الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من قسوة القلب، وعدم الإحساس بانتماء جسدي لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قبل ١٥ سنة تعرضت لصدمة قوية على إثرها أو إثر غيرها -الله أعلم- فقدت تدريجيا المشاعر، قلبي قاسٍ جدا، وحدّية، وأشعر بكره لنفسي فظيع! لا أشعر بأن يدي لي أو أرجلي أو هذا جسدي ولا حتى وجهي.

أنظر في المرآة وأتقصد قلب شكلي لأبشع الصور والأشكال رغم أني جميلة، وعانيت من تقدم عرسان كثر لي، وسبق أن تزوجت وانفصلت بسبب معاناتي حبه الشديد والسادي لي.

أنا الآن متزوجة والحمد لله، زوجي حنون ونعم الزوج، إلا أني كالصنم، وأشفق على حالي بيني وبين نفسي، أحس أن ما بي هو سحر أو شيء من هذا القبيل.

أفتوني فيما أنا فيه، وانصحوني جزاكم الله خيرا، وخصوصا في مسألة الإحساس بأجزاء جسمي كأنها ليست لي، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

قطعًا المشاعر الإنسانية تختلف وتتباين بين الناس، هنالك من تجد لديه أحاسيس وجدانية شديدة جدًّا ويتفاعل مع أبسط الأحداث، وهنالك مَن هو في الجانب الآخر من المشاعر، وهناك من هو وسطي، وهذا قطعًا هو الأفضل. والتعبير عن المشاعر مرتبط دائمًا بشخصية الإنسان، البناء النفسي للشخصية يُحدد نوعية التفاعل الوجداني، كما أن الظروف الحياتية في مرحلة الطفولة والتنشئة والتربية أيضًا قد تلعب دورًا في الكيفية التي يُعبّرُ فيها الإنسان عن مشاعره في وقتٍ لاحق.

أنت ذكرت أنك قبل خمسة عشر عامًا تعرَّضت لصدمة كبيرة، ولا شك أنك كنت في مرحلة عمرية حرجة في ذاك الوقت، مرحلة تكوين أساسي، تكوين نفسي وتكوين وجداني، مشاكل الهوية، الانتماء، هذه كلها مرتبطة بتلك المرحلة، وربما يكون هذا الحدث قد أثّر عليك، لكن لا أريدك أن تتخذي ذلك ذريعة وتحاولي جهدك بأن تكوني إيجابية المشاعر.

هنالك طُرق كثيرة جدًّا ممن للإنسان أن يُحسّن مشاعره من خلالها، أولاً: من خلال تطوير ما يُسمَّى بالذكاء الوجداني – أو الذكاء العاطفي – وهو علمٌ رئيس الآن، من المؤلفات الممتازة، كتبها أحد روَّاد هذا العلم واسمه دكتور (دنييال جولمان Daniel Golman)، لديه كتاب مشهور كتبه عام 1995، اسمه الذكاء الوجداني، ويُسمَّى بالإنجليزية (Emotional Intelligence). أنا أعتقد أنه سيكون من المفيد جدًّا أن تقرئي هذا الكتاب، أو أي كتب أخرى عن الذكاء العاطفي والوجداني.

من خلال هذا العلم والاطلاع عليه وتطبيق فنّياته يُحسّن الإنسان مشاعره ويجعلها منضبطة ويجعلها واقعية. نحن أيضًا لا نريد المبالغات في المشاعر، نحن نريد المشاعر المنضبطة، والتفاعلات المنطقية. فإذًا هذه أحد الوسائل التي تطوّر المشاعر كثيرًا عند الإنسان.

أيضًا ممارسة الرياضة، وحسن التواصل الاجتماعي، الإنسان الذي يقوم بالواجبات الاجتماعية لا بد أن تتولّد لديه مشاعر إيجابية. الذين ينخرطون في الأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين (كفالة الأيتام)، هذه كلها أبواب عظيمة جدًّا لتبني مشاعر ووجدان إيجابي للإنسان، فأرجو – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تطرقي كل هذه الأبواب، وإن شاء الله تعالى تجدين خيرًا في ذلك.

نحن أيضًا في علم النفس والسلوك مثل مشاعرك هذه تجعلنا نفكّر في أنه ربما تكون هنالك درجة من الاكتئاب البسيط، الاكتئاب إمَّا يُبلِّد المشاعر أو يفقدها للإنسان، لذا ليس هنالك ما يمنعه أبدًا من أن تُجرِّبي أحد مُحسِّنات المزاج، وهي كثيرة جدًّا، عقار مثل الـ (فلوكستين) ممتاز، عقار مثل الـ (سبرالكس) ممتاز، ويوجد دواء يُسمَّى (فالدوكسان) على وجه الخصوص ربما يكون مناسبًا جدًّا لحالتك هذه.

أرجو أن تشاوري طبيبًا نفسيًّا في منطقتكم، وتخيّري أحد هذه الأدوية، وطبِّقي الإرشادات التي ذكرتها لك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً