الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني التفريق بين الحب الحقيقي والإعجاب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب جامعي في سنتي قبل الأخيرة، عمري 22 سنة، سؤالي أعتقد بأنه سؤال يراود جميع الشباب في هذه المرحلة، لكني أريد رأي الجهات المختصة فيه.

السؤال الذي أود طرحه يدور حول علاقات الحب في الجامعة، وكيفية تمييز الحقيقي منها من الزائف؟ أو كما يمكن القول -الشهواني-.

كثيرا ما أشاهد زملاء أكبر مني بفارق بسيط قد تخرجوا وارتبطوا بفتيات كانت تجمع بينهم علاقة حب خلال سنوات الدراسة، والأمر نفسه ينطبق على أبناء دفعتي الآن الذين أرى عددًا كبيرًا منهم قد ارتبط بفتاة بالفعل، وينوي التقدم لها بعد التخرج.

سؤالي: لكوني شخصًا دائمًا أفضل تغليب العقل على القلب، وكثيرًا ما كنت أعجب بفتيات من أجل الجمال الخارجي، أو لصفة معينة فيها، ولكن سرعان ما ألاحظ أنني قد نسيتها بعد فترة قليلة، أو حتى بعد قضاء شهوتي بالعادة السرية مثلاً، وهذا أعتقد أنه دليل قوي بأن الحب لم يكن حقيقيا، فكيف يمكنني التفريق بين الحب الحقيقي والحب الزائف، والذي قد يكون لشهوة أو شيء كهذا؟

كيف أفرق حتى لا أسمح لفتاة أن تدخل قلبي واكتشف لاحقا بعد أن تعلقت بها أن الحب لم يكن حقيقيا فعلا.

باختصار شديد ما هي المعايير التي يمكن للشاب الحكم بناء عليها أنه فعلا يحب هذه الفتاة؟ ويقبل أن يكمل حياته معها، ولا يمل منها بعد فترة بسيطة؟

وشكرا جزيلا لجهودكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل-، وشكرًا لك على هذا السؤال الرائع العميق، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُغنينا بحلاله عن حرامه، وأن يضع في طريقك الفتاة الصالحة التي تُعينك على النجاح والسعادة والاستقرار وعلى نيل رضوان الله تبارك وتعالى والفوز بالآخرة.

أرجو أن تعلم أن ما يحصلُ بين الشباب والفتيات هو في الأصل إعجاب، وهذا الإعجاب الفرق بينه وبين الحب كبير، لأن الإعجاب مجرد إعجاب بالظاهر، لكن الحب الحقيقي هو الذي يتعلق بالصفات، والصفات لا تُعرفُ بهذه الطريقة المذكورة، فكلُّ إنسان يُظهِرُ للناس أجمل ما فيه، ويخرجُ للناس بأجمل ما عنده من ثياب، ويُكلِّم الناس بأحسن ما عنده من ألفاظ.

ونحب أن نؤكد أيضًا أن الحب الحقيقي الحلال هو الذي يبدأ بالرباط الشرعي، ليس الذي يسبق الرباط الشرعي، هو الذي يبدأ بالرباط الشرعي، كأن يبدأ - مثلاً - إذا وجد في نفسه ميلاً للفتاة، يطرُقُ باب أهلها، يسأل عنها، تسأل عنه، تتعرَّف أسرتُه على أسرتها، لأن الزواج ليس مجرد علاقة بين شاب وفتاة، لكنَّها علاقة بين بيتين وأسرتين وقبيلتين، وسيكون ها هنا أعمام وعمَّات، وسيكون في الطرف الثاني أخوالٌ وخالات.

وعليه فالحب الحلال المستقر هو الذي يبدأ أولاً بالرباط الشرعي، ويزداد بعد ذلك بالتعاون على البر والتقوى، ومعرفة الصفات الجميلة التي بنى عليها، وأوَّلُها الدِّين، وبعد ذلك كلَّما عرفَ صفةً جميلة - فيه أو فيها - زادتْ أواصر المحبّة بينهم.

وهذا الذي يحدث من الطُّلاب في الجامعات من علاقات واختلاط وتجاوزات خصمٌ على سعادتهم المستقبلية، ونحن نحب أن نؤكد أن أي شاب يبدأ علاقات قبل الزواج - علاقات خارج الأُطر الشرعية - حتى لو حصل الزواج، فإن الحياة تبدأ بشيخوخة مبكّرة، وتبدأ بالفتور، وتبدأ بالشكوك، وتبدأ بسوء الظن، وقلَّ أن يستقرّ ويستمر، إلَّا أن يكون فعلاً بينهما توبة صادقة ورجوع إلى الله تبارك وتعالى، ومعلومٌ أن البدايات الخاطئة لا يمكن أن تُوصل إلى نتائج صحيحة، فكيف إذا كانت البدايات فيها مخالفات شرعية؟! ..

ولذلك الإنسان قد يُعجب بأي فتاة رآها، وهذا مجرد إعجاب، وهذا الإعجاب أعمى، لأنه لا يدري هل هي متزوجة؟ هل هي مرتبطة؟ هل يمكن أن يتزوجها؟ هل أهلها سيقبلون به؟ هل أهله سيرفضون؟ هل يمكن أن يصل إليها؟ هل القوانين تسمح؟ هل جنسيته تتوافق مع مَن يريد الارتباط بها؟ يعني: هناك إشكالات كبيرة جدًّا قد تحول دون إكمال هذا الإعجاب ليكون بعد ذلك حُبًّا.

ونحن نُعيد التذكير بأن الحب الحقيقي هو الذي يبدأ بالرباط الشرعي، ويبدأ بالمجيء للبيوت من أبوابها، وهذا هو الذي يستمر ويصمد أمام صعوبات الحياة، وما سواه حبٌّ زائف، وقد يستمر بعضهم، يستمروا طبعًا لأنهم ورّطوا أنفسهم بارتباطات، وحصلت منهم تجاوزات، يريدوا أن يُغطُّوا عليها، وأيضًا قد يكون فعلاً هو راغب في الزواج لكن هذا التجاوز الشرعي يجعل الحياة تبدو باهتة، وتبدأ - كما قلنا - بشيخوخة مبكّرة، سُرعان ما يملُّ منها، وتَملُّ منه، وسُرعان ما تبدأ المقارنات مع تلك الحياة التي كانت مكشوفة ومفتوحة.

وفعلاً تقديم العقل مطلوب، يعني: الإنسان العاطفة مهمّة عنده عندما يختار، لكن بعد ذلك العقل لابد أن يتقدّم؛ لأن الحياة الزوجية تقوم على أسس واضحة وقواعد ثابتة، وهذه لا تنفع فيها العواطف، فنسأل الله أن يُعينك على الخير، وأن يُعينك على حبٍّ حلالٍ يبدأ بطاعة الله، ويبدأ بالمجيء للبيوت من أبوابها، وأن يضع في طريقك فتاة تُسعدك وتُسعدها، وتكونُ عونًا لك على الطاعة، وتُعينها على رضا الله.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً