الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدان الزوجة ثقتها بزوجها بالرغم من انتهاء علاقته بأخرى

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

كنت متأكدة من أن حياتي مع زوجي لا يشوبها نقص مني أو منه، لاحظت أموراً جعلتني أرتاب فيه، بأسلوبي استطعت أن أعرف منه هو شخصياً أنه على علاقة مع امرأة من بلد آخر، وأنه كل أربعة أو خمسة أيام في الشهر يمضيها معها تحت اسم زواج يبدو ظاهرياً شرعي ولكن غير رسمي.

وبعد معرفتي للوضع كنت هادئة وناقشت معه مدى جدية الأمر وإمكانية إحضارها للسعودية، تبيَّن أنه غير متحمس وأنها كانت مجرد نزوة وتسلية، وأنه يحتاجني لأتخلص منها، وفعلاً حصل كل شيء بمساعدة مني لدرجة وصلت أني كلمتها وعرفت منها كل شيء وأنها لم تتوقع أن تكون له زوجة مثلي على حد علمها، وانتهت العلاقة.

المشكلة الآن في أن أفكاري بدأت تذبحني وتهدم خلايا أعصابي، هذا الرجل الذي طالما وثقت به ثقة خالصة بحبه وحبي له واعتمادي عليه واعتماده علي كأننا جسد واحد يحصل منه هذا الشيء، جاء في ذهني أني مع رجل غريب لا أعرفه وليس من اعتقدت أني أعرفه، وأحياناً كثيرة أودُّ بشدة أن أتطلق منه وبدون ذرة أسف لا علي ولا على أولادي، ماذا أفعل أنا تحت وقع الصدمة بعد أن أفقت من دور الطبيبة؟

ساعدوني أرجوكم وبسرعة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت المربية الفاضلة/ أم مهند .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جلَّ وعلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يأخذ بقلبك وناصيتك للحق الذي يرضيه، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فكان الله في عونك؛ لأني أتصور وأتخيل ذلك الجرح الغائر والعميق الذي خلفه هذا السلوك الغير متوقع من زوجك، وكيف أنه أقدم على هذا الأمر دون مقدمات أو إخبار لأحد؟ وألمس أيضاً أن الذي عمق الأحزان وقوى من أثرها عليك محبتك له وإخلاص كل واحد منكما لصاحبه واعتماده عليه، حتى أوى بك هذا الجرح العميق إلى التفكير في طلب الطلاق والانفصال حتى ولو ضاع الأولاد أيضاً، وهذا في ظني كله يمشي في الاتجاه الخطأ المعاكس الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي يجعلك بالتالي تفقدي دورك في الحياة نهائيّاً تقريباً.

هذا الرجل أخطأ؛ نعم، وهذا حق، ولكن أليس لهذا الرجل من حسنة تغمر هذا التصرف المؤلم بالنسبة لك؟ أنت تقرين بنفسك أنكما كالجسد الواحد، فهل الجسد الواحد يتخلص من عضوٍ من أعضائه إذا أصابه مرض أو علة أو عجز عن القيام بدوره، أم يقف معه ويساعده أكثر من ذي قبل حتى يتمكن من تخطي المحنة التي حدثت له؟ أعتقد أن لديك الكثير من مخزون الخير والذكريات السعيدة التي مرت بكم وعشتموها معاً وهي كفيلة بأن تمكنك من تجاوز هذا الأمر والعودة بالحياة إلى طبيعتها وبالسفينة إلى مجراها الطبيعي وسط الأمواج الهائجة.

إن فكرة الطلاق معناها الانهزامية وفقدان الثقة في النفس، والهروب من واقع يستحيل الهروب منه، ولذلك أؤكد على ضرورة التخلص من هذه الفكرة نهائياً، وعدم إعطائها أي مساحة من تفكيرك ولو لدقائق معدودات، زلةٌ في بحر الحب الدافق الذي استمر سنوات، فما قيمتها؟

ثم لماذا لا تعيدي التفكير في موقفك وتراجعي حساباتك لاحتمال أن هناك نوع تقصير لم تشعري به دفعه إلى إشباعه؟ لماذا نحمل الآخرين الخطأ وحدهم ونصف أنفسنا بالكمال المطلق؟

إنها فرصة لك لمراجعة حساباتك وعطاءك لزوجك وأسرتك، وزيادة معدل رصيدك في البذل والعطاء بدلاً من التخلص من تلك البيئة الطبيعية لك، ثم لماذا تفكرين في نفسك وحدك ونسيتِ حتى أعضاءك التي تمشي أمامك ومن حولك؟ أليس من حقهم أن تقفي مع أبيهم الذي طلب منك مساعدته في ظروفه؛ لعلمه بأنك الوفية المخلصة والسند والنصير بعد الله تعالى؟

ألست بتخليك عن الأسرة الآن تفتحين الطريق أمام أخرى لتحتل مكانك وتقضي على ما بقي لك من رصيد في حسابك؟ أنت بذلك تعالجين الخطأ -من وجهة نظرك- بخطأ أفدح منه، الرجل جنح ثم عاد واعتدل وانتهت المسألة، وأنت تريدين أن تكسري كل قواعد المرور ثأراً لكرامتك حتى ولو على حساب الثوابت وقرة العين، ولكن أنت تعلمي أنني أمشي معك في تصورك، وإلا فالرجل شرعاً لم يرتكب محرماً أو جرماً بزواجه من أخرى، هذا في حد ذاته ليس خيانة لك ولا إقلالاً من شأنك بالمعنى الذي تفهمينه، تجربة مشروعة خاضها زوجك ثم تراجع عنها وعاد إلى أحضانك، فلماذا لا تحتويه بدلاً من أن يتفلت مرةً أخرى؟

انتبهي لنفسك حتى لا تضيعي كل شيء، ومُدِّي يد المساعدة لزوجك الآن أكثر من أي وقت مضى، واعلمي أن المرأة القوية التي لا تهرب من المعركة أبداً وتترك عشها لغيرها وتحرق نفسها بنارها، فعليك بالعفو والصفح ونسيان الأمر تماماً، وسؤال الله السلامة والستر فيما بقي من أيام عمرك، والإعانة على الإحسان إلى زوجك وتربية الأولاد، وأن يربط على قلبك كما ربط على قلب أم موسى، وقفي شامخة كما كنت مرةً أخرى.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً