الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتعامل مع والدي الظالم؟

السؤال

السلام عليكم

أنا بنت لي ثلاثة إخوة ذكور، حظيت بأم طيبة متدينة صالحة صابرة، مدة زواجها تفوق 32 عاما، مرت في هم وغم ومشاكل.

هذا المخلوق طاغي ظالم لم يسلم منه لا أب ولا أم ولا إخوة ولا جيران ولا زملاء، حياته جلها قضاها في القمار والعلاقات مع النساء والذكور، ينقل صديقا سكرانا، يقبض رشوة، يغتاب جارة، يشتمنا، يضربنا، يحرمنا المال، يصاحب الشواذ، ظل طوال حياته قاطعا لرحمه أمه وإخوته، لم يحضر جنازة والده، حباه الله بالصحة والمال مما زاده جبروتا وظلما.

الدتي مريضة بالسرطان، حرمها من مصاريف العلاج، واتهمها في شرفها، والطامة الكبرى أنه طعن في نسب إبنه الكبير ذو الثلاثين عاما، منذ ما يفوق السنة لا نتكلم معه، دعوت بموته لكن دون جدوى.

سؤالي: أنا وإخوتي والوالدة في حالة نفسية منهارة، واليأس تمكن منا، وحالتنا المادية لا تسمح لنا بالانتقال من هذا المسكن وإلا كنا هجرناه.

أرجو أن تقولوا لنا كلمة طيبة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Assia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يتوب على والدك ويهديه ويقيه شرور نفسه، ونسأل الله تعالى أن يأجرك ويأجر أُمَّك وإخوانك وأخواتك على الصبر وتحمُّل كل هذا العناء والظلم الذي وقع من هذا الوالد.

ممَّا لا شك فيه أن هذا الوالد - إذا كان بالوصف الذي ذكرتِ – فإنه ظالم لنفسه وظالمٌ لكم جميعًا، ولكن هذا الظلم الذي وقع فيه هذا الوالد لا يجوز أبدًا أن يُنسيكم أنه والدكم، وإذا كان هو قد قصَّر وضيّع حقوقكم وقطع رحمكم فإن الواجب عليكم أنتم أن تقوموا بما أوجب الله تعالى عليكم، وكلٌ سيحاسبه ربُّه وسيقف كلُّ واحدٍ مِنَّا أمام أعماله فيوفِّيه الله تعالى جزائه، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

والله تعالى في كتابه الكريم قد أوصى الولد ببرِّ الوالد والإحسان إليه وإنِ اشتدَّ ظُلم هذا الوالد، فقد قال الله سبحانه في سورة لقمان: {وإنْ جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، فأمر سبحانه بمصاحبة الوالدين بالمعروف مع مجاهدتهما للولد ليكفر بالله تعالى فيكون من أصحاب النار المخلَّدين فيها، وليس بعد هذا إساءة.

لهذا ننصحكم بأن تقوموا بحقِّ أبيكم من حيث الصلة والسلام عليه، والسؤال عن حاله، وينبغي أن تُكثروا من الدعاء له بالهداية، ونحن نتفهّم مشاعر السخط التي تعيشونها والشعور بالظلم الذي وقع عليكم منه، ولكن الأنفع لكم وله بلا شك هو التواصل والسلام، فلعلَّ هذا الأسلوب يُجدي وينفع.

لكن مع هذا كُلِّه يجوز لكم أن تقتصروا على التواصل الذي لا يُوقعكم في الضرر والمشقة، فإذا كانت مقابلته وزيارته تتسبَّب لكم في إيذاءٍ وضررٍ فيمكن أن تقتصروا على الاتصال ونحوه، وبهذا تكونون قد أدَّيتم ما عليكم وبرئت ذمتكم من المساءلة أمام الله تعالى عن قطع الرحم وعقوق الوالد وعدم القيام بحقه، وفي كثير من الأحيان تكون المعاملة بالحسنى سببًا أكيدًا في رجوع الظالم عن ظُلمه، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم}، فهذا مع العدو، فكيف مع القريب، فكيف مع الوالد؟

لا شك – أيتها البنت الكريمة – أن صبركم هذا الذي مضى لن يضيع، فإن الله تعالى لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، ومظالمكم هذه لا تُنسى، فإن الله تعالى لا يغيب عنه شيء.

مع هذا إذا سامحتم هذا الوالد وتغلَّبتم على أنفسكم، ورأيتم أن في مسامحته ودوام التواصل معه ما يفتح لصفحة جديدةٍ من العلاقة والتعامل معه؛ فهذا أنفع لكم وأفضل.

نسأل الله تعالى أن يُصلح والدك، وأن يُصلح أحوالكم كلَّها.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً