الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش في سجن أفكار يحاربني طوال الوقت، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا ولله الحمد شخص ملتزم بالصلوات، وأحفظ القرآن والأذكار، ومنذ أسبوع بدأت بممارسة رياضة الجري ولعب كرة القدم.

عقلي يحاربني ويقتلني ببطء، عقلي يحاسبني على كل فعل أفعله ويقول لي: أنت أصبحت غبيا بعد أن كنت ذكيا، وأصبحت فاشلا، وقل استيعابك، وأصاب بإحباط كبير جدا! أنا أعلم قدراتي، وأنا ولله الحمد دائما كنت من المتفوقين، وقل تركيزي بدرجة كبيرة جدا، وأصبحت مصابا بأحلام اليقظة، وأتخيل مواقف كثيرة، وأتخيل فيها ردة فعلي، ولا أستطيع التركيز في دراستي ولا صلاتي ولا حفظ القرآن، أصبحت إنسانا آليا، آكل، وأشرب، وأنام فقط، وأصلي بدون روح!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:

هذه الأفكار التي قلت فيها إن عقلك يحاربك ويحاسبك فيها ليست من عقلك، فأنت تتهمه والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والصحيح أن هذه الأفكار التي تسمعها بداخلك إنما هي من وساوس الشيطان الرجيم، يريد أن يقيدك ويكبلك ويعطل مواهبك، والذي أنصحك به هو ألا تصغي لتلك الوساوس وأن تقطعها فور ورودها ولا تسترسل معها أو تحاورها، وعليك أن تحتقرها ولا تقم لها وزنا.

عليك حين ترد عليك تلك الأفكار أن تنتقل منها ومن المكان الذي أتتك فيه مباشرة، وأن تمارس أي عمل مفيد.

الزم ذكر الله سبحانه وتعالى، فكثرة الذكر يطرد الشيطان ووساوسه، يقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).

أكثر من تلاوة القرآن الكريم، واجعل لنفسك وردا يوميا، أقله جزء من القرآن، بحيث تقرأ بعد كل صلاة ورقتين، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، فبذلك ستطمئن نفسك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

عليك بالاستقامة على أمر الله والابتعاد عن المعاصي، فإن من ثمار الاستقامة أن المرء لا يضل ولا يشقى لا في هذه الحياة ولا في الآخرة، يقول تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ).

عليك أن توثق صلتك بالله تعالى، وتجتهد في تقوية إيمانك من خلال عمل برنامج عملي إيماني تقوم بأداء بعض نوافل الصلاة والصيام، وتقرأ القرآن مع شيء من تفسيره، وتقرأ أبوابا من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقترح لك كتاب رياض الصالحين مع شرحه للعلامة ابن عثيمين -رحمة الله على الجميع-.

فبالعلم تستنير طريقك، وبالإيمان والعمل الصالح تستجلب الحياة الطيبة السعيدة، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖوَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزم حلقات العلم الشرعي، وصاحب الأخيار، فبالعلم ترقى وتسعد، وبالصحبة الصالحة يؤخذ بيدك إلى الخير وتعان عليه.

الشيطان يحاربك بالأفكار والرسائل السلبية التي يحشوها في عقلك، مثل قوله أنت غبي وفاشل إلى غير ذلك، وهذه الرسائل يجب أن تقابلها برسائل إيجابية؛ لأن العقل إن تقبل الرسالة فإنه يرسل أوامره للتعاطي والتفاعل معها ومن هنا تكون الكارثة.

لقد كان عليه الصلاة والسلام يحارب الرسائل السلبية ويعطي الرسائل الإيجابية، ومن ذلك قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثيرا على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان، محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصور نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم من أنتم قالوا: نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش.

تضرع بالدعاء بين يدي لله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الاستجابة، وسل ربك أن يصرف عنك هذه الأفكار، وأن يوفقك للاستقامة على دينه.

انشغال الذهن بهذه الأفكار يجعلك مشتتا ولا تستطيع التركيز في دراستك، ولا صلاتك، ولا حفظ القرآن، ومحاربتك لهذه الأفكار سيجعلك تستعيد توازنك وحياتك الطبيعية -بإذن الله تعالى-.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، كما ورد في الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً