الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يوجد علاج للرهاب الاجتماعي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري ٢٠ سنة، أعاني منذ الصغر من رهاب اجتماعي، أخاف مواجهة الناس، والتواصل معهم بكل الطرق، وحينما أضطر لمواجهتهم أشعر بخوف، وقلق شديد، وخفقان، وتعرق، واحمرار، ورجفة شديدة، وعدم تركيز، وصعوبة شديدة في التكلم، ودوار، ويصبح صوتي منخفضا جدا، وهذا سبب لي اكتئابا، لم أعد أخرج من المنزل، ولم أعد أتكلم مع أحد خوفا من الناس وخوفا من القلق والرجفة والأعراض التي تنتابني أمامهم، لا أجد سبباً لأخاف منهم، لكن كانت أعراضا لا إرادية، حاولت التغلب عليها ولم أستطع. 

أخاف أن أتكلم أمامهم لأن صوتي ناعم وطفولي ودائما ما يعلقون عليه ويسخرون مني، فأصبحت لا أحب أن أتكلم  لكيلا يسخروا منه. 

لم أعد أخرج من المنزل، وإن خرجت لا أكلم أحدا بالخارج ولا أجرؤ على الخروج بمفردي،  ولا أملك أصدقاء، وقد تركت المدرسة حين أصبحت في الثانوية خوفاً من الاختلاط بالناس.

دائما ما حاولت القضاء على هذا الخوف، ولكن لم أستطع مما جعلني أفقد الثقة بنفسي تماما ويئست من وضعي؛ لأن حياتي متوقفة بسبب الرهاب، لذلك أصبحت  دائما ما أفكر بالانتحار لأتخلص من كل هذا، ولكن لعلمي بأنه حرام دائما ما حاولت إبعاده عن تفكيري ولكنه لا يبتعد! 

لا أريد أن أطيل أكثر لذلك سؤالي: هل يوجد علاج لذلك؟ لأني كنت قد فقدت الأمل، وأشكركم جزيل الشكر على جهودكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تقبّل الله طاعاتكم وكل عامٍ وأنتم بخير.

لديك درجة بسيطة إلى متوسطة من قلق الرهاب أو قلق المخاوف، وجلَّه يتكوّن ممَّا يُعرف بالرهاب الاجتماعي، وكما تفضلت: حالتك مكتسبة منذ الصغر، فالرهاب ليس مرضًا يُولد به الإنسان، نعم العوامل البيئية وكذلك العوامل الوراثية قد تلعب دورًا، لكن في نهاية الأمر هو يُعتبر مرضًا مكتسبًا – أي متعلَّمًا – والشيء المكتسب أو المتعلَّم يمكن أن يُفقد من خلال التعلُّم المضاد.

هذه هي الحقيقة العلمية المهمَّة جدًّا، والتي تُلخِّص لنا موضوع الرهاب الاجتماعي من حيث السبب والعوامل التي قد تكون مُسبِّبة لهذا الرهاب.

كل الأعراض التي ذكرتها هي أعراض رهاب اجتماعي، وأنا أريد أن أوضح لك شيئًا مهمًّا جدًّا كخطوة علاجية أساسية، وهي أن كل الأفكار التي تراودك فيما يتعلق باحمرار الوجه والخفقان والخوف وأن صوتك منخفض وينتهي بك الأمر على أن تتجنبي مواجهة الآخرين للدرجة التي لا تخرجين من المنزل؛ هذه كلها مفاهيم خاطئة، لا أحد يُراقبك، ولا أحد يُلاحظ عليك أي شيء، والأعراض الفسيولوجية الجسدية هذه ناتجة من إفراز مادة تُسمَّى (أدرينالين) تُفرز في جسم الإنسان حين يكون قلقًا أو متوترًا، وأنا أؤكد لك أنك لن تفقدين السيطرة على الموقف، وأن لا أحد يسخر منك.

فأرجو أن تُصححي مفاهيمك، وهذا مهمٌّ جدًّا من الناحية العلاجية.

الأمر الآخر: العلاج الأساسي يتمثل في المواجهة، لأن التجنُّب والابتعاد يزيد من هذا الخوف، وقد ينتهي الأمر بالإنسان أن يكون سجينًا في منزله. فإذًا المواجهة، أن تخرجي للناس، وتقابلي الناس، أن تذهبي إلى المدرسة مرة أخرى، أن تتواصلي اجتماعيًّا، أن تتواصلي مع صديقاتك، ويا حبذا إذا ذهبت إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن مثلاً؛ لأن درجة التفاعل الاجتماعي الإيجابي كبيرة جدًّا في مثل هذه المراكز.

لابد أن يكون لديك برنامج يومي لما نسميه بالتعريض والتعرض، يعني: أن تخرجي، أن تتفاعلي مع الآخرين مهما كانت المشاعر، وبالتدريج وتلقائيًا سوف يتقلَّص القلق، سوف ينقص كثيرًا إلى أن ينتهي تمامًا، وكذلك الخوف.

أيضًا مطلوب منك أن تمارسي تمارين الاسترخاء - تمارين التنفس التدرُّجي، وتمارين شد العضلات وقبضها – تمارين فاعلة جدًّا لعلاج الرهاب الاجتماعي وما يُصاحبه من قلق شديد. توجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة وتطبيق تمارين الاسترخاء.

الحديث عن الانتحار حقيقة أمر مؤسف جدًّا ومؤلم. لماذا يلجأ الشباب في مثل عمرك ووضعك للتحدث عن الانتحار نسبةً لما يُعانونه من أعراض؟! هذا أمر لا يتطلب أبدًا أن ينهي الإنسان حياته عنوة، الحياة ليست رخيصة بهذا الشكل، وهذا أمرٌ محرم، خسران الدنيا والآخرة معًا، مآل إلى جهنم والعياذ بالله تعالى.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو ألَّا تفكري بهذه الكيفية، الحياة طيبة، ويجب أن تعيشيها بقوة وأمل ورجاء.

أيضًا أنت محتاجة لأحد الأدوية التي تعالج الخوف الاجتماعي، عقار (سيبرالكس) والذي يُسمَّى علميًا (اسيتالوبرام) سيكون دواءً مناسبًا جدًّا بالنسبة لك، تبدئي بجرعة خمسة مليجرام – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – تتناوليها لمدة عشرة أيام، ثم اجعلي الجرعة عشرة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين، ثم خفضيها إلى عشرة مليجرام يوميًا لمدة شهرين آخرين، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء، وهو أحد الأدوية السليمة والفعالة جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً