الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرجو أن أجد حلا لما بداخلي من التعقيد واللخبطة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أعرف ما الذي يحدث لي وكيف أعالج ذلك، حيث أرهقتني نفسي كثيرا.
أولا: لدي ضعف ثقة بالنفس، وكثرة تفكير، أخرج مثلا من المنزل وأعود استمر بالتفكير ماذا حصل معي خارج المنزل، وأيضا التفكير بذكريات الماضي، أحس بأنني لا أستطيع أن أعيش في هذه الدنيا وأنها صعبة ولا يمكنني فهمها والتكيف مع ما يحدث لي، تشتت في الدراسة حيث يمضي الوقت وأنا لم أنجز إلا القليل جدا بعد أن كنت من المتفوقين، وأستيقظ من النوم مع عدم الرغبة بالدراسة ولا ببدأ يوم جديد.

شعور اليأس وعدم القدرة على الإنجاز والتعب يجعلني في حالة سيئة جدا أتمنى فيها أن أموت من شدة الحزن والأسى، وأحس بالشفقة على نفسي كثيرا وعلى عائلتي، حيث أنني لا أنجز شيئا وبالتالي لا أكون سعيدة أبدا ولا أسعد عائلتي، وفقط أكون مصدر حزن للناس من حولي، ولا يعجبني شيء، ولا أستطيع أن أقرر أي شيء ولا أعلم ماذا أفعل؟ وأيضا القليل من الوسواس مثلا أجلس وأمامي شيء مائل لا أستطيع إلا أن أقوم وأعدله، أحس بأن داخلي ملخبط جدا حتى أنني لا أستطيع أن أشرح كل هذا الشعور بداخلي، كل هذا التعقيد لا أعلم كيف أكتبه، فهل أنا مصابة بمرض نفسي؟

علما بأنه ليس في تاريخ عائلتنا الوراثي من هو مصاب بمرض نفسي والحمد لله.

أرجو أن أجد حلا لما بداخلي من التعقيد واللخبطة، وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Yara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وتقبَّل الله صيامكم وطاعاتكم.

لديك استشارات سابقة، بعضها يدور حول نفس المفاهيم السلبية التي تحدثت عنها الآن. أنا أعتقد أن المشكلة الأساسية أنك تركت الأمر للحياة لتقودك، ومن المفترض أن الإنسان يقود حياته، أن يوجّه ذاته، نعم هذا مهمٌّ جدًّا، أنْ تُترك الأمور بهذه السلبية واهتزاز الثقة بالنفس، وأن لا تأخذي مبادرات إيجابية، وأنْ لا يكون لديك العزيمة والإصرار والنية والقصد والعزم على الإنجاز؛ قطعًا لن يأتيك نجاح ولا إنجاز، هذه مشكلتك الأساسية، هذه النظرة السلبية لكل شيء وانتظار أن تأتيك الأمور تلقائيًا؛ لا، الحياة يجب أن نقودها، يجب أن نُدبّرها، يجب أن نرسمها، الله تعالى أعطانا هذه الإرادة العظيمة (إرادة التغيير) فقال: {إن الله لا يغيُّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}.

فأنت مطالبة أن تعيدي تقييم نفسك، وسوف تجدي أن هنالك إيجابيات كثيرة وكبيرة جدًّا في حياتك (لديك قدرة الإدراك، لديك قدرة توجيه الذات، لديك المشاعر التي يمكن أن تُشكّليها كما تُريدين، أنت صغيرة في السن، طاقات عظيمة كثيرة، وأنت طالبة، وطالبة في الطب...).

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: مشكلتك الأساسية هي هذا التصوّر والتقييم السلبي نحو ذاتك.
إذًا على المستوى الفكري يجب أن تُغيّري نفسك على الأسس التي ذكرتُها لك.

والأمر الثاني هو: أن تنظمي الوقت، هذه اللخْبطة والركبة والتشويش وضعف التركيز، وافتقاد الدليل: تأتي من عدم تنظيم الوقت، ضعي خارطة يوميّة تُديرين من خلالها وقتك، وأفضل مرتكز لإدارة الوقت هو أن يكون مرتبطًا بالصلوات، أولاً: تنامين نومًا ليليًّا مبكّرًا، تستيقظين للفجر، بعد التجهيز والاستحمام وشرب الشاي تدرسين لمدة ساعة مثلاً قبل الذهاب للكلية، هذا وقتٌ عظيمٌ جدًّا، خلايا الدماغ في حالة استرخاء كامل، والجسد في حالة استرخاء كامل أيضًا، ومستوى الاستيعاب ممتاز، وهذا سوف يشرح صدرك كثيرًا، حين تُنجزين في الصباح؛ هذا سوف يُسهّل عليك كثيرًا بقية اليوم، لأن الدافعية عندك سوف تتحسَّن... وهكذا، تذهبين لمرفقك الدراسي، تجلسين في الصفوف الأمامية، تُشاركي، ترجعين إلى البيت، تناول طعام الغداء، قسط بسيط من الراحة، ثم بعد ذلك ترفّهين عن نفسك بأي شيءٍ بسيط وجميل، الدراسة مرة أخرى، ممارسة رياضة، مجالسة الأسرة ... وهكذا.

بهذه الكيفية أنت تستطيعين أن توجّهي الحياة، أن تقودي الحياة، لا أن تتركي الأمور أن تقودك وأن تُقرِّر لكِ.

لديك أيضًا شيء من التطبُّع الوسواسي القلقي، وأعتقد هذا يُعالج عن طريق الدواء، أي دواء مضاد للقلق وللتوتر والمخاوف والوسوسة سوف يُساعدك في إزالة كل هذه الأعراض، يُضاف إلى ذلك أنه سوف يُحسّن مزاجك.

من الناحية التشخيصية: أنت ليس لديك مرض، إنما هي ظاهرة، ليس مرضًا نفسيًّا، ظاهرة تتميّز بوجود شيء من القلق، شيء من التوتر، الوسوسة، عُسْر المزاج، وسوء تقدير الذات.

إن ذهبت إلى طبيب نفسي هذا سيكون أمرًا رائعًا، وإن لم تذهبي فأعتقد أن عقار مثل الـ (سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (زولفت) أو (لسترال) سيكونُ مفيدًا جدًّا لك، خاصَّةً أنه سليم ولا يؤثّر على الهرمونات النسائية، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة جدًّا، تبدئين بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – لمدة عشرة أيام، ثم تجعلينها حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً