الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي ضغوط وخوف شديد من المرض والموت

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في السابعة عشرة من العمر، منذ فترة نحو شهرين وبسبب الضغوط الكثيرة التي مررت بها منذ الصغر والضغط الدراسي الحالي، إضافة إلى مسؤولياتي الكثيرة من الاهتمام بإخوتي وأمي أصابتني حالة ذعر شديدة ليلاً، وأحسست عندها بأنني سأموت وأصابتني دوخة ورعب شديد، فانطلقت أصلي وأقرأ القرآن، وتأكدت بأن الله سيأخذ روحي ليلتها، لم أستطع النوم واستمرت حالتي تلك لمدة أسبوعين، دون أن أخبر أحداً إلا أن أمي لاحظت بسبب انفجاري بالبكاء فجأة بدون سبب!

عندما ذهبت إلى الطبيب أخبرني بأنه مجرد ضغط، وأعطاني دواءً مهدئاً سيخفف تشنج أعصابي، وارتحت على الدواء جيداً إلا أنه بعد أيام أصابني مغص في أمعائي، وإمساك وإسهال وغازات كثيرة، فبحثت على الإنترنت ووجدت أنه سرطان قولون، فأصابني ذعر شديد وتدهورت نفسيتي أنام ليلاً وأستيقظ على فترات متفاوتة فتعود وساوس السرطان.

ذهبنا إلى طبيب آخر فقام بفحص إيكو، وأكد بأن المشكلة نفسية، وأعطاني أدوية أعصاب أخرى فارتحت عليها، والآن أحس ببعض آلام في الظهر والرقبة، وأحيانا غصة في الحلق تأتي وتختفي مع صداع نصفي، وأخاف أن يكون سرطاناً، والآن هاجس السرطان لا يفارقني، خاصة وأن أبي وجدتي توفيا به، رحمهما الله.

لم أعد أستطع التركيز على دراستي، بل لم أعد أرى لها أي فائدة، فأنا أظن أنني سأموت قريباً، حتى قربي من ربي أحسه يتلاشى، فبعد أن كنت أصلي بكل خشوع وأترقب وقت الصلاة صرت أخافه فهو يذكرني بالموت والمرض وأن الله غاضب مني فأنا لست محجبة، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أريج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

الحالة التي أتتك قبل شهرين هي نوبة هرع – أو ما يُسمَّى بنوبات الفزع والهلع – وهو نوع من القلق النفسي الحادّ والشديد، يحس الإنسان فعلاً بضيق وتوتر وشعور كأن الموت سيأتيه في لحظته، والشعور بالدوخة أيضًا هو أحد الأعراض المصاحبة لنوبات الهرع.

إذًا الحالة واضحة جدًّا، الأمر – أيتها الفاضلة الكريمة – لا علاقة له بالموت تمامًا، الموت ليس بيد الإنسان، الإنسان لا يعلم متى سيكون أجله، والإنسان يجب أن يكون مطمئنًا وقنوعًا بأن الآجال بيد الله، وأن الخوف من الموت لا يقدمه ولا يؤخّره، وأن الخوف من الموت لا فرار منه، {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}، وأنه إذا جاء الأجل فلا تأخُّرهم ساعة ولا تستقدمهم أخرى، والخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان شيئًا ولا ينقص من عمره، {وما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمِّرٍ ولا يُنقصُ من عُمُرِهِ إلَّا في كتاب}.

أرجو أن تزيدي قناعتك بأن هذا الأمر كله قلق نفسي ومخاوف نفسية ولا أكثر من ذلك، حتى السرطان وغيرُه من الأمراض – أيتها الفاضلة الكريمة – هي ابتلاءات، ولا تؤثر بنفسها، ولا تُقدِّمُ في أجل الإنسان ولا تؤخِّره، إنما هي أسباب إذا جاء أجل الإنسان بها أو بدونها، وكما يقال: (تعددت الأسباب والموت واحد)، فهي ابتلاءات لمن كتبها الله عليه، وأنت لا علاقة لك بهذا الأمر أبدًا، اسألي الله تعالى أن يحفظك، وقولي: (اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجُذام والبرص، ومن سيء الأسقام)، واسأليه أن يجعلك في صحة جيدة.

احرصي على أذكار الصباح والمساء فهي مطمئنة، بعضها من قالها في الصباح لا يضرُّه شيء حتى يمسي، ومن قالها في المساء لا يضرُّه شيء حتى يُصبح، وآية الكرسي عند النوم حافظة حتى يُصبح الإنسان، ومن ذلك (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)، ومنها (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)، ومنها (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).

احرصي على أذكار النوم وأذكار الاستيقاظ، وأذكار الصباح والمساء، وحافظي على صلاتك في وقتها، وعيشي حياة صحية، فالحياة الصحية مطلوبة:

أولاً: أن تنامي ليلاً نومًا مبكِّرًا، أن تمارسي الرياضة، تحرصي على صلواتك في وقتها، يكون لك ورد قرآني يومي، تحرصي في دراستك جدًّا، لأن العلم نور، والعلم هو أعظم سلاح يقتنيه الإنسان، كوني بارَّةً بوالديك، شاركي في أعمال المنزل، تواصلي مع صديقاتك، رفّهي عن نفسك بما هو طيب وجميل ... وهكذا الحياة، وهذه هي الوسيلة بل الوسائل والطرق التي تصرف انتباهك تمامًا عن هذه الأعراض.

تمارين الاسترخاء أيضًا وجدناها مهمة جدًّا، وذات فائدة كبيرة، فإن وجدت أحدًا يُدرِّبك على هذه التمارين أخصائي نفسي مثلاً، هذا سوف يكون جيدًا، وإن لم تجدي يمكنك أن تطّلعي على أحد البرامج الموجودة على اليوتيوب والتي توضح كيفية ممارسة تمارين الشهيق والزفير المتدرج والمنضبط، وكذلك تمارين شد مجموعات من العضلات وقبضها ثم إرخائها، مع التأمُّل والتدبُّر، وما يُسمَّى بالاستغراق الذهني.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أعتقد أن الدواء أيضًا سوف يساعدك، لكن العلاجات الرئيسية هي التي ذكرتها لك. من أفضل الأدوية الجيدة والمفيدة عقار يُسمَّى تجاريًا (سبرالكس) واسمه العلمي (استالوبرام)، ربما يكون وصفه لك الطبيب أو أعطاك دواءً آخر مماثلًا مثل الـ (زولفت) مثلاً.

أنت لست في حاجة لأدوية كثيرة، دواء واحد لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر، سوف يكفي تمامًا، مع أهمية التطبيقات الإرشادية السلوكية التي ذكرتها لك، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً