الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اعتبار رغبة الفتاة في الزواج من أمر الدنيا والحرص عليها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكركم كثيراً على هذا القسم الرائع في الموقع الإسلامي، وسؤالي هنا كيف يعرف الإنسان إذا كانت الدنيا في قلبه أم لا؟ وما هو الحل لو كان هذا؟ وما هي علامات حب الإنسان للدنيا؟ وكيف نأخذ بالحديث الشريف فيما معناه: (من كانت الدنيا همه فرق الله بينه وبينها، ومن جعل الآخرة كل همه جعل الله غناه في قلبه)؟ وكيف نعمل بهذا في ظل هذه الفتن؟ وهل إذا كانت الفتاة تريد الزواج من زوج صالح هل هذا يعتبر أمراً دنيويا وهنا تكون الدنيا همها؟
مع العلم أنها تحب الله جداً، وأيضاً هل لو أن الفتاة ملتزمة وتزوجت من شاب ليس ملتزما إلى حد ما لكن هو ارتبط بها لأنه يريد أحداً يعينه على طاعة ربه، هل نصيب ومقدر أن نعلم أن الزوج والرزق وشقاء الإنسان أو سعادته يكون مكتوبا من قبل الولادة؟
بالله عليكم أفيدوني فأنا في حيرة!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المحبه لله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن كل شيء بقضاء وقدر ولكن المؤمنة تعمل وتسعى لأنها تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، والمؤمنة تفعل الأسباب ثم تتوكل على الكريم الوهاب ولا يجوز لنا ترك الأسباب، كما لا يجوز الاعتماد عليها؛ لأن الله هو المستعان، ومرحباً بك في موقعك مع الآباء والإخوان، ونسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح المطيع للرحمن، وأن يعمر قلبك بالإيمان.
وأرجو أن تعلمي أن أهل الإيمان يحرصون على أن تكون الدنيا في أيديهم، وليس في قلوبهم، ويدركون أن الزهد الحقيقي هو زهد الواجدين الذين أقبلت عليهم الدنيا لكنها لم تسكن في قلوبهم، وإنما كانت في أيديهم فقدموها فنالوا بها رضوان الله.
وقد جاء رجل إلى مجلس عمر رضي الله عنه وتكلم عن الدنيا فوضعها وحقرها فلما انتهى قام ابن كعب رضي الله عنه فقال: (صدق الرجل فيما قال إلا في حديثه عن الدنيا فإنها مزرعتنا ودارنا التي نعمل فيها ومطيتنا إلى الآخرة فالمؤمنين يعملون للآخرة ولكنهم لا ينسون نصيبهم في الدنيا وعمارتها)، قال تعالى: ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ))[القصص:77]، وإذا أصبح المسلم وهمه الآخرة جمع الله شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، أما من أصبح وهمّه الدنيا شتت الله شمله ولم ينل من الدنيا إلا ما كتب له، ولا يخفى عليك أن الله سبحانه تكفل بالأرزاق وأمرنا بطاعته التي هي غاية إيجادنا قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ))[الذاريات:56-58].
وقال سبحانه: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى))[طه:132]، فقد خلقك الله لعبادته وتكفل الرزاق برزقك فلا تتعبي، وليس على الإنسان إلا فعل الأسباب لأنه يوقن أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ولذلك قال لمريم: ((وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا))[مريم:25].
وأحسن من قال:
ولو شاء ألقى إليها الثمر من غيره ولكن كل شيء له سبب
وليس في طلب المرأة للرجل الصالح ما يدل على حب الدنيا ولكن تقديم العاصي لأجل ماله يدل على ذلك مع ما فيه من مخالفة لتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، وإذا أخذت الدنيا حجمها المناسب وأدركت المؤمنة أنها معبر إلى الآخرة فعملت في الدنيا بطاعة الله أفلحت وسعدت في الدنيا والآخرة.
وقد وجهنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فخذوا ما حل ودعوا ما حرم عليكم)، وعليه فإن طلب الدنيا بغير الحق دليل على حبها، وتقديم الدنيا على المهمة التي خلق الإنسان لأجلها دليل على حب الدنيا، وإذا أصبح الإنسان يعمل للدنيا ويفرح بمجيئها ويحزن لذهابها، وتصالح في سبيلها وتخاصم من أجلها فتلك هي عبادة الدنيا، وتعس عبد الدينار وخادم الدرهم، وصاحب الدنيا تعس وانتكس وفرق كبير بين جعل الدنيا وسيلة، بل اعتبار الدنيا غاية، أهل الإيمان رضوان الله والجنان.
وهذه وصيتي لك بتقوى الله وبالحرص على تقديم صاحب الدين ومصادقة المتدينات، واقبلي بأفضل من يتقدم إليك حتى لو كان حظه من الدنيا قليلاً فإن الدنيا تذهب وتجئ ويعطيها الله لمن يحب ولمن يكره، ولكنه سبحانه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه ورزق ربك خير وأبقى.
ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.
وبالله التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً