الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من مواجهة الجماهير

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي تكمن في أني أعاني من الخوف من مواجهة الجماهير، وأخاف أن أصعد إلى المنصة لأتكلم أمام الجماهير، وإذا حدث ذلك تزداد دقات قلبي وأرتبك ولا أستطيع أن أعبر عما بداخلي وما يدور من أفكار، وكذلك البرامج في التلفزيون لا أستطيع أن أتكلم في البرامج في التلفزيون عن طريق المشاركة بالتليفون، وإذا تحدثت تحدث نفس المشكلة وتزداد دقات قلبي وأرتبك ارتباكاً شديداً، ولا أستطيع أن أعبر عما بداخلي، وأشعر أني أريد أن أهرب بأي طريقة إذا كنت في مواجهة الجماهير أو التحدث في التلفزيون عن طريق التليفون، مع العلم أني أعاني من الحساسية الشديدة في شخصيتي وأنها تكبر معي مع تقدمي في السن، فإذا قال أحد كلمة لم تعجبني أو نقدني أو حدث أي موقف بسيط أحس بالضيق الشديد والارتباك وأشعر بأني أريد الهرب من المكان الذي أنا فيه، فما هي المشكلة التي أعاني منها؟ وما العلاج لهذه المشكلة؟ وإذا كان هناك أدوية لهذه المشكلة فمن فضلكم أريد أدوية ليست باهظة الثمن؟و ما المدة المطلوبة للعلاج؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Karm حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذه الأعراض التي وردت في رسالتك هي من صميم ما يعرف بقلق المخاوف العصابي الاجتماعي، ومن الواضح أن شخصيتك تحمل بعض نواة وسمات القلق في داخلها، وهذا القلق تجسد ويزداد في أوقاتٍ ومواقف معينة خاصة في المواقف الاجتماعية.
القلق هو طاقة نفسية جيدة ومطلوبة وفعّالة ويساعد الإنسان كثيراً في المثابرة والنجاح، ولكن بالطبع حين يزداد عن المعدل المطلوب ربما يكون له بعض النتائج والتبعات السلبية.
الذي أرجوه منك هو أن تتبع الإرشادات التالية:
أولاً: يجب أن أؤكد لك تماماً أنه يوجد نوع من المبالغة أو التجسيم في الأعراض التي تحدث لك، ونحن نعترف تماماً أن هذه الأعراض أعراض القلق، ولكن وجد أن الإنسان الذي يعاني مثل هذه الأعراض يتصور نفسه أنه لن يسيطر على الموقف أو أنه سوف يفشل أمام الآخرين أو أنه مراقب أو مرصود من قبل الناس... وهذا التضخيم وهذا التجسيم يؤدي إلى مزيد من القلق. فأرجو أن تعرف تماماً أن مشاعرك فيها نوع من التضخيم أو من الزيادة، وأنك لن تفشل أمام الآخرين وأنك لن تسقط، صدقني أن ما تتصوره من تلعثم وعدم قدرة على مخاطبة الآخرين فيها أيضاً شيء من الزيادة والتضخيم.
العلاج السلوكي الأساسي هو المواجهة، والمواجهة تعتبر أفضل وسيلة لعلاج المخاوف، فحين يبدأ الإنسان في هذه المواجهة بجدية شديدة سوف يرتفع القلق ويستمر في الارتفاع حتى يصل إلى مرحلة معينة وبمزيد من المواجهة سوف يتوقف القلق عن الارتفاع ثم بعد ذلك يبدأ في الانخفاض الذي يكون سريعاً حتى يرجع الإنسان إلى طبيعته.. هذا بالطبع يتطلب الالتزام والتنفيذ الدقيق للمواجهة.
والمواجهة وعدم التجنب تكون في الخيال وفي التطبيق والواقع، ففي مرحلة الخيال أرجو أن تتخيل نفسك تتحدث في برنامج تلفزيوني هام جدّاً وتصور أنك قد استدعيت لبرنامج هام في أحد القنوات المعروفة وقم بنوع من التجربة والتخاطب الذاتي عمَّا سوف تقوله، عش هذا الواقع الخيالي، هو واقع ولكنه أيضاً خيالي في نفس الوقت، عش هذا الخيال بجدية وقوة وتصور أن ملايين البشر سوف يستمعون إليك، لابد ألا تقل مدة الخيال عن عشرين دقيقة في اليوم... وهكذا انقل نفسك إلى مواقف أخرى، مواقف تأملية كأن تلقي محاضرة على جمع كبير من الناس، ولا مانع أبداً من أن تغلق الغرفة وتضع الكراسي وتقف أمامها وتتصور أنك تخاطب الناس.. فهذا في ظاهره أمر لا يحمل الجدية ولكن في حقيقته هو أمر علاجي جاد جدّاً، وأنا أفضل حتى أن تقوم بتسجيل ما سوف تخاطب به هذه الكراسي التي من المفترض أن يكون بها بعض الناس.
هذا الذي أقوله لك مبني على أسس علمية تامة. وحتى تستمر في هذا التخيل العلاجي عليك أن تتصور أنك تصلي بالناس جماعة في المسجد، وتصور أنك قد كلفت من أبناء الحي بأن تقود وقتاً وتذهب إلى جهة ما... وهكذا. هذه العلاجات السلوكية وهذا الإغمار النفسي يؤدي إن شاء الله إلى إيجابية جدّاً.
انتقل إلى التطبيق العملي بعد ذلك، وأنت الحمد لله لم تتوقف عن المواجهات، استمر في هذه المواجهات، ولكن يجب أن تحقر هذه المشاعر التي تسبب لك الضيق والخفقان والارتباك. قل لنفسك: أنا مثل كل الناس، ملايين البشر يذهبون ويواجهون ويختلطون ويتحدثون ويخاطبون الآخرين فلماذا أنا لا أقوم بذلك.. حقِّر هذه المشاعر الداخلية وقلل من قيمتها ويجب أن تكون مواصلاً، كرر هذا التواصل، فعلى سبيل المثال: قل سوف أزور بعض الأهل والأصدقاء، اذهب إلى ثلاثة أو أربع أماكن مختلفة في نفس اليوم، كرر ذلك أيضاً في اليوم الذي يليه، ثم الذي يليه، وصدقني سوف تجد أن هذه الأعراض – أعراض الخوف والقلق والرهاب وعدم القدرة على المواجهة – بدأت في الاضمحلال حتى تلاشت تماماً.
هنالك الوسائل الأخرى التي نراها مفيدة جدّاً وهي: التواصل الاجتماعي الذي فيه نوع من الترويح عن الذات مثل ممارسة الرياضة الجماعية ككرة القدم مثلاً، أو الانضمام لأحد الجمعيات الخيرية والانخراط في العمل الجماعي أيّاً كان نوعه... هذه كلها مفيدة وجيدة وتؤدي إلى نتائج طيبة جدّاً. أيضاً حضور حلقات التلاوة وتدارس القرآن فيها إن شاء الله رحمة وسكينة وطمأنينة جدّاً وتقوي من المهارات الاجتماعية للإنسان.
الشق الآخر في العلاج هو العلاج الدوائي والذي يوجد منها أدوية تساعد كثيراً، والأدوية المفضلة عقار يعرف باسم زولفت أو لسترال وهو علاج جيد وجرعته هي حبة واحدة (50 مليجراماً) في اليوم، وهنالك علاج يعرف باسم زيروكسات ممتاز وفعّال ويعطى من حبة إلى حبتين في اليوم. ولكن هذه الأدوية ربما تكون مكلفة بعض الشيء، والدواء الغير مكلف هو العقار الذي يعرف باسم طفرانيل، وهو من الأدوية القديمة نسبيّاً ولكنه أيضاً يعالج هذا الخوف والمخاوف، وجرعته هي 25 مليجراماً يوميّاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة بنفس هذا المعدل (25 مليجراماً) كل أسبوعين حتى تصل إلى جرعة 75 مليجراماً، واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها بمعدل 25 مليجراماً كل شهر، ثم توقف عنه.. هذا سوف يساعدك كثيراً.
لا مانع أيضاً أن تبدأ مع الطفرانيل دواء آخر من أجل تدعيم الطفرانيل، وهذا العقار يعرف باسم إندرال وهو لن يكون علاجاً أساسيّاً ولكنه سوف يكون علاجاً مساعداً، تناول هذا الدواء (إندرال) 10 مليجرامات في اليوم لمدة شهر أو شهرين، ثم توقف عنه.
أسأل الله لك الشفاء والعافية، وعليك بالالتزام التام بتطبيق الإرشادات السلوكية السابقة وتأكد أن جميعها قائم على أبحاث علمية موثقة، وكذلك عليك تناول الدواء بالصورة التي ذكرتها لك، ولابد أيضاً من أن تغير خارطة التفكير لديك وتجعلها أكثر إيجابية وقدرة على المواجهة.
وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً