الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر كأنني في حلم، والعالم من حولي مجرد خيال.

السؤال

السلام عليكم

أريد أن أسأل: لدي حالة وهي عدم تقبل فكرة وجود الموت، ولدي حنين شديد للماضي وأفكار غريبة، فمثلا عندما أكون جالسة مع عائلتي أنظر إليهم، وأشعر بالحسرة على تلك اللحظة لأنها ستصبح مجرد ذكرى وسنموت في يوم ما، ولن يتذكرنا أي شخص عبر الأزمان.

كما أن لدي أعراضا جسمية مثل الدوار، الغثيان، ضيق شديد كأن روحي تخرج، قشعريرة، وارتعاش.

أصبحت أشعر كأنني في حلم، والعالم من حولي مجرد خيال أو عالم افتراضي، حتى كدت أصاب بالجنون، مع العلم منذ طفولتي وأنا أفكر كثيرا في المستقبل، وأسأل أسئلة غيبية وغريبة تؤدي بي إلى الشرك بالله.

وحتى أنني في المدرسة أبقى أنظر إلى أصدقائي ومن حولي، وأفكر أنها ستصبح مجرد ذكرى عبر الأزمان، ولن يتذكر أحد أننا كنا موجودين في هذا العالم.

لذلك أرجو قراءة رسالتي في أقرب وقت، والإجابة عليها لأنني سأجن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aisha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يصرف عنك كل مكروه.

وثانيًا: أحسنت في أنك توجّهت إلى جهة الاختصاص للاستشارة فيما من شأنه أن ينفعك للتخلص من هذه الحالة التي تعيشينها، وسيرشدك الطبيب المختص -بإذن الله تعالى- إلى ما يُعينك على التخلص منها، والله تعالى (ما أنزل داءً إلَّا وأنزل له دواءً) كما أخبر بذلك رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأمرنا أن نأخذ بالأسباب للتداوي، فقال: (تداووا عباد الله).

ولكننا من الناحية الشرعية نُذكّرُك بأن الإنسان المسلم إذا سلك طريقه التي تُوصله إلى الله تعالى فإن عدوَّه الشيطان له بالمرصاد، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلِّها)، وهو قد أخبر عن نفسه بذلك كما حكانا الله تعالى عنه في القرآن الكريم، حين قال: {ثم لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}، فهو إذًا حريص كل الحرص على صرف هذا الإنسان من أن يسلك الطريق إلى الله -سبحانه وتعالى-.

ولكن يجب على الإنسان المسلم أن يتفطّن لهذا وأن يتنبّه له، وألَّا يدع فرصة للشيطان ليصرفه عن أعماله التي يتقرَّبُ بها إلى الله، ولا يدع له فرصة أيضًا ليُدخل الحُزن إلى قلبه، والسبيل إلى ذلك كلِّه اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والإكثار من ذكره، فإن الإنسان إذا ذكر الله خنس الشيطان وهرب، كما ورد بذلك الأحاديث ودلّ على ذلك كتاب الله تعالى.

فنصيحتُنا لك أن تُكثري من ذكر الله تعالى، وتداومي على الأذكار الموزّعة على أجزاء اليوم والليلة، كأذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ ونحو ذلك.

كما ننصحك أيضًا باستعمال الرقية الشرعية فإنها تنفع ممَّا نزل بالإنسان وممَّا لم ينزل به، وأمرُها سهلٌ يسير، أن تقرئي أنت في شيء من الماء، تقرئي الفاتحة، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، والمعوذات {قل هو الله أحد}، و{قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس}، ثم تبصقي بصقًا خفيفًا -يعني تُخرجي الهواء من فمك بعد قراءة هذه الآيات مصحوبة بشيء من الريق- ثم تغتسلين بهذا الماء، وتشربين منه إن شئت، فإن هذه الرقية تنفعُك بإن الله تعالى، سواء كان بك شيءٌ من المرض أو لا.

وذكر الموت -أيتها البنت الكريمة- إذا كان مُحفّزًا للإنسان نحو الإنجاز واستغلال الوقت، وإدراك أن هذه الحياة قصيرة، وأن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، ومن ثمَّ ينبغي للإنسان أن يستعدّ ويجتهد في استغلال عمره ووقته بما ينفعه بعد الموت؛ هذا التذكُّر للموت تذكُّرٍ حسن، أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به، فقال: (اذكروا هادم اللذَّات).

أمَّا إذا كان تذكُّر الموت قاطعًا وشاغلاً للإنسان عن مصالحه الأخروية والدنيوية، مُورثًا له أنواع من الأحزان والأكدار، فإن هذا ممَّا ينبغي أن يصرف الإنسان نفسه عنه، وليست ظاهرة صحيّة، بل ينبغي للإنسان أن يداوي نفسه بما ذكرنا من الرقية الشرعية ومن طلب الدواء أخذًا بالأسباب والتوجُّه إلى ذوي الاختصاص من أهل الطب.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، ونسأله تعالى أن يتولى أمرك، ويُعينك على ما فيه صلاحك وخيرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ: أحمد الفودعي، مستشار الشئون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك الصحة والعافية.

عدم تقبُّل فكرة الموت أحيانًا يكون مصاحبًا بوساوس وشعورٍ بالتغرُّب عن الذات، وأنت قد عبّرتِ عن ذلك بوضوح في رسالتك، حيث ذكرت أنك تحسّي كأنك في حلم، وأن العالَم حولك كأنه خيال. هذا عرض مهم، وهو من صميم الشعور بالتغرُّب عن الذات أو ما يُعرف باضطراب الأنّية، وقد تنتاب الإنسان من خلال هذه الحالة أيضًا نوعًا من الوساوس المختلفة.

فكرة عدم قبول فكرة الموت: هذه أيضًا من طبيعة بعض الناس، العالِم النفسي المشهور (سيغموند فرويد Sigmund Freud) يقول: "الإنسان يؤمن بموت غيره لكن لا يُؤمن بموته"، قد تكون هنالك مبالغة في هذا القول، لكن إلى حدٍّ كبيرٍ أيضًا قد ينطبق على بعض الناس.

أنا متأكد أنك مقتنعة بحقيقة الموت، وأن الموت حقيقة، وفي ذات الوقت يجب أن نؤمن أن الأعمار بيد الله، {إنك ميت وإنهم ميتون}، {كل نفسٍ ذائقة الموت}، هذا أمر جازم، ولا حوار حوله، ولا نقاش حوله، هكذا يجب أن يكون الفهم.

أنت حقيقة محتاجة لعلاج دوائي، لأن اضطرابات الأنية مع وجود الوسوسة تستجيب بصورة ممتازة جدًّا للأدوية المضادة للوساوس، ويا حبذا لو ذهبت وقابلت طبيب نفسي، ونسبةً لعمرك يجب أن يكون وصف الدواء عن طريق الدواء. من أفضل الأدوية التي تُساعد في علاج حالتك العقار الذي يُسمَّى (فافرين) أو العقار الذي يُسمَّى (سيبرالكس)، كلاهما من الأدوية الفاعلة والطيبة والغير إدمانية وغير التعودية، والتي لا تؤثر على الهرمونات النسائية.

ومن جانبك طبعًا يجب أن تحقّري هذه الأفكار، وألَّا تعطيها أي فرصة، أن تتجاهليها تمامًا، وأن تلجئي إلى ما نسميه بـ (صرف الانتباه) بمعنى أن الفكرة حين تأتيك انتقلي مباشرة لفكرة أخرى تكون أكثر نفعًا وأكثر واقعية. صرف الانتباه أحد الحيل السلوكية الممتازة جدًّا.

وتمرين آخر هو ما نسميه (العلاج بالتنفير)، أن تربطي هذه الفكرة الوسواسية السخيفة بشيءٍ منفّر، مثلاً تقومي بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحسّين بالألم، وفي ذات الوقت تتصوري هذه الأفكار الوسواسية: عدم تقبُّل فكرة الموت، أو خلافه، أو العالَم حولك متغيّر. فتُكرري عملية الضرب، أي إيقاع الألم على النفس واستجلاب الفكرة الوسواسية في ذات، هذا التمرين يُكرر بمعدل عشرين مرة متتالية، بمعدل مرتين في اليوم.

علماء السلوك وجدوا أن التفاعلات المتنافرة -أي الفكرة الوسواسية وإيقاع الألم على النفس- لا بد أن يضعف أحدها الثاني، فإذًا إيقاع الألم على النفس سوف يُضعف الوسوسة والتفكير غير المنطقي.

هذه التمارين يجب أن تُطبق بجدّية، وأن تكوني في مكان هادئ.

أنت أيضًا محتاجة لتتدربي على تمارين الاسترخاء، تمارين الشهيق والزفير بقوة وتدرُّج، وكذلك تمارين قبض العضلات وشدِّها ثم استرخائها، هذه تمارين مفيدة جدًّا، وتوجد برامج ممتازة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء، وفي ذات الوقت يمكنك أيضًا أن تتطلعي على أحد المواقع التي توضح كيفية تطبيق هذه التمارين.

أرجو أن تُحسني إدارة وقتك، لأن الفراغ يأتي بالوسوسة، واستفيدي من وقتك، وأيضًا دائمًا كن جزءًا أصيلاً في أسرتك، وكوني بارَّةً بوالديك، واحرصي على صلواتك في وقتها، ويجب أن تكون لك آمال وطموحاتٍ، وتعيشي الحاضر بقوة والمستقبل بأملٍ ورجاء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً