الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هاجس الخوف منعني أن أقترب من الله -عز وجل-، كيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أدامكم الله وجزاكم خيرا لعملكم الهادف لحل مشكلاتنا.

أرجو من حضرتكم إيجاد حل للخوف الذي أصابني فجأة من أبسط الأشياء، لدرجة أن عقلي أصبح يتخيل أشياء أمامه، لكي أكون واضحة أكثر، أثناء ترتيب المطبخ ليلا يخيل لي أن هناك شخصا يقف في الظلمة يريد أذيتي، فأستغفر، وأستعيذ بالله من الشيطان، ولكن شعور الخوف لا يغادر جسدي، حتى عندما أبدأ في صلاتي في الليل، يبدأ الخيال عمله بحيث يهيأ لي بأن هنالك من الجن من يتربص لي في زاوية، وكلما هممت لأقوم بالصلاة يرتجف قلبي من الخوف، الأمر الذي شكل عقبة للتقرب من الله -عز وجل-.

نعتذر على طول الرسالة و نسأل الله -عز وجل- أن يعطيكم القوة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله: كنت أود أن أعرف كيف نشأ عندك الخوف، وما الحادث الذي كان سببا في ذلك.

الخوف نوع من أنواع الحالة النفسية يكون سببها حدوث حادثة مفزعة، قد لا يرعف الشخص سببها، كسماعة لصوت ولا يرى شخصا، أو يسقط شيء في البيت بسبب أنه وضعها غير متمكنة، أو بسبب حصول هزة لم يشعر أحد بها، ومن ثم يتسلل للعقل أن ذلك بفعل كائن شيطاني، ثم تقوى هذه الفكرة فتستولي على العقل من خلال كثرة التفكير في الأمر.

عندئذ يصبح الشخص يخاف من بعض الأماكن، وتستولي عليه الفكرة فيها أكثر من غيرها، سواء كان وقتا أو مكانا أو غير ذلك، فمثلا البعض يخاف إن حل الظلام، والبعض من غرفة معينة في البيت، إما على سبيل الدوام أو في وقت معين وهكذا.

من خلال عرضك للمشكلة أوضحت أن هذا الخوف يصيبك ليلا وليس نهارا، مع العلم أن الليل يكون وقت النوم، وهذا يعني أن وقت الخوف ليس في كل الليل، وإنما في أوقات محددة.

ولو قلت لك اعطني نسبة الخوف ليلا لكانت النسبة لا تتعدى 30%، والسبب في ذلك أنك لا يمكن أن تقضي في المطبخ ليلا أكثر من ساعتين، سواء متواصلة أو متفرقة، فلو زدنا على ذلك ساعة للصلاة لكانت هذه ثلاث ساعات، فلو اعتبرنا أن الليل عشر ساعات مثلا فالنسبة 30% على أعلى تقدير، وهذه نسبة يسيرة بالنسبة لبقية الليل، وهذا يعني أن عقلك ضخم القضية كثيرا واستولت على تفكيرك.

ولو قلت لك اعطني نسبة الخوف التي تنتابك داخل البيت بالنسبة لمحتوياتها، فلو قلنا عندك في البيت ثلاث غرف ومطيخ وحمام وصالة فهذه ستة مرافق، والخوف الذي ينتابك يتركز في المطبخ غالبا، إذا فالنسبة تقريبا على أعلى تقدير 20%، ولو جعلنا نسبة متوسطة بين هذه وما سبق لكانت النسبة 25%، وهذا يعني أن حياتك الآمنة البعيدة من الخوف تقترب من 80%، فأنت إذا تعيشين في أمان وطمأنينة، فلا تسمحي لعقلك بتضخيم الأمور.

إن الأرواح الخفية (الجن) ليس لهم أي سلطان على الإنسان، ولا يقوون على مواجهته، وكثير من القصص التي يذكرها عامة الناس تعد نوعا من الخرافة ولا أساس لها من الصحة، فالإنسان هو الذي يتخيل تلك الخيالات، وفي الحقيقة والواقع ليس لها أي وجود، وذلك ينتج عن الشعور غير الإرادي بسبب استيلاء الفكرة، فمن الناس من يتذكر الجن مثلا وتأتيه قشعريرة في جسده، وبعضهم يشعر أن شعره يقف، وهكذا ولو نظرنا للواقع فليس هنالك أي شيء، وغالبا ما يأتي هذا الشعور للبعض حين يكون وحده.

السؤال الأهم الذي أطرحه عليك: لماذا لا يشعر أهل بيتك بالشعور ذاته الذي تشعرين به؟ ولو أجبنا عن هذا السؤال بشفافية لقلنا: ليست لديهم هذه الفكرية، ولا تدور في تفكيرهم، ولو أن بعضهم فكر بتفكيرك لربما تخيل ما هو أشد من تخيلك، ولو تكلمت معهم بما تحسين وتشبعت عقول بعضهم بالفكرة لأتاهم ذلك الشعور.

علاج هذه الموضوع سلوكي محض، وهو أن تمحي هذه الفكرة من عقلك، وأن تعتقدي أنه لا يوجد شيء، وكلما راودتك هذه الأفكار فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واصرفي النظر عنها، ولا تجعلي عقلك يتحاور أو يسترسل معها، وبهذا الأسلوب ستخرج هذه الفكرة تماما من عقلك، ولن تشعري بأي شعور غريب بعد ذلك.

أوصيك في حال دخول المطبخ أن تشغلي نفسك بسماع القرآن الكريم من الهاتف مثلا، وأن تتفاعلي مع القرآن إصغاء وتدبرا، كما أوصيكم أن تجعلوا بعض الساعات لتشغيل القرآن في البيت، فبذلك تحل البركة وتنطرد الشياطين، اجعلي لنفسك وردا من القرآن الكريم، بحيث تقرئين ورقتين بعد كل صلاة، وبذلك ستختمين عند صلاة العشاء جزءا كاملا.

حافظي على أذكار اليوم والليلة، فبذلك سيطمئن قبلك وتتحصنين من كل شر، واجعلي لسانك رطبا من ذكر الله تعالى، كما أوصى نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

اجتهدي في توثيق صلتك بالله تعالى من خلال الإكثار من الأعمال الصالحة، فمن أراد الحياة الطيبة المطمئنة فعليه بالإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً