الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لست مرتاحة في زواجي، وأشعر بأني قد تسرعت في قراري!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 26 سنة، متزوجة من شاب يكبرني بسنة واحدة، كان يحبني كثيرا وأنا كذلك، كنت شديدة التفكير به، لا أستطيع أن أشعر بالسعادة إلا عندما أفكر به، وأحيانا أتناسى وجود الناس من حولي الذين يحبونني جدا وأفكر به، لكن لم يحدث بيننا أي كلام أو أي شيء فقط مشاعر بدون البوح.

الآن نحن متزوجان لكن كانت تحدث الكثير من المشاكل فترة خطبتنا، بدأت أشعر أنني تسرعت في قراري، وأنني بالغت في حبي له على الرغم من أنه شخص جيد وحنون جدا لكنني أشعر بضعفه، أشعر بأن شخصيته ضعيفة جداً على الرغم من أنه يتحمل المسؤولية لكنني لا أستطيع أن أشعر بقوته!

استمرت الخلافات بعد زواجنا خلافات على أتفه الأسباب، كان دائما يتهمني بأنني متمردة وأنني أريد أن أفرض رأيي عليه، زواجنا يقترب من سنته الثانية وأنا مازلت في صراع مع نفسي، أريد أن يحبني أن يهتم بي أكثر، وهو لا يقصر فعلا لكنني غير راضية، أريده دائما معي وفي نفس الوقت أفكر بالطلاق منه؛ لأنني لست مرتاحة أبدا، لا أشعر معه بالراحة، لا أشعر أنه يفهمني والكثير من المشاكل حصلت بيننا ووصلت إلى تدخل الأهل بيننا، يمنعني من العمل ومن الخروج من المنزل، وأنا أشعر بأنني بلا هدف بلا أي شيء، أعترف أنني أخطأت في حقه كثيرا أثناء خلافاتنا وكنت أصرخ وأرفع صوتي، لكنني الآن أفضل بكثير، ومع ذلك لست مرتاحة معه، أود الهروب من كل هذه المشاكل التي بيننا، وأود أن أشعر بقيمتي في هذه الحياة، أشعر بالندم لأنني تسرعت بزواجي منه!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نُرحب بك أجمل ترحيب.

هدّئي من روعك -ابنتي الحبيبة-؛ فأنت ما زلت في بداية الحياة الزوجية والتي تحتاج منك إلى تفهم وصبر ووعي كبير لتحافظي على علاقتك بزوجك، وعليك أن تعلمي أنّ طريقة التعبير عن الحبّ تختلف بين الرجل والمرأة، كما أنَّ طريقة التفكير والنظرة إلى الأمور تختلف اختلافًا جذريًا بينهما، وهذا كله بسبب الفطرة التي جُبل عليها الرجل والمرأة.

عزيزتي هديل: مما لا شك فيه أنَّ الفتاة عندما تتزوج تتوقع أن تجد فارس أحلامها كما رسمته بخيالها إلا أنَّ الواقع يختلف، ومن هنا تبدأ معاناة الفتاة وتضيع بأفكارها وأسئلتها التي لا تجد جوابًا ومبررًا لما يحصل في حياتها الزوجية؛ لذلك أنصحك أن تبدئي بقراءة الأنماط الشخصية لتساعدك في تحديد الطريقة المناسبة لمعاملتك مع زوجك، بالإضافة إلى الكتب التي تتحدث عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، ولا مانع من أن تثقفي نفسك جنسيًا لتفهمي احتياجاتك العاطفية، كما أنصحك بالاطلاع على بعض الكتب التي تتحدث عن فنّ التَّعامل مع الزوج والحلول البديلة لمشاكل أولى خمس سنوات من الزواج، ومما يسهّل عليك هذه الأمور أنك فتاة لديك قدر عالي من الوعي والفهم، وكل هذه المواضيع تعطيك ذخرًا من المعلومات التي تساعدك على رؤية الأمور بطريقة مختلفة، وتعينك على إيجاد الحلول الصحيحة.

من الطبيعي أنَّ المرأة تمتلك العواطف الجياشة أكثر من الرجل؛ فالاختلاف من الناحية البيولوجية بينهما واضح، ولكل واحد منهما وظيفة في الحياة، فالمرأة تحمل وتلد وتُرضع وتربي وهي مصدر الحنان، بينما الرجل فُطر على الخشونة والقوة العضلية، وهذا كله من أجل توفير الأمان لزوجته وبيته وتأمين النفقة وكل ما يلزم زوجته.

فكيف لك أنت أن تقللي من شأنه أو أن تقولي: " وأود أن أشعر بقيمتي في هذه الحياة"، هو يسعى إلى تأمين ما يلزمك والمحافظة عليك والاستحواذ على قلبك بطريقته الخاصة.

وهل تشعر المرأة بقيمتها فقط عند خروجها من المنزل؟!!

لا تدعي الشيطان يسيطر على فكرك ونفسك وينغص حياتك، وأبعدي عنك فكرة الطلاق، بل ركزي على الأمور الإيجابية في حياتك، وارضي بما قسم الله لك، واشكريه على ما أنعم عليك من نعم من زوج وصحة؛ حتى تدوم النعمة في بيتك.

هذه الأمور لا تستحق منك أن تتوقفي عندها وتنكدي على نفسك وزوجك، وتدخلي حياتك في نفق النكد الذي يؤدي بك إلى الهلاك ثم إلى خراب مملكتك الزوجية، وتخسري زوجك؛ وكل هذا بسبب وساوس الشيطان الذي استطاع أن يقنعك بهذه الأمور ليسعد بما أوصلك إليه.

كيف يكون حالك لو زوجك تعامل معك بنفس الطريقة؟ هل تتقبلين منه أن يحاسبك أو يتصرف معك بنفس الطريقة؟ أنا هنا أطرح عليك هذه الأسئلة وأطلب منك قلب الأدوار؛ لعلك ترين المشكلة من زاوية أخرى وتتضح لك الصورة أكثر.

تخلصي من هذه الأفكار السلبية، واستبدليها بالأمور الإيجابية، فكلما خطرت على بالك فكرة سوداوية بدليها بفكرة مشرقة تسعد قلبك، أي قولي لنفسك: "أنا سعيدة، أنا راضية، وأحب زوجي وهو يحبني، ويجب أن أقوم بواجبي الشرعي معه وأن أسعده... إلخ".

لا تطلبي من زوجك أن يعترف لك أنّه يحبك، بل أعطيه فرصة وبعض الوقت وهو بدوره سوف يعبر لك عن مشاعره وبالطريقة والوقت الذي هو يراه مناسبًا، فلا تفرضي عليه الاعتراف بمشاعره وعواطفه حتى لا يجاملك بها، وهذا ما لا تريدينه، أليس كذلك -عروسنا الغالية-!

نظمي حياتك مع زوجك، وأعطي كل ذي حق حقه، كما قال لنا رسولنا الأكرم: "إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا"، فلا تجعلي شغلك الشاغل في التفكير بعدد المرات التي يقول لك فيها زوجك (أحبك) ولا تنتظري منه الجلوس على كرسي الاعتراف ليقول لك (لا أستطيع العيش بدونك... إلخ) فهذه الضغوطات تعكر صفو الحياة الزوجية؛ مما يؤدي إلى اهتزاز الثقة بين الزوجين أو إحداث شرخ بالعلاقة الزوجية ثم الجفاء العاطفي.

بالنسبة إلى قولك: "أريد أن يحبني أن يهتم بي أكثر وهو لا يقصر فعلا لكنني غير راضية)، أقول لك: أنت بحاجة إلى تعزيز مستوى الثقة لديك؛ وهذا يعتمد على حبك لذاتك ورضاك عن نفسك، والرضى بما أنعم الله عليك من نعم، فالحياة تحتاج إلى المرونة في التفكير، والتعامل مع المستجدات بروح الصبر، فكل ما تفعلينه وتقولينه يعبر عن مدى ثقتك بنفسك، فكوني زوجة مميزة واثقة من حب زوجها لها، وأشعري زوجك أنك تثقين بكلامه، واكسبي قلبه، وتقربي منه، وكوني الصديقة التي تستمع وتتفهم زوجها، وتقترح عليه الحلول الذكية عند مواجهة أي مشكلة، فالزوجة هي مصدر الطاقة الإيجابية، والأنثى التي تمتلك الجاذبية.

اجعلي من بيتك المكان المريح نفسيًا لك ولزوجك، وعطري حياتك بالاحترام والمودة، واهتمي بصحتك وبصحة زوجك، واطهي الطعام المحبب لكما، وتحدثي مع زوجك تارة، واستمعي له تارة أخرى؛ فالصمت يعبر عن الحب والراحة النفسية.

وإذا أخذت وعملت بهذه النصائح تأكدي أنك ستصلين إلى كل ما تريدنه من زوجك من عمل أو خروج من المنزل.

وثّقي علاقتك بالله -عزّ وجل-، وحافظي على أداء الصلوات الخمسة، أشغلي روحك بما يرضى الله -عز وجل-، والزمي الصلاة وكوني قوية وواثقة بالله -عز وجل-، وأكثري من الدعاء، واسأليه أن يثبتك ويبعد عنك وساوس الشيطان اللعين، وأن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك على الطاعة والإيمان وعمل الخير، والله سميع مجيب دعوة الداع إذا دعاه.

ولا تنس تلاوة القرآن الكريم؛ فهو يهدئ النفوس، ويبعد عنك وساوس الشيطان اللعين، وأكثري من الدعاء لك ولزوجك؛ ليطمئن قلبك، ويُفرج الرحمن كربك: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

وأخيرًا أقول لك: أن تفتحي صفحة جديدة مع زوجك خالية من "النكد"، وتؤسسي لحياة زوجية تغمرها المودة والرحمة والسكينة التي أودعها الله -عز وجل- بين الأزواج لنجاح الحياة الزوجية، حيث قال لنا في كتابه الحكيم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

أسأل الله العزيز الرحمن أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك على الإيمان والرضى والحبّ يا هديل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً