الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب المستمر وتقلب المزاج وعدم التفاؤل بالحياة

السؤال

إلى الطبيب المحترم! بعد قراءتي للنصوص الموجودة أعجبت بالأجوبة على أسئلة الزملاء، وإني أطلب منك أن تعطيني الإجابة الشافية لمشكلة زوجي ألا وهي:

حالة الاكتئاب المستمرة عنده واليأس وعدم حبه للحياة، ودائماً يتمنى الموت لكي يتخلص من مشاكل الحياة، ودائماً أسأله عن الأسباب التي تؤدي به إلى هذه الحالات ولكن بالخلاصة قد فهمت أن الحالة المادية هي السبب الواحد والوحيد لهذه المشاكل، مع أنني في كل الوقت دائماً أكون له المرشدة بأن المال ليس هو السبب الوحيد لسعادة الإنسان، ويجب أن ينظر إلى الحياة بنظرة متفائلة وبسعادة لجوانب أخرى في الحياة التي تلهيه عن هذه الأفكار السوداوية.

أحاول أن أساعده في الابتعاد عن هذه الأفكار عن طريق زيارة الأصدقاء والجو المرح في البيت والاقتراب منه وعدم الابتعاد عنه لئلا يكون وحيداً ومنطوياً، فكنت أشعر دائماً أنه في هذه اللحظات لا يستمتع بهذا الجو ولا يحب أن نقترب منه في هذه الأوقات، مع أنه إنسان متقلب، أحياناً يحب المرح ولكن الحزن يطغى عليه أكثر الأوقات، وهو يشعر وكأنه عالة على هذا البيت في هذه الأوقات، وكان كل تركيز البيت يكون نحوه لجعله مرحاً ومبتسماً، لكنه يخشى هذه المواقف جداً.

كنت أخاف جداً من الأحداث التي أسمعها عن بعض الأشخاص ضعاف النفوس الذين يلجئون في هذه الحالات إلى الانتحار أو الهروب أو حالات غريبة أخرى، لربما كنت قد أخطأت الفهم أن الحالة المادية هي التي تؤثر عليه لا أعرف، ولكن ربما يخفي أشياء لم نقدر أن نفهمها أبداً.

علماً بأنه إنسان بيتوتي من الدرجة الأولى، ويفضل جو البيت والبقاء في المنزل أكثر من التواجد مع الأصدقاء، فلعلي مخطئة في تشخيص الحالة أنها المادية، ولربما هذه حجة لكي يهرب من واقع آخر.

هو يشعر أنه مقصر من ناحيتنا بالرغم من أننا نملك كل شيء؛ لأنه لم يبق شيء إلا وأعطانا إياه، لكنه لا يملك حس الفكاهة في أغلب الأوقات، لذلك يشعر بالخجل أو الانكماش والانطواء ويفضل البقاء مشاهدا لنا على الانفعال معنا وفي حالات نادرة هو الذي يفعل هذه الأجواء السارة ويكون هو المبادر.

هنالك ميزة أخرى به أنه ينوي في قلبه الجيد، ولكن أحياناً تنقلب هذه الأشياء من طيبة قلبه وبساطته أحياناً؛ لأنه يستصعب التعامل مع هذا المجتمع المتلون فينقلب عليه هذا بالسوء.

أغلبية الرجال في المجتمع الذي نعيش به حياتهم روتينيه عادية من العمل إلى البيت ومن البيت إلى العمل، ولكن بالنسبة لزوجي فإنه إنسان يكره الروتين وقليل الاستقرار، له مهنة عظيمة؛ مهندس معماري، ولكن يدخل في تشعبات في أعمال أخرى: مثل هوايات نجارة وزراعة وفلاحة الأرض والسفر المتنقل دائماً.

أشعر بأنه يهرب من عمله وبما أنه معروف ومحبوب من قبل زبائنه، إنني أشعر أنه لا يجد نفسه بهذه المهنة، أجده تارة تركيزه ينصب في مهنته وتارة يهرب إلى مهنة أخرى لا علاقة لها بعمله، هو يشعر أنه يفشل بهذه المهنة لا ييأس بل على العكس ينتقل لأخرى وأجد انتقاد الناس له في هذه المهن المتغيرة.

أنا مقهورة جداً عليه، لأني أحب أن أراه في مهنة واحدة متفوقاً بها فقط لا غير، وحتى لو فشل بالمهنة وعرف الجميع أنه فشل بهذا فإنه لا يقبل الاعتراف إنما يحاول جاهدا حتى لو سهر الليل إثبات أنه لم يفشل أبداً، ولكن أغلبية الأوقات أجد بها الفشل ولكن أشعر بتعاسته دون إظهار السبب.

في كل عمل له إنني أقدم له استشارة وأرشده دائماً بطيبة قلب ومن دافع حب لكي أرشده على الطريق الصواب وحرصي كذلك على ماله لأنه في بعض الأحيان كانت هذه المهن بحاجة إلى مصاريف كبيرة، ولكن للأسف هو يرى بانتقادي المتكرر له الذي حقاً لم أقصد به شيئاً سوى تعديل أفكاره لتغيير مجرى حياته وإرجاعها إلى الصواب، لكنه يرى أن هذه الإرشادات هي من دافع الحد من أفكاره وإنجازاته التي يحب أن يعملها، على فكرة هو إنسان لا يقبل النصيحة بأي شكل من الأشكال، وكان يشعر عند فشله لأنني أشمت به، لأنني كنت أقول له إنني قد نصحتك أن لا تقدم على هذه الأشياء.

إنني اليوم أعيش معه منذ 18 عاماً وكل حياتي معه كانت تحديات له ليثبت لي وللمجتمع بأن أفكاره صحيحة وأفكار المجتمع غير صحيحة، ولكن في بعض الأحيان تكون حقاً أفكاره جيدة، ولكن يكون بها خسارة مادية التي في كل مرة تؤخرنا إلى الوراء خطوات عدة.

أرجو منك أيها الطبيب أن تعطيني النصيحة حتى أستطيع أن أتعامل معه بطريقة صحيحة؛ لأنني بالنهاية أريد أن يكون زوجي بأسعد حال وأن يتخلص من هذه الكآبة والحزن الذي يراوده بين حين وأخر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ندين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

جزاك الله خيراً على سؤالك، واهتمامك بأمر زوجك.

أستطيع أن أستخلص من رسالتك أن زوجك يُعاني من درجةٍ متوسطة من الاكتئاب النفسي، مصحوبة ببعض سمات تقلب المزاج، وحقيقةً لقد قمتِ بجهد مقدر، فأنت تحاولين دائماً مساعدته ومساندته وتأهيله، ولكن نسبةً لحساسيته وكذلك انطباق الاكتئاب عليه يجد أنه من الصعوبة أن يقبل النصيحة والتوجيه.

هنالك نوع من العلاج النفسي السلوكي يُساعد في مثل الحالات التي يُعاني منها زوجك، وبالتأكيد أنت قمِتِ بممارسة هذا العلاج بصورةٍ أو بأخرى حسب ما ورد في رسالتك.

يتلخص العلاج المعرفي في أن يسعى الإنسان لتغيير واستبدال كل أفكاره السلبية نحو نفسه ونحو العالم الخارجي ونحو رؤيته للمستقبل، يستبدل هذه الأفكار بما يقابلها من أفكارٍ إيجابية، بشرط أن يأخذ الأمر بجدية وتمعّن ويحاول أن يطبق ما هو إيجابي.

أرى أن الاكتئاب قد أنسى زوجك الكثير من الإيجابيات والأشياء الجميلة في حياته، وأرجو أن يكون التذكير له بإيجابياته هو منهج العلاج السلوكي، فهو رجلٌ مقتدر ومتعلم، ويعمل مهندساً، وهذه نعمٌ من الله وفضل من الله كثير، وهو والحمد لله متزوج ولديكم أسرة، وهذا أيضاً فضلٌ كبير من الله تعالى.

كما أن لديه القدرة للتنافس في المجتمع، وذلك من خلال مهاراته العلمية والمهنية، فهذه كلها إيجابيات يجب أن يُذكر بها بصورةٍ فعالة وقوية دون التركيز على سلبياته، خاصةً تقلب أفكاره وعدم استقراره في بعض الأحيان.

يمكنك أن تضعي كل سلبياته أمامك، ثم تبحثي في الفكرة المضادة -أي الفكرة الإيجابية- وتناقشيها معه، هذه العملية يجب أن تكون عملية مستمرة؛ حتى يستطيع أن يعيد صياغة أفكاره بصورةٍ إيجابية .

من الضروري جداً أن تتحيني الفرص التي يكون فيها مزاجه أفضل، وبنفس المستوى يجب أن تتيحي له الفرصة كي يناقشك فيما يراه عنك أنت من إيجابيات وسلبيات، فهذا الحوار سوف يعطيه الشعور بالاعتبار ويعطيه الثقة في نفسه، هذا جانب.

الجانب الآخر وهو العلاج الدوائي، وأرجو أن أوضح أنه أصبح من المؤكد الآن أن كل حالات الاكتئاب النفسي أو معظمها هي في الحقيقة ناتجة عن أسباب بايلوجية، تتلخص في بعض الاضطرابات الكيميائية البسيطة في بعض المواد التي توجد بالمخ، والتي تُعرف باسم المرسلات أو الموصلات العصبية، والمواد التي تمت دراستها هي مادة النور أدرانلين، والسيروتينين، ولذا أصبح هنالك دوراً فعالاً ومؤثراً ومعتبراً للأدوية المضادة للاكتئاب، ونستطيع أن نقول الآن أن 70-80% من مرضى الاكتئاب يمكنهم العلاج أو الاستفادة من هذه الأدوية بصورةٍ فعالة.

الشيء الذي أود أن أحتم عليه أن زوجك يُعاني من سمات الاكتئاب البايلوجي، ومن الواضح أن شخصيته جعلته أكثر استعداداً من غيره للإصابة بالاكتئاب النفسي، ولا نقول أن الظروف المادية أو الظروف الحياتية هي العامل الأكبر، ولكن قطعاً لا نستطيع أن نتجاهلها كعامل مساعد أو مهيأ للإصابة بالاكتئاب.

أود أن أنصح زوجك بتناول بعض الأدوية المثبتة للمزاج والمزيلة للاكتئاب، والدواء الذي أود أن أنصح به يُعرف باسم تجرتول، أرجو أن يبدأ زوجك في تناوله بمعدل حبة واحدة (200 مليجرام) ليلاً لمدة أسبوعين، ثم يرفعها إلى حبة صباح ومساء، ويستمر عليها لمدة تسعة أشهر، ثم يخفضها بعد ذلك إلى حبةٍ ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك يمكنه أن يتوقف عنها، وهنالك علاج مصاحب آخر لا بد أن يبدأ به مع التجرتول، وهذا العلاج يُعرف باسم بروزاك، وجرعة البداية هي كبسولة واحدة يومياً بعد الأكل، يمكن أن تؤخذ نهاراً أو ليلاً، ويستمر عليها لمدة شهر، ثم يرفع الجرعة إلى كبسولتين ويستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك يخفضها إلى كبسولةٍ واحدة لمدة ستة أشهرٍ أخرى، بعد ذلك يمكنه التوقف عنها .

هذه الأدوية من فضل الله تعالى أدوية فعالة وسليمة وغير إدمانية أو تعودية، ولا تحمل آثاراً جانبية شديدة أو مضرة.

أسأل الله تعالى لزوجك الشفاء، ولكما حياة زوجية سعيدة .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • zamene

    شكرا على النصيحة فهي مفيدة للجميع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً