الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسرف كثيرًا في الخيال وأحلام اليقظة، فكيف أتوقف عن ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ...

عمري 22 سنة، أعاني من الحديث مع النفس كثيرا، وأتخيل لو أن هذا الشخص أمامي سأفعل كذا، وأقول كذا، وأبدأ بالحديث وكأنه موجود أمامي حقيقة، كنت مسيطرة على هذه الحالة، ولكن مع القلق الزائد أجد راحة كبيرة في مثل هذه الحوارات، لكنها تبعدني وبشدة عن الواقع، فماذا أفعل؟ وهل هي من الشيطان؟

جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بثينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

•أهلا بك عزيزتي.

إنّ عمرك الآن هو 22 سنة وهو بداية الشباب، وهذه المرحلة العمرية تكون عادة مليئة بالطاقة والحماس والتخطيط والقلق حول المستقبل، أي يعيش الإنسان فيها ازدحاماً في أفكاره، ويشغل ذهنه عادة إما أمنيات لمستقبله، أو معاناة من واقعه، يبحث لها عن حلول، وهذه المعاناة تُولّد عنده توترا وقلقا يجعله يبحث عن وسائل وطرق تساعده في التفريغ عنها، والتخفيف من هذا التفكير المستمر، فنجد الشخص يتحدث مع نفسه ما يحلو له حول ما يقلقه، وغالبا ينتهي هذا الحديث بالراحة النفسية.

• هذه الحالة تدعى بأحلام اليقظة، واطمئني هي ليست من الشيطان، بل هي ظاهرة وتقنية نفسية يعيشها الإنسان كمرحلة عابرة ومؤقتة من حياته، تكون من خلال صياغته للسيناريوهات الخاصة به وصناعته لمحتوى الحلم كما يحلو له ويتمناه، ومن ثم يتخيل نفسه أنه يعيشه تماماً، وبالتالي يصنع لنفسه زاويته التخيلية الخاصة به والتي يحقق فيها راحته النفسية من خلال إمّا تحقيقه لرغباته وطموحاته (النوع الإيجابي من أحلام اليقظة) أو هروبه من واقعه المليء بالتوتر والمشكلات (النوع السلبي من أحلام اليقظة وهو مايحدث معكِ).

أما إيجابيات أحلام اليقظة تكمن في:
- التفريغ النفسي وتخفيف القلق.
- الحماس والتحفيز الذي تبثه في روح صاحبها بعد أن يتخيل أشياء ايجابية قد قام بها وحققها، مما قد يدفعه لمزيد من التخطيط لتحقيق طموحاته وأحلامه على أرض الواقع.
- عادة تنصقل هذه الأحلام مع مرور الوقت لتتحول إلى خطوات عملية تساعد صاحبها ليكون أكثر إنتاجاً في حياته الواقعية.

وأمّا سلبياتها:
(وهي ما بدأتِ تشعرين به) تظهر عندما يزداد استخدامها بشكل مبالغ به، حتى يفقد الإنسان السيطرة عليها، والتحكم في إدارة وقته، ويشعر أنّ ذهنه مُشتّت أغلب الوقت، مما يضعف من إنجازه ويعرقل قيامه بمهامه اليومية، وهذا يحدث مع صاحبها عندما:
- يلجأ إلى الخيال بدل الحقيقة في حل مشكلاته.
- يلجأ إلى الخيال هرباً من الواقع ومواجهة مشاكله.
- يختلط عليه الأمر ولا يعود يستطيع التمييز بين الحلم والواقع.
- يعزل نفسه عن الناس وحياته الواقعية.
- يبتعد تماماً عن واقعه، حيث يعيش غير مُبالٍ لمشاكله وما يدور من حوله، فهو لديه حياته الخاصة التخيلية التي تُشبع احتياجاته.
- تأخذ حيزاً كبيراً من وقت صاحبها، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تراجع مستواه وأدائه في مجالات حياته عموماً.

أي ما يحدث معكِ عزيزتي هو حالة طبيعية وعابرة بإذن الله، ولكنك بدأت تدخلين المنحى السلبي من أحلام اليقظة، وخاصة أنها بدأت تُبعدك عن الواقع بشكل كبير كما ذكرتِ، ومن الجيد أنك قد راسلتِنا في هذه الفترة، حيث من السهل عليكِ إعادة تحكمك بها.

أمّا علاج هذه الظاهرة فيكون من خلال:
- الانخراط بالأنشطة الاجتماعية التي تتطلب منك عدم البقاء بمفردك، والمشاركة الفاعلة مع الاخرين، فذلك يُجبرك على أن تخرجي من دائرة شرودك مع نفسك.
- املئي يومك بالأنشطة الحركية والرياضات التي تحبينها، فالرياضة تتطلب جهداً جسدياً يمنع من يُمارسُها من السرحان الذهني في الوقت نفسه.
- مارسي الأنشطة الذهنية مثل الشطرنج، الألغاز، وغيرها من الأنشطة التي تتطلب تركيزاً عالياً، فالتركيز بطبيعته هو عكس السرحان، لذا سيخفف تلقائياً من أحلامك اليقظة.
- تجنبي قدر الإمكان قضاء وقت كبير في الأماكن التي اعتدت فيها على ممارسة أحلام اليقظة، مثل: غرفتك النوم، فهذا سيخفف من قوة الرابط لديكِ بين المكان وأحلام اليقظة، وبالتالي ستجدين نفسك غير مرتاحة للقيام بها خارج المكان المعتاد، مما سيجعلك تُقللين منها تدريجياً مع الوقت.

ولكن عموماً أريد طمأنتك أن أحلام اليقظة عادة ما تكون عابرة ومؤقتة، فهي مرافقة لمرحلة المراهقة وبداية الشباب، وتقل تدريجيا بعد ذلك إلى أن تزول، فلا تقلقي حول ذلك.

ختاماً: لا تترددي في مراسلتنا مُجددا في أي موضوع وفي أي وقت.

بالتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً