الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستخارة في اختيار المرأة لزوج لها إذا تقدم لها رجلان.

السؤال

السلام عليكم.

كنت قد تزوجت منذ سنتين من رجل غني وصاحب دين، وقد أحببته لمدة طويلة وتعلق قلبي به بشدة، حتى إني لم أعد أرى الدنيا إلا من خلال هذا الشخص، حتى أني وافقت على الزواج به بعقد شيخ وبدون أن أنجب أولاد؛ لأنه متزوج ولديه ثلاثة أولاد.

مرت أيامي الأولى سعيدة للغاية، ثم بدأت المشاكل وليست مشاكل بالمعنى الصحيح، فقد عانيت من ظروف كثيرة صعبة، في أغلب الأحيان لم أكن أشعر أنه معي، بل كانت هناك أشياء كثيرة تلهيه عني، أما أنا فكنت منشغلة بمرض والدتي المزمن الذي أدى إلى وفاتها منذ سنة، وهنا بدأت المشاكل، بدأت أشعر بالفراغ العاطفي الذي تركته والدتي وبأني وحيدة في هذه الدنيا، وهو أيضاً لا يشعر بي، بدأت أطالبه بالإنجاب وهو يمتنع ويرفض، ولم أتوقف لحظة واحدة عن حبه، إلى أن جاء وقت زادت الضغوط علي، ودخل بعض الأشخاص بيننا بسوء نية وأفسدوا الأمر علينا، وهو أيضاً لا يشعر بي، فأخذت أقرر أن أنفصل عنه، وبعد معاناة شديدة طالبته بالانفصال مرات عديدة بعد رفض متكرر، ووافق بالنهاية.

في هذه الأثناء ظهر شخص في حياتي وهو ليس بغريب ويعلم القصة كاملة، إنه ابن خالتي الذي تعرض لظروف قاسية مع زوجته وتم الطلاق بينهما كذلك، وبينهما طفلان، فعرض علي الزواج فوافقت بعد أن يئست من الدنيا التي خلت من كل من أحب، وقررت الرحيل وترك بلدي، وفعلاً سافرت وتزوجت من ابن خالتي، لكنني لم أقدر أن أعيش معه أبداً، بالرغم من طيب قلبه وأخلاقه وكرمه، لم أستطع أن أعيش معه كزوج؛ لأني بصراحة لم أكن نسيت زوجي الأول الذي هو حبيبي أيضاً، عشت مع ابن خالتي فترة قصيرة جداً ثم حصل الطلاق، كان يحبني جداً ومتمسكاً بي جداً، لكني رفضت أن أخدعه وأعيش معه وأنا لست معه، كان قد عرض علي ابن خالتي فرص شتى للحياة السعيدة، ومنها السفر خارج البلاد للعيش بعيداً، كما أنه تفهم موقفي وقال لي: سأطلقك لكني سأسافر وأنتظر رجوعك إلي، عدت إلى بلدي وعدت إلى وحدتي.

علم زوجي السابق أنني عدت وقد حصل الطلاق، فعاد وعرض علي الزواج لكن بنفس الشروط السابقة لمدة مؤقتة، ولكنه الآن إنسان مختلف عن الذي كنت أعرفه في الماضي، بات حبه قوياً جداً، حتى أني لم أكن أعلم أنه يحبني بهذه القوة، في الحقيقة غيابي عنه قد أشعره بقيمتي عنده، لقد أصبح كريماً جداً، محبا جداً، عطوفاً جداً، مع العلم أنه كان له الدور الكبير في التفاتي إلى الحجاب والصلاة والتمسك بالدين تماماً، والحمد لله أن علاقتي بربي وثيقة.

لكني أنا الآن حائرة بل غارقة في بحر الحيرة، هل أعود لمن أحببت أم أعود لمن جرحته وهو يحبني؟ هل أرضى أن أعيش بتلك الشروط القاسية بدون أولاد أم أذهب إلى الدنيا مع ابن خالتي وإلى الحياة السليمة؟ لكنني أضيف أنني في ضميري أعترف أني آذيت ابن خالتي بزواجي منه وجرحته بشدة لأنه يحبني وأني سوف أؤذي من أحب إذا تركته الآن وغادرت مرةً أخرى، المشكلة أن الاثنين في غاية الطيبة معي، والاثنين يحباني، والاثنين شديدا الكرم وشديدا الحنية وشديدا الخوف علي، والاثنين في حالةٍ مادية ميسورة والحمد لله.

الرجاء أطلب النصح في حياتي كلها، لم أجد للأسف من ينصحني، وكنت أعتقد دائماً أنني أفعل الصواب مخافة غضب الله، ولكني في النهاية أجد أنني لا أحد غيري قام بالغلط، شاكرة التفاتكم لرسالتي، وليبارك الله جهودكم الكريمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ B.s حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، ونعتذر إليك شديد الاعتذار عن تأخر الرد، ونرجو أن تسامحينا على ذلك، وكم يسعدنا أن تتصلي بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لاختيار الأصلح لك في دينك ودنياك، وأن يمتعك بالسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة، وأن يرزقك الذرية الصالحة.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فلا أملك بدايةً إلا أن أقول لك: كان الله في عونك حقاً، فكلا الرجلين يستحق أن تتمسكي به لما فيه من صفات نبيلة وأخلاق جميلة، إلا أنني أفضل أولاً أن تصلي استخارة لعل الله أن يشرح صدرك لترجيح أحدهما على الآخر، وإلا فأنا رأيي الشخصي أن الأول أولى بك؛ نظراً لشدة تعلقك به أكثر من ابن خالتك، والدليل أنك لم تستطيعِي نسيانه وأنت مع ابن خالتك رغم حبه لك وحرصه على إسعادك؛ لأن الميل القلبي ليس بمقدور الإنسان أن يتحكم فيه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وكان يقول أيضاً: (رزقت حب عائشة من السماء)، فمسألة التعلق القلبي خارجة عن سيطرة الإنسان وإرادته، وإنما يُسأل عن التصرفات الناتجة عن تلك المحبة، وأتصور فعلاً أن الأول أفضل، ولا مانع من اشتراطك عليه أن يكون العقد بالطريقة الصحيحة العلنية، وأن يكون بينكما ذرية مثل غيرك من النساء، وبذلك تنتهي مشاكلك ويتم القضاء على الفراغ الذي تعانين منه؛ لأن الأولاد سوف يملئون عليك حياتك بصورة جميلة قد تنسيك تلك اللحظات التي يستولي عليك فيها الفراغ، فإن وافق على ذلك فعلى بركة الله، وإن رفض ذلك فأرى أن ابن خالتك في تلك الحالة أفضل إذا كان سيعطيك كل حقوقك الشرعية والإنسانية كاملة.

وعليك بعد ذلك بالدعاء أن يصرف الله عنك حب الأول وأن يملأ قلبك بحب الثاني، والله جل وعلا قد أمرك بالدعاء ووعدك بالإجابة، ولن يخلف الله وعده.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد واختيار الأفضل لدينك ودنياك، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً