الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التخلص من الأفكار الانتحارية لدى مرضى الفصام؟

السؤال

السلام عليكم..

شكرا جزيلا دكتور محمد عبد العليم على الرد جزاكم الله خيرا جميعا .

قبل ثلاثة أيام أخي الذي أرسلت استشارة بخصوصه تحدث معنا وقال أريد الانتحار؛ لأني لا أريد أن أؤذي أحدا، وأخاف أن أفعل أشياء أسوأ.

تحدثنا معه أن هذا الأمر حرام، ومصيره جهنم، ولا تدري ماذا ينتظرك من عذاب الله، وقلنا قد تصبح إن شاء الله في المستقبل شخصا ينفع الأمة، بعدها قال أريد الذهاب للطبيب، وأريد مقويات، وبالفعل الطبيب قال راجعوني بعد شهر.

أخذه والدي للطبيب فأعطاه أولكسا، بالإضافة إلى هذه الأدوية rispharm th 2p 60 و procyclidine th 5p 30، أحدهما مقوٍ للأعصاب، والآخر ضد التشنجات، فقال أخي: أصبح نومي مضطربا، وأنا أتعذب، وقال: أريد أن أرمي نفسي من سطح المنزل، ويصعد كثيرا، أحيانا نناديه لينزل، لكن يقول بأنه جالس هناك ونتركه.

عندما قال أريد أن أنتحر، قال بعدها: ما دمت مسلما فلن أبقى في جهنم، فقلت له لا بل ستبقى، لأن الله تعالى أعطاك عائلة تحبك وتنصحك، ويكرر كثيرا هذا الكلام.

ثم قال عندما أنتحر ترحموا لي واقرؤوا لي القرآن، قلت والله لن أفعل ذلك، وستجدنا جميعا في مستشفى المجانين، فكيف أتحدث معه بخصوص الانتحار؟ وهل ما فعلته صحيحا؟

فشخص من عائلتي بالأمس ذهب للجسر يريد الانتحار ثم تراجع خائفا، هذا الشخص هو أمي التي لا تصلي، كيف أنصح أمي لتصلي ويكون إيمانها قويا بالله عز وجل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Marwa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى لأخيك العافية والشفاء.

طبعًا المبدأ النفسي الرصين والمهم – ونحن نركز على ذلك كثيرًا في تقييم الحالات وكذلك في تدريب الأطباء – أن المريض نفسه إذا تحدّث عن الانتحار يجب أن نأخذ هذا الأمر بجدية شديدة جدًّا، وأن نذهب به إلى الطبيب. هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا.

وطبعًا كما تفضلت أن والدك قد أخذه للطبيب، لكن ما دام لا زالت الأفكار تنتابه، فأعتقد أنه يحتاج لمراجعة أخرى ليُبدّل الطبيب الأدوية، فهو يحتاج لدواء يُحسِّنُ من نومه، مثل الـ (أولانزبين Olanzapine) مثلاً، دواء جيد، وعقار (كويتيابين Quetiapine) أيضًا قد يكون دواءً مناسبًا.

ويوجد دواء نعطيه في حالات الفصام، ويُعتبر هو الدواء الأخير، يُسمَّى (كلوزابين Clozapine)، هذا الدواء يتميز أنه يطرد الأفكار الانتحارية عند مرضى الفصام، وهذه ميزة خاصة جدًّا لهذا الدواء، لكن مشكلة الكلوزابين أن له آثارا جانبية مختلفة، وأنه لا بد أن يُعطى بتدرُّجٍ شديد، وأن يكون هنالك فحص أسبوعي لتحديد مستوى الدم الأبيض لمدة 18 أسبوعا على الأقل، كما أن وظائف القلب يجب أن تتم مراقبتها في الشهور الأولى للعلاج.

هذا الدواء معروف جدًّا عند الأطباء، وأنا أعتقد أن الطبيب يمكن أن يقدم ويعطي هذا الدواء، ما دام أخيك تأتيه الأفكار الانتحارية من وقتٍ لآخر، ومن جانبكم طبعًا مساندته، إثناؤه عن هذا الفعل، ومنهجيتكم صحيحة، لكن مراجعة الطبيب مهمة لمراجعة الدواء، وطبعًا إذا كانت هنالك حالة اكتئابية ثانوية بجانب الفصام ففي هذه الحالة قد نعطي جلسات كهربائية داخل المستشفى، وهذه أيضًا تفيد كثيرًا.

هذا هو الوضع بالنسبة لهذا الأخ، وهذه هي الحلول، أن يُؤخذ الأمر بجدية كبيرة، أن يُذهب بهذا الأخ للطبيب، وأن تُراجع أدويته، وأن يُبحث في موضوع العلاج الكهربائي، أو إعطائه الكلوزابين، فالحلول -الحمد لله تعالى- موجودة.

سؤالك الثاني: طرحت فيه مشكلة هامة جدًّا وهي متعلقة بوالدتك، أسأل الله تعالى لها العافية والتوفيق والسداد، وأن يحفظها الله تعالى.

طبعًا اتخاذها الخطوة المذكورة والتي ذهبت للجسر بهدف السقوط من أعلاه بهدف الانتحار: هذا أمرٌ مؤلم جدًّا، ويجب أن يؤخذ مأخذ الجد، محاولات الانتحار عند المرأة حين تكون فوق سن الأربعين أمر حقيقة مزعج، ونحن في الطب النفسي نتخذ إجراءات ضرورية وصارمة، وأول هذه الإجراءات أن نقوم بإدخال الشخص المستشفى من أجل حمايته، ومن أجل التأكد من تشخيصه بعد مدارسة حالته بدقة، وغالبًا هؤلاء يُعانون من اكتئاب نفسي بيولوجي، وعلى ضوء ذلك تُوضع الخطة العلاجية، ومعظمهم يحتاجون لجلسات كهربائية لتخرجهم من الشعور بالكدر والكرب الذي دفعهم نحو محاولة الانتحار الخطيرة.

هذا يقودني إلى أن أطلب منك - وعلى وجه السرعة - أن تذهبوا -بوالدتك الكريمة- لمقابلة الطبيب النفسي، هذا أمرٌ يجب ألَّا يُجهل أبدًا، وهذا إنذار كبير، ومَن يقوم بمحاولة من النوع الذي قامت به والدتك نعتبره جرس إنذار، وبلغة الطب النفسي نضعها في المنطقة الحمراء، وعلى ضوء ذلك نتخذ الإجراءات اللازمة.

وبدون وجل وبدون خوف وبدون همٍّ أرجو أن تذهبوا بوالدتكم إلى المستشفى، وأنت إن شاء الله تعالى مأجورة على ذلك، وهذا من البر، وهذا من إحياء النفس، {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}.

أمَّا بالنسبة لترك الصلاة فهذه طبعًا مصيبة كبيرة، والناس جهلاً منهم بقيمة الصلاة قد لا يصلونها، وأيضًا الشيطان له دور كبير، وهذا سبب معروف، وإن كنت لا أريد أن أحمّل الشيطان كل المسؤولية حول ترك الصلاة، المهم هو أن يفهم الإنسان عظمة الصلاة وأنها عمود الدين، وأنها أول ما يُحاسب عليها العبد يوم القيامة، وأنها تفرج الكُرب، كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بها يا بلال). هذه رسائل عظيمة يجب أن تصل لوالدتك، وخذي بيدها، صلي معها، توضئي معها، قبلي رأسها، قبلي قدمها لتستجيب لك إن شاء الله تعالى.

وإن شاء الله بعد أن يكتمل علاج الوالدة الطبي من الأفضل التواصل مع إحدى الداعيات، ونشجعها على أن تذهب إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، حيث تجد المؤازرة، والترغيب، والبساطة الإيمانية الجميلة، وهذا إن شاء الله تعالى يجعلها تسير على المسار العقدي والإسلامي الصحيح، وتجعل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم هي منهجها ومرجعيتها.

كما أن وجود القدوات الحسنة للإنسان والرفقة الطيبة مهمة جدًّا، المهم يجب ألَّا يكون هنالك يأس أبدًا، ويجب أن يكون تحفيزها ودعوتها وترغيبها في الصلاة أمرًا مستمرًّا، حتى تصلي وتُحسن الصلاة إن شاء الله تعالى.

هذا ما أود أن أقوله، ونسأل الله تعالى العافية والتوفيق والسداد للجميع، وربنا يحفظك ويحفظ والدتك، ونشكرك كثيرًا على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً