الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموقف من الأخت الطالبة صلة أخواتها بعد قطعها صلة أبيها في حياته

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

أنا الأخت البكر لثمان أخوات، كان أبي قد تزوج في صغره من امرأة وبقي معها 3 أشهر، وحملت هذه المرأة وأنجبت بنتاً، والآن هي بعمر 52 عاماً والكل في بلد واحد، لكن طول عمرها لم تزر أباها، سواء في خير أو شر، سواء في العيد أو عند المرض، وكم من مرة رأيت أبي يبكي عندما يتذكرها.

منذ 10 سنوات توفي أبي رحمه الله، فأتت اليوم تطلب القرب منا ونحن لا نريد هذا؛ لأننا رأينا كيف تعذب أبي منها، ولا نعرف أي حل، فأرجوكم أرشدونا جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Najet حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لهذه الأخت الهداية ولكم السداد والرشاد، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

لا تردوا من جاءت تطلب القرب، بل ينبغي أن تقابلوها بالعفو والحب، وكونوا عوناً لها على طاعة الرب، وشجعوها على كثرة الدعاء للأب، واعلموا أن الله هو قابل التوب، ومرحباً بكم في موقعكم، ومرحباً بأختكم التائبة إلى صوابها، ونسأل الله أن يغفر ذنبها.

لا يخفى عليكم أن تقصيرها في حق والدها لا يبيح لكم التقصير في حقها، فإنما لكم ما كسبتم وعليها ما اكتسبت، (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [فاطر:18]، بل ينبغي أن تشجعوها على التوبة، وأخبروها أنه سبحانه يحب التوابين ويفرح بتوبة التائبين، وتذكروا مقولة يوسف عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه عليه لإخوانه الذين أخطئوا في حقه وفي حق والدهم: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92].

ها هو نبي الله يعقوب يستقبل عودتهم إلى صوابهم بالدعاء لهم، بل بالحرص على اختيار الأوقات الفاضلة للدعاء لهم، وذلك عندما قالوا: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف:98]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ادخر دعوته لأبنائه إلى السحر)، بل هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يعفو عن القتلة الذين طردوه وآذوه وقتلوا أصحابه وأحبابه، وذلك حين قال لهم في يوم فتح مكة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

أرجو أن تعلموا أن إقفال الباب في وجهها سيجعلها تزداد سوءاً، وتضيف إلى تقصيرها في حق الأب تقصيراً في حق الرحم، واعلموا أن صلتها لكم لونٌ من البر بالوالد الذي كان يربطكم بها، وهذه هي صلة الرحم التي لا توصل إلا بها.

إذا كنتم لا تريدون صلتها فأرجوا أن تعلموا أن الله سبحانه يريد أن تصلوها، وأنه سبحانه يقبل توبتها إذا صدقت في رجوعها إليه، فإن الكمال أن يصل الإنسان من قطعه، وأن يعطي من حرمه وأن يعفوا عمن ظلمه، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199].

المسلم يقابل الإساءة بالإحسان، ويؤدي ما عليه، ويسأل الله الذي له، ونحن نتمنى أن تنتصروا على أنفسكم، وتفتحوا صدوركم وقلوبكم وبيوتكم لأختكم العائدة إلى الصواب مهما كانت دوافع تلك العودة، وأرجو كذلك أن تستغفروا الله عن تقصيركم في نصحها وصلتها؛ لأنه كان ينبغي أن يذهب إليها أخواتها وإخوانها ويذكروها بحق الوالد وحقهم.

نسأل الله أن يؤلف بين القلوب وأن يغفر الذنوب.
والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً