الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشيطان يوسوس لي ولا أستطيع الفرار منه، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو منكم عدم إحالتي إلى استشارات سابقة؛ لأني تقريبا قد قرأت جميع الاستشارات السابقة، مشكلتي تتلخص في أنه بدأ عندي وسواس قهري قبل تقريبا أربعة شهور كان يتمثل في ظهور صور أشخاص أمامي عند الصلاة، فيهيأ لي أنني أصلي لهم، لكن تطور الأمر كثيرا الآن وصار لدي وسواس في العقيدة لدرجة لم أعد أعرف جزما وحقيقة ما المراد بتصديق القلب واعتقاده، ففي بعض الأحيان مثلا أذهب للصلاة أو للوضوء فأسمع من يقول لي همسا في نفسي أنني والعياذ بالله لا أستفيد شيئا ولا أجني شيئا من وضوئي أو صلاتي، وأحيانا يأتي لي ما أسوأ من ذلك وأخطر في ذات الله سبحانه وتعالى، ويأتي مثله في أمور الغيبيات كالجنة والنار والقبر وغيرها.

وأحيانا تأتيني حالة مشابهة لذلك حين أسمع القرآن فيأتيني خاطر سوء ومثله إذا سمعت لفظ الجلالة، والمشكلة ليست هنا وإنما أحيانا أشعر أنني أنا أستحضر هذا الكلام بإرادتي، ولم أعد أفرق حقيقة هل هذا وسواس قهري أم أنه كلام أخفيه أنا في نفسي؛ مما يجعلني في بعض الأحيان أرى نفسي منافقا؟! وقد حدث لي مرتين تقريبا أنه أتتني وساوس إلحادية وأرجو أن تعذروني لقولي مثل هذا الذي يستحيا منه ولكن نظرا لأهمية الحالة وضرورة علاجها، وشعرت أنني شبه مقتنع بتلك الوساوس لكنني سريعا ما بدأت أنطق الشهادة كذا مرة وأقبض صدري وقلبي لأقول الشهادة مستيقنا بها خالصا من قلبي.

وأشعر في بعض الأحيان أنني ألزم نفسي بالإيمان وأن نفسي الحقيقة ليست كذلك، أنا أعيش كطالب جامعي في فانكوفربكندا كي تحددوا لي علاجا مناسب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنرحب بك في الشبكة الإسلامية، ولن نحيلك إلى استشارات سابقة سوف نجيب عليك إن شاء الله الإجابة التي أسأل الله تعالى أن ينفعك بها، كما أن الشيخ عمار ناشر سوف يقوم أيضاً بتوجيه النصح والإرشاد اللازم لك، قطعاً الذي تعاني منه هو وسواس قهري، وأنا أرى أن وساوسك هذه أيضاً تحمل بعض السمات الخناسية، فالوساوس الخناسية نحن نرى أنها موجودة أي طبيب مسلم يعترف بوجودها، لكن هي أقل كثيرا من الوساوس الطبية، والوساوس الخناسية بذاتها حين يٌذكر الله تعالى يختفي الشيطان يختفي الوسواس الخناس، لكن تظل الوساوس موجودة لدى معظم الناس، والسبب في ذلك أن أحد التدخلات الخناسية هي التغيرات الكيميائية في الدماغ، بعد أن يذهب الخناس يكون قد قذف قذفته الكيميائية وهذه هي التي تؤدي إلى استمرارية الوسواس.

وكثير من الإخوة المتدينون على وجه الخصوص يعاتبون أنفسهم كثيراً، لماذا تأتيني هذه الوساوس وأنا أذكر الله ليل نهار؟ وسبحان الله يا أخي التفسير العلمي الذي نراه هو الوساوس في نهاية الأمر كلها تتحول إلى وساوس بيولوجية سلوكية مكتسبة، والوساوس أخي الكريم أتت لأفضل القرون، اشتكى منها أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوساوس المتعلقة بالعبادة دائماً بدايات أن تكون الإنسان يبحث نحو الارتقاء بعبادته والجودة فيها، لذا تختلط عليه الأمور وتتحول هذه الجودة إلى ما هو الضد تماماً، عموماً العلاج الرئيسي للوسواس هو تحقير الوسواس، وعدم الخوض في مناقشته أو حواره، لأن المناقشة مع الوسواس تزيد من استحواذه وإلحاحه وهيمنته وسيطرته وهذه هي المشكلة الكبيرة.

الفكرة الوسواسي أو الخاطرة الوسواسي حين تبدأ تخاطبها مباشرة أنت فكرة حقيرة لن أهتم بك أنا أحقرك، أنت تحت قدمي وهكذا، وتستبدل الوسواس بشيء آخر أخي الكريم، بفكرة أخرى أو فعل آخر هذه هي العلاجات الأساسية، العلاج عن طريق الرفض، العلاج عن طريق التنفير، والعلاج عن طريق صرف الانتباه، بأن تشغل نفسك بما هو مهم، لا تتفرغ للوسواس، هناك أشياء كثيرة جداً في الحياة يمكن للإنسان أن يقوم بها أخي الكريم، الفراغ الذهني والزمني كثيراً ما يزيد من الوسوسة.

أحمل لك بشرى كبيرة وهي بأن العلاج الدوائي إذا التزم به الإنسان يفتت هذه الوساوس، فإن كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي هذا أمر جيد وإن لم يكن ذلك ممكن فالأدوية النفسية متوفرة وأعرف أنا في كندا لا تحتاج لوصفه طبية، والأدوية التي سوف أصفها لك هي أدوية بسيطة ومجربة، أفضل دواء وأسهل دواء وأسلم دواء هو عقار بروزاك، والذي يسمى فلوكستين ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يومياً بعد الأكل لمدة أسبوع ثم تجعلها كبسولتين في اليوم لمدة أسبوعين أي 40 مليجراما ثم تجعلها 60 مليجراما أي ثلاث كبسولات في اليوم كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، وبعد أن تصل لهذه الجرعة إلى 60 مليجرما يومياً أضف عليها عقار رسبيريادون 1 مليجرام ليلاً، استمر على هذه التركيبة الدوائية لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك توقف عن الرسبيريادون وخفض البروزاك إلى كبسولتين في اليوم أي 40 مليجراما وهذه تستمر عليها.
----------------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم..........استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ عمار ناشر...........مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
-----------------------------------------------------------------------------------
بارك الله فيك - أخي العزيز - وأهلاً وسهلا بك في الموقع، وأسأل الله أن يَمُن عليك العفو والعفة والعافية والسعادة والراحة والتوفيق والسداد.
ما تشكو منه يحصل للكثيرين بما يعرف (بالوسواس القهري)، وهو نوع من المرض النفسي الذي يستلزم مراجعة استشاري في الطب النفسي لتعاطي ما يصرفه من علاج دوائي ويوصى به من علاج سلوكي، وقد ثبت نجاحه ونجاعته في علاج هذه الأمراض وزوال هذه الآثار والأعراض والمظاهر بحمد الله تعالى، شفاك الله وعافاك، وقد صح في الحديث: (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داءً إلا جعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله).

ومن المفيد في علاج الوسواس القهري إدراك - أولاً - حقيقة المشكلة والداء بضرورة العلاج منه والشفاء (إذا عرف السبب بطل العجب)، مما يستلزم أيضا حسن الظن بالله ثم بالنفس وتقوية الإرادة في مدافعته بعدم الاسترسال له والتجاوب معه، بل يجب الإعراض عنه وعدم القبول به واقعياً، وذلك بعدم شغل البال به وتكرار الطهارة والوضوء والعبادات، لما في التجاوب معه من زيادة المرض وتعمقه واستحكامه، وقد جاء بعض الصحابة الكرام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يشكون إليه ما يجدونه في صدورهم جراء وسواس الشك في وجود الله (هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟) فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة، ذلك حقيقة الإيمان، والمعنى: أن مجرد بقاء الوسوسة من غير تطورها ليقين عقَدي أو انحراف سلوكي عملي دليل على قوة إيمان صاحبها، وفي حديث آخر :(أمر صلى الله عليه وسلم بقوله: آمنت بالله ورسوله، وليستعذ ولينتهِ).

وفي المقابل فإن مما يسهم في طرد وساوس الشيطان تعميق الإيمان بلزوم الدعاء والذكر والاستغفار والطاعات وقراءة القرآن ولزوم الصحبة الطيبة التي تذكرنا إذا نسينا وتنبهنا إذا غفلنا وتعلمنا إذا جهلنا وتصرف عنا بحسن صحبتها ونصحها الهموم والأحزان وتكون طريقاً إلى السعادة ودخول الجنان، والصاحب الصالح خير عُدة في أوقات الرخاء والشدة.

ومن الجميل التخفيف من ضغوط الوساوس والحياة بالترويح عن النفس بالمباح المتاح من النزهة، والزيارة، والرياضة والقراءة ومتابعتك البرامج المفيدة، وإشغال الوقت والنفس بما يعود عليها بالفائدة في الدين والدنيا والله الموفق والمستعان.

- أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعافيك ويسلمك من كل سوء ويرزقك النجاح فق حياتك كلها.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً