الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرفت إلى شاب عن طريق النت ونرغب في الزواج.. ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بداية أريد إخباركم بأنني راسلتكم من قبل بخصوص سؤالي الذي سأعيد طرحه عليكم من جديد، ولكن للأسف لم أحصل على أي إجابة بالرغم من إعطائكم لي رقم السؤال، ولكن للأسف حتى الآن لم أحصل على إجابة؛ ولأني لا أجد حولي من أثق في رأيه ولأنكم أهل للثقة فأنا أريد استشارتكم، وأسأل الله أن أجد لديكم النصح بإذن الله.

أنا فتاة أعمل في وظيفة محترمة والحمد لله، متدينة ألتزم بأمور ديني، وأسعى جاهدة لإرضاء الله، منذ صغري وأنا أرفض الارتباط إلا ممن سوف يكون زوجاً لي في المستقبل، وكان في البداية يهمني جداً أخلاق الشاب، أما الآن والحمد لله ولأني اقتربت من الله أكثر والحمد لله فقد أصبح تفكيري في الارتباط من منظور شرعي، وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه) فالاختلاط عندما عرفت أنه حرام ابتعدت عنه إلا في الحدود الضيقة، وابتعدت عن كل ما يغضب الله والحمد لله.

كنت أستعمل النت في أوقات فراغي، وأستغل ذلك في الدخول إلى المواقع الإسلامية لأستفيد منها ما ينقصني من تعاليم، كنت أيضاً أستعمل الماسنجر، ولكن فقط بيني وبين أصدقائي ولكنني والحمد لله توقفت عن استعمال هذه الوسيلة، وفي يوم دخلت إلى موقع للزواج ، ولكني لم أشترك فيه، ولكن دخلت والله يعلم أن نيتي كانت البحث عن شخص ملتزم دينياً، وفعلاً وجدت ما أبحث عنه عندما راسلت رجلاً كتب عن نفسه أنه ملتزم ويبحث عن الزوجة الصالحة، فأرسلت إليه، وفي اليوم التالي وجدت منه إجابة عرفني عن نفسه، وعرفته عن نفسي عن طريق الماسنجر، وإن سألتموني لماذا الماسنجر؟ لأنه كان الوسيلة الوحيدة للتحدث؛ لأنه مقيم في بلد أوروبي، ولكن الله يعلم أن أحاديثنا لم تتخط حدود الأدب والحمد لله؛ لأننا نخشى الله، وأن أهم شيء عندنا طاعته، ولأننا نريد الله أن يبارك لنا، حاولنا أن نستشير عدة مشايخ عن طريق الكثير من المواقع ومن بينها هذا الموقع إلا أنه حتى الآن لم يرد علينا أحد وكان هذا فقط منذ أسبوعين تقريباً.

هذا الشاب إنسان ملتزم، وعلى خلق، وهو يرغب في خطبتي من أهلي، وهو من طلب أن نتوقف عن الحديث عن الماسنجر ريثما يتكلم مع أهله، وعندما يحدث ذلك سيبلغني بالأمر؛ لأنه يخاف الله كثيراً، ومن يخف الله تأنس له ولا تخافه.

سؤالي لحضرتكم كان: هل ترون أن نتوقف عن استعمال الماسنجر إلى أن يكون بيننا موضوع رسمي. أي: عقد القران؟

كما أنني أدعو الله في صلاتي أن يجعل هذا الشخص أن يكون زوجي؛ لما رأيته فيه من خلق ودين، ولأنني زدت تقرباً إلى الله بمساعدته وبفضل من الله، فهل دعائي هذا صحيح؟ وهل شعوري بالحب تجاه هذا الشخص ورغبتي في أن أكون الزوجة الصالحة لهذا الرجل حرام؟ أعينوني أعانكم الله؛ لأنني أخشى الله وأحب أن أنال رضاه ورضا والدي عني.

وأحب أن أخبركم أنني صليت صلاة الاستخارة ووجدت أنني مرتاحة لهذا الشخص وهو كذلك، كما لا يفوتني أن أخبركم أننا قررنا إخبار أهلنا أن الطريقة التي تعارفنا بها عن طريق عائلة، لأننا لا نستطيع إخبارهم أننا تعارفنا على النت كي لا يحدث صعوبات وعراقيل، فهل هذا من الخطأ، وإن كان كذلك فهل من طريقة أخرى؟

سدد الله خطاكم، وجعلكم ذخراً لهذا الدين.

أرجوكم أعينوني وأريحوا قلبي وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وأن يرزقك الزوج الصالح، وأن يبلغك المنى والمناجح، وأن يجعل التوفيق والسداد حليفاً لنا جميعاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الصواب أن تتوقف هذه العلاقة حتى تصبح شرعية ورسمية وتخرج إلى أرض الواقع، وشكراً لك على الحرص على صلاة الاستخارة، وهي طلب الدلالة على الخير ممن يعلم الغيب سبحانه.

والإسلام دينٌ عظيم يصون الأعراض، ويسد منافذ الشر، فلا يعترف بالعلاقة بين المرأة والرجل الأجنبي؛ لأن الشيطان هو الواسطة، إلا وفق الضوابط الشرعية وعند الرغبة الحقيقية في الرباط الشرعي، فإذا تمت الموافقة الأولية فلا يجوز للخاطب أن يخلو بالفتاة أو يتكلم معها إلا في حضور أحد محارمها؛ لأن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج فقط، وفي ذلك صيانة للفتاة بالدرجة الأولى، فبعض الشباب والعياذ بالله ذئب "وطبع الحَمَل أن يخشى الذئاب" لا هم له إلا أن يقضي الوقت ويتسلى، وقد يتعرف على الفتاة إلى غيرها، والمشاعر غالباً ما تكون مغلفة بالمجاملات، فإذا شعر الفتى بأن الفتاة متدينة ركب موجة الدين وصور نفسه كأحد العباد الصالحين، وإذا وجدها فتاة متمردة على القيم ركب موجة التمرد والتحلل، وهذا ما تفعله كذلك بعض الفتيات (والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، فإذا كان هذا الشاب الذي تعرفت عليه ورعاً يخاف الله فليس في الدنيا أفضل منه، ولكن لكل دعوى برهان ودليل، فأرجو أن تبحثي عن أشياء تدل على صدق تلك الدعاوى، وإذا تيقنت من صلاحه وتقواه فلا مانع من التوجه إلى الله بل والإلحاح في السؤال من أجل أن يجعله الله من نصيبك.

ولكني أنصحك أن تعمري قلبك بحب الله وطاعته واتباع رسوله، وأن يكون حب الناس بعد ذلك تبعاً لمنهج الله، وأرجو عدم التوسع في مشاعر الحب إلا بعد الرباط الشرعي، فقد لا يتيسر الزواج وعندها سوف يتضرر هذا القلب الذي انشغل بأمرٍ لا يمكن من إدراكه، فأرجو أن تكون لغة العقل هي الغالبة في هذه المرحلة، واعلمي أن الحب الحقيقي يبدأ بعد الرباط الشرعي، وذلك هو الحب الذي يصمد أمام أزمات الحياة، وتزيده الأيام قوة وثباتاً، بخلاف الحب الذي يسبق الرباط الشرعي فهو معصية، ولكل مخالفة لأمر الله ورسوله شؤمها، (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) [النور:63].

ومن الثمار المرة لذلك: التوسع في المشاعر، الفتور في الحب بعد الزواج، والشكوك التي تملأ النفوس، فإن الشيطان يقول للرجل: لقد اعتادت الحديث للرجال فما المانع أن تكون لها علاقات بآخرين؟ ويأتي للمرأة فيقول لها: هذا الرجل الذي كلمك وأنت أجنبية ربما كانت له علاقات بنساء أخريات، وهنا تثور العواطف وتبدأ المشاكل .

ورغم أن المراسلات بينكما كانت نظيفة إلا أن استمرارها فيه خطورة، وهكذا تبدأ دائماً العلاقات حتى تصل إلى أمور لا تحمد عقباها، وهذا شأن الشيطان الذي يأخذ الإنسان إلى المعاصي خطوة خطوة، ولذلك كان التعبير القرآني العظيم (( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ))[البقرة:168]، ونهانا الله عن الانخداع بتزيين الشيطان الذي يجمل المعاصي وهي قبيحة؛ حتى يوقع الإنسان فيها ثم يتبرأ من الإنسان (( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ)) [الأنفال:48].

وهذه المعرفة غير كافية، بل لابد من معرفة مباشرة، وحبذا لو حصلت الرؤية الشرعية، ثم بعد ذلك لابد من التعرف على أحوال هذا الرجل، والاطلاع على أخبار أسرته وعلاقته بوالديه، ومصادر رزقه وجديته في حياته، وسوف يعينك على هذا إخوانك وأرحامك، وهم أحرص الناس على مصلحة الفتاة، وهنا تتجلى عظمة هذه الشريعة التي تريد لدور الولي أن يظهر في مسالة الزواج، فالرجال أعرف بالرجال، ومن حق ذلك الرجل أيضاً أن يتثبت ويطمئن أيضاً، وأنت يا ابنتي تتفقي معنا أن مجرد ادعاء الصلاح غير كاف:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أهلها أدعياء

والإنسان أحياناً يرتاح لكلام الإنسان وتعجبه ظرافته، ولكن عند رؤيته تتغير تلك المشاعر: وما سمي القلب قلباً إلا من تقلبه.

وقد تتعمق المشاعر أكثر وأكثر، ولأن الزواج رحلة طويلة وشاقة، وتتخللها الجراح والأفراح، وقد تمتد في الصلاح لتشمل الدنيا والآخرة، كان لابد من معرفة حقيقية، ويظهر أنكما غير مقتنعين بإعلان طريقة التعارف لأنكما تشعران أنها غير كافية، فإذا استقر رأي هذا الرجل على الزواج منك فعليه أن يأتي البيوت من أبوابها، ومهما كانت الرحلة شاقة فهي دليل على صدق الرغبة وحسن النية، وهذا مهر يضاف إلى مهر الزوجية، والإسلام أراد للمرأة أن تكون مطلوبة لا طالبة؛ ليحفظ لها كرامتها، وليدلل الرجل بتعبه ونفقته على صدق الرغبة وصحة العزم على المسئولية.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً