الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما توجيهكم في التعامل الصحيح مع عصبية الأم؟

السؤال

السلام عليكم.

خلال 3 سنوات الأخيرة انتقلنا لبيت جديد كبير -والحمد لله-، وبعد سفر أختي الكبرى ألقي علي أنا وأمي مشقة العمل فيه، ولأنني كنت مشغولة بالدراسة بسبب الثانوية كانت المشقة أكبر على أمي فتغيرت شخصيتها بسبب ذلك، وأصبحت كثيرة التذمر والصراخ بشكل يومي، حتى إنها تذمني بشكل مستمر في أتفه الأخطاء التي أقوم بها رغم مساعدتي لها، وتجرحني بذلك، ولكنني أعذرها.

إذا بقيت صامتة قالت: أنت تتجاهلينني، وإذا حاولت إرضاءها بكلمات طيبة وهو ما أفعله، غالبا تقول لي فقط حتى تفوتي الأمر أنا أعرفك، وإذا تذمرت صرخت في وجهي ويبقى كلامي محفورا في ذهنها، تكرره كل يوم.

أحب أن أناقشها في موضوعات عديدة، وعن قصصي لتبتسم، لكنها ترفض الاستماع غالبا، علما أن أمي لا تناديني بحبيبتي أو حتى ابنتي، مما ولد في نقصا من ناحية الحب، فأنا أحس بغرابة شديدة حين تعانقني صديقتي أو تقبلني.

أعلم أن أمي تحبنا كثيرا، لكنها لا تظهر ذلك، وهذا العام فقط أصيبت أمي بمرض مزمن، وأرجو منكم الدعاء لها، أصبحت أمي حساسة جدا لأدنى كلمة تقال لها، وأحيانا تصدر قرارات غير منطقية، فبسبب شجار بسيط بيني وبين أخي -علما أننا تصالحا- وطلبت العفو من أمي 3 مرات منعتني من استخدام الحاسوب أمامها، وهددتني بكسره في لحظة غضب، وأدرك أنها لا تعني ذلك.

بكيت كثيرا تلك الليلة، وبعدها بأيام حاولت إرضاءها بالقيام بالكثير من الأعمال المنزلية، ووفرت لها وقتا أكبر للراحة، وبعدها بأيام استعملت حاسوبي أمامها للبحث الدراسي فغضبت، وقالت حتى وإن كان طلبي غير منطقي، لأنني أم ستطيعينني.

فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

نُرحب بك أجمل ترحيب ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي والدتك ويقر عينيك برؤيتها معافاة ويحفظها لكم.

إنَّ أمك تعاني من حالة نفسية تجعلها تفعل ما تفعل وتقول ما تقول، وإحساسها بألم المرض -كما ذكرت-: "أصيبت أمي بمرض مزمن" وهذا ما جعل تصرفاتها وانفعالاتها غير متزنة قبل أنّ تعلم بمرضها، وما كان سوء معاملتها لكم إلا تفريغ لشحنات من الغضب والعصبية، وليست كما اعتقدتِ تعبيرًا عن كره، وهي تحبك كثيراً وهذا ما ذكرتيه خلال استشارتك" وأنا أعلم أن أمي تحبنا كثيرا، لكنها لا تظهر ذلك فقط".

هناك أمورٌ لا يعلمها الأبناءُ تكون هي السبب في وصولها لهذا، فادعي الله أن يُزِيح عنها؛ فهي تُعاني كثيرًا بسبب مرضها، ولا تستطيع التحكُّم في نفسها ولا ترى عيوبها، ولعل هناك أيضاً من تجارب الماضي أو عقد نفسية لم تعالج في وقتها وأثرت عليها بالسلب.

فعلى الولد في هذه الحال أن يصبر ويحتسب الثواب من الله على هذا القدر الذي ابتلاه الله به، ويقابل الإساءة بالإحسان، فكم هو مؤلم أن يكون كرب المرء مع من هم الأقرب إلى نفسه والأعز على قلبه، والأكثر إيلامًا أن يكون هذا الابتلاء والكرب مرتبطا بمن ارتبط رضاهم برضى المولى -تبارك وتعالى-، فلا يخفى على أحد ما للوالدين من حق.

ولك في خليل الله إبراهيم -عليه السلام- خيرُ أُسوة؛ فقد كان والدُه كافرًا، ويتوعَّده أشد الوعيد؛ فما كان جوابُه على تلك القسوة وهذا البطش إلا أن قال: "سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًا"، فتجنبي مواجهتها بقول أو فعل يُشعل فتيلة غضبها.

والصبرُ على ما يصدر من الوالدة من أعظم البر به، وتذكَّري ألا يعلو صوتك بقول أو فعل، وتسلّحي بالذّكر والاستغفار؛ لئلا تقعي في عقوقها في تلك اللحظات.

فالأم لها ثلاثة حقوق؛ لأنها عانت من آلام الحمل، وآلام الوضع، وآلام الحضانة والرَّضاعة ما لم يُعانه الأب، وإنَّ فضل الأم مقدم على فضل الأب في القرآن الكريم والسُّنة النبوية؛ فقد قال -تعالى-: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"، فتقبلي والدتك كما هي؛ لذلك علينا ان نتذكر أن الحياة قصيرة، وأصحابها راحلون.

فالشرعُ أمرنا أن نلتمِسَ العذر لمن حولنا، فما بالك بأقرب الأقارب وهي والدتك؟ ولا أظنّ أنّ هناك صعوبة في معرفة الأشياء التي تجلب غضب الوالدة، فأرجو أن تبتعدوا عن كل ما يُثيرها ويغضبها، وربما تمرّ بمواقف تحتاج من أهلها أن يقفوا معها ويساعدوها حتى تتغلب على تلك المواقف والمشكلات حتى تستقر حياتها وتنجح في حياتها الأسرية.

وبالنسبة إلى أنّك تساءلت وقلت:"منعت مني استخدام الحاسوب أمامها" وقالت حتى وإن كان طلبي غير منطقي لأنني أم فستطيعينني، أقول لك: التمسي لها العذر؛ فالمؤمن يسبق حسن الظنّ حتى في الغريب، فما بال أمك، ألا تلتمسين لها عذرًا وأنت تعلمين ما عانت وما كابدت؟ وحاولي أن تبحثي عن امرأة من معارفكم أو أقاربكم عاقلة راشدة تمد أمك بالنصح بشكل غير مباشر، وتوضح لها بعض السلبيات في تعاملها معك، فربما ما ترفضه منك تقبله من امرأة في مثل سنها؛ والتغيير لن يكون بين ليلة وضحاها، فاصبري وصابري وتوكلي على الله تعالى.

عليك أن تعذري أمك؛ فهي تتعرض لضغوط معينة بسبب مرضها وآلامها فتسقطها على من تحب؛ لذلك لا تجعلي وساوس الشيطان تحرمك من حنان أمك وتبعدك عنها، ولا تستسلمي لفكرة أنها تقصد أو تتعمد ذلك.

أنت -والحمد لله- بنيتي فتاة متعلمة، وتعلمين جيداً حقها عليك، كما أنك مثقفة ومدركة وواعية، وكل ما عليك هو أن تميزي أمك عند حديثك معها بالمزيد من الاحترام، ومهما اختلفتما في وجهات النظر؛ فلا ترفعي صوتك عليها، وتذكري قول الله -جل وعلا-: "وقل لهما قولاً كريما"، فاحترام الوالدين من البر.

أما بالنسبة إلى قولك :" أمي لاتنادينا بحبيبتي اوحتى ابنتي مما ولد في نقصا من ناحية الحب"، اعلمي بنيتي أن الأم لا تكره أبناءها قط وتتمنى لهم الأفضل في الحياة؛ وغداً ستصبحين أماً وتدركين معنى هذا الحديث، لكنها ربما من الأمهات اللواتي لا يعبرن بشكل سليم عما يختلج صدورهن، أو عاشت في بيئة ترى هذا الأمر طبيعياً، وهذا منتشر في الكثير من البيوت، أو أنك تفسرين بعض الأمور على غير تفسيرها، فلا بد لنا أن نفترض كل شيء حتى نعالج المشكلة.

قومي بتقبيل يدها ورأسها كل يوم، وساعديها في شؤون المنزل: كتنظيف، أو ترتيب، واحرصي أن تكوني بين يديها حين تكون في حاجتك، كوني على مسافة واحدة من إخوتك وقريبة من مشاعرهم، وعادلة وموضوعية عن الخلاف، واحترام أسرارهم إذا ائتمنوك عليها.

تقربي من رب الأرض والسموات، وأشغلي نفسك بالطاعات والدعاء والتضرع إلى الله أن يشفيها وأنّ يؤلف بين قلبك وقلوب أمك وإخوتك.

أسأل الله لك الهداية والتألق والتميز، وأن يسود التآلف والانسجام حياتكم يا أميرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً