الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي أفضل طريقة للتعامل مع سلوك أخي المؤذي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعيش مع والدتي وأختي، بينما يقيم والدي في مكان آخر بسبب عمله، أخي الأكبر يتميز بسلوك عدواني شديد، وهو ناتج عن الإيذاء الجسدي والنفسي الذي تعرض له من والدي في الماضي، والذي تسبب في تشوهات ظاهرة في وجهه وجسده، وكانت أختي أيضًا ضحية لإيذاء والدي، لكن بدرجة أقل.

نتيجة لتلك التجارب المؤلمة، أصبح أخي يمارس سلوكًا مؤذيًا تجاه والدتي وأختي، والآن توقف عن إيذاء والدتي جسديًا، لكنه لا يزال يهددها، ويصرخ عليها، ويتجاهلها.

أمَّا بالنسبة لأختي فهو يمارس عليها إيذاءً كبيرًا ومستمرًا، يتضمن التهديد والشتم، ومحاولة منعها من إغلاق باب غرفتها عن طريق كسره.

على الرغم من قسوة أخي في تعامله معهما، تصر والدتي على معاملته بلطف بدعوى أنها لم تكن أمًا صالحة، وتطلب منا باستمرار مسامحته على أفعاله المؤذية جسديًا ولفظيًا ونفسيًا.

غالبًا ما تكون أفعال أخي ناتجة عن أسباب تافهة، مثل رفضه السماح لأختي بالمرور عند الباب، والذي يتحول إلى شتم وتهديد بالضرب، وإذا دافعت أختي عن نفسها بالكلام، يقوم بضربها، والمؤلم أن والدتي غالبًا ما تلقي باللوم على أختي أكثر من أخي في هذه المواقف.

عندما نحاول إخبار والدي بسلوك أخي، يكون رده الوحيد هو الابتعاد عنه وعدم التحدث إليه، وكأنه يتنصل من مسؤوليته، وعلى الرغم من محاولات والدتي المستمرة للتحدث مع أخي، ومحاولة تغييره لساعات طويلة، إلَّا إنه لا يستجيب، وقد حاولت أنا شخصيًا التحدث معه، لكنه أخبرني صراحة أنه لن يتغير.

أمَّا بالنسبة لوالدتي، فهي تعاني من تقلبات مزاجية حادة وتغضب لأتفه الأسباب، وغالبًا ما توجه غضبها نحوي شخصيًا، فتقول لي عبارات مثل: أنا غاضبة عليك، لن أسامحك أبدًا! وتشتمني بألفاظ سيئة وتهددني، بل وتذكرني بأني يجب أن أحمد الله أنها لا تضربني، وبسبب هذا التعامل القاسي منها أشعر بضيق شديد، وأبكي بشكل هستيري عند التحدث معها.

في ظل هذه الظروف المعقدة، أجد صعوبة بالغة في تلبية طلب والدتي بأن أعامل أخي بلطف، وأقدم له أشياء يحبها، خاصة وأنها تمارس عليّ ضغوطًا شديدة، وتفعل أشياء أسوأ إذا رفضت.

بالإضافة إلى كل هذه المشاكل المتعلقة بأخي ووالدي، وتعامل والدتي معي، تعاني والدتي من ابتلاءات أخرى كثيرة، وألاحظ أنها ليست قريبة من الله، وأعلم أن هذا ليس عذرًا لتصرفاتها، لكنني أتساءل: كيف يمكنني مساعدتها على التقرب من الله عز وجل؟ وكيف يمكنني التعامل مع والدتي عندما تقسو عليّ لأتفه الأسباب؟ وكيف أتعامل مع تقصير والدي في مسؤولياته تجاهنا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في موقعنا، ونشكر لكِ اهتمامكِ بأمر أخيكِ، ونسأل الله أن يهديه إلى أحسن الأخلاق والأفعال، فهو وحده الهادي إلى سواء السبيل، كما نشكر لكِ حرصكِ على سلامة أسرتكِ، وندعو الله أن يجعل الخير والصلاح على يديكِ.

لا يخفى عليكِ -ابنتي الكريمة- عِظم حق الوالدين وأهمية رضاهما، وهو هدف سامٍ ينبغي للمرء أن يسعى جاهدًا لتحقيقه، نسأل الله أن يرزقنا جميعاً بِرَّ آبائنا وأمهاتنا في حياتهم وبعد مماتهم.

ثانياً: بِرُّ الوالدين عبادةٌ لله تعالى، لذا يجب أن نستمر فيها بغض النظر عن تقصيرهما أو عدمه، وحتى لو قصّرا في حقنا، فإن صبرنا عليهما هو لونٌ من ألوان طاعتهما، وطاعة لله عز وجل، فتعاملنا مع والدينا يجب أن يكون قائمًا على أقصى درجات اللطف والاحترام، لا على مبدأ المعاملة بالمثل.

هذا اللطف في الحديث مع الوالد أو الوالدة يجب أن يستمر حتى لو كانا عاصيين، وقدوتنا في ذلك هو خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حين كان يخاطب أباه المشرك بمنتهى الرقة قائلاً: {يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ...}. فإذا قبل الوالد أو الوالدة النصح فذلك خير، وإذا رفضا فإن واجبنا هو الاستمرار في البِرِّ والإحسان. يقول تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، فتأملي كيف أمرنا الله بعدم طاعتهما في الشرك، لكنه أمر بمصاحبتهما بالمعروف في الدنيا.

لذا استمري في حُسن مصاحبة والدتكِ ووالدكِ، وإذا كان حُسن تعاملكِ مع أخيكِ يُرضي والدتكِ، فتعاملي معه كما تُحب والدتكِ، واعلمي أن المعاملة الحسنة في مثل هذه الظروف قد تكون أبلغ أثراً من العناد والمخاصمة، فأخوكِ يمر بمرحلة صعبة، ويحمل آثار شعوره بالاضطهاد والأذى في صغره، وهذه كلها نتائج طبيعية لتلك التجارب، لذا ننصحكِ بشدة بطاعة والدتكِ والإحسان إلى أخيكِ قدر استطاعتكِ، خاصة وأن والدتكِ ترغب في ذلك.

يجب أن ندرك جميعاً أن الإحسان إلى الأخ في مثل هذه الأحوال، والاستماع إليه، هي أمور منطقية وضرورية، يجب تجنب العناد معه في الأمور الصغيرة، مثل فتح الباب أو إفساح الطريق؛ لأن العناد لا يولد إلَّا العناد، ويزيد من توتر الأجواء في البيت، والمطلوب هو التعامل مع الوضع بهدوء وروية.

فهمنا أن أذى والدتكِ لكِ قد يتوقف إذا أحسنتِ معاملة أخيكِ، ونود التأكيد على أن المعاملة الطيبة لها تأثير كبير في حالات قسوة الأبناء وتمردّهم، إن أحسن سُبل التعامل هو الإحسان إليهم حتى لو أساءوا؛ لأن في ذلك إنقاذاً لأخيكِ من الاستمرار في هذا النفق المظلم من العدوان والأذية.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلحه، وعليكِ بالإكثار من الدعاء له، والاجتهاد في ربطه بصحبة صالحة، ونظراً لغياب الوالد، نتمنى أن يكون للأخوال والأعمام دورٌ فاعلٌ في توجيه هذا الابن، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً