا موجودة، والأمراض فيها تذكرة، الابتلاء فيه تذكرة للإنسان، والأمراض هي الوازع الذي يجعلنا نحرص على صحتنا، والآن الحديث عن الطب الوقائي أصبح أكثر من الحديث عن الطب العلاجي.

أخي الكريم: طريقة تفكيرك مع احترامي الشديد لك طريقة ليست سليمة، واعرف أن الله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الرحمين، حافظًا من كل شيء، واعلم أن الإنسان {له معقبّات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، {إن عليكم لحافظين * كرامًا كاتبين}، واعرف أن من التوكل الأخذ بالأسباب، ومن الأسباب الأخذ بالعلاج، وينبغي أن (نفر من قدر الله إلى قدر الله).

عش حياةً صحيّة - أخي الكريم - هذا هو المطلوب منك، ما الذي قمت به حيال نفسك لتحفظ صحتك؟ الله تعالى يأمرنا أن نأخذ بالأسباب، والسببية دائمًا هي منطق العقلاء، وأنت إن شاء الله منهم.

أخي الكريم: عش حياةً صحيَّة، عليك بالنوم الليلي المبكر، عليك بالتنظيم الغذائي، عليك بالابتعاد من كلِّ ما يضرُّ بصحتك، التدخين مثلاً، عليك بممارسة الرياضة، عليك باكتساب المعارف، عليك بالتأهيل الاجتماعي، عليك ببناء علاقات اجتماعية محترمة، عليك ببرِّ والديك، عليك بالاهتمام والتعلُّم والتفقّه في الدين، عليك بأن تطور نفسك مهنيًا، عليك بالقيام بالواجبات الاجتماعية، وأن تكون لك آمال عريضة تتطلع إليها، وأن تنظر إلى المستقبل بأملٍ ورجاء... وهكذا يا أخي.

هناك أمر آخر مهمٌّ جدًّا، وهو: أن تراجع الطبيب الذي تثق فيه، طبيب الأسرة لو راجعته مرة واحدة كل ستة أشهر لتقوم بالفحوصات الطبية الروتينية؛ هذا في حدِّ ذاته يبعث فيك طمأنينة. أن تزور طبيب الأسنان مرة كل ستة أشهر، هذه - يا أخي الكريم - متطلبات صحيَّة مهمَّة جدًّا، ودائمًا وجدتُّ أن الحرص على الأذكار فيها رحمة كبيرة وكثيرة جدًّا للإنسان، وتَقي الإنسان من المخاوف بإذن الله، واعلم أن مَا أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، يعني: {كلٌ في كتابٍ مبين}.

أخي الكريم: هذه هي الحياة، ودائمًا لماذا نسأل الله العافية؟ لماذا نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة؟ لأنه توجد آثام، وتوجد ذنوب، وتوجد أمراض، وتوجد أخطاء، لذا نسأل الله متوسلين إليه أن يحفظنا وأن يعافينا وأن يرحمنا، وأن يغفر لنا... هذه الأشياء السلبية في الحياة إذا رأيناها من هذا المنظار، الأشياء هذه - كالأمراض والأسقام وحتى الذنوب - هي ميقظاتٍ، هي دافعاتٍ نحو تصحيح المسار.

انظر للأمر - أخي الكريم - بمنظار آخر، مع احترامي الشديد لشخصك الكريم، مفاهيمك ليست دقيقة، وليست صحيحة، وما تكلمتَ عنه من قانون الجذب وخلافه: هذه الأشياء موجودة، لكن يجب ألَّا نُضخِّمها ويجب ألَّا نجسِّمها.

أخي الكريم: أنت أيضًا محتاج لتناول أحد مضادات المخاوف الوسواسية، وعقار مثل الـ (سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت) سيكون مفيدًا جدًّا بالنسبة لك.

أنا وجدتُّ أن استشارتك طيبة، وكلامك طيب، وأتمنى أن يكون ما ذكرته لك مفيدًا، وأسأل الله تعالى لنا ولك العافية من كل بلاء، ونسأله تعالى كمال العافية ودوام العافية والشكر على العافية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً