الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس القهرية المتعلقة بالنظافة، وحب الاحتفاظ بالأشياء، وكيفية علاجها، أرجو الإفادة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله في كل القائمين على هذا الموقع الطيب، أما بعد:

المشكلة تتلخص في أن أخي الأكبر (28 عاماً) من صغره وهو يحرص على الاحتفاظ بجميع الأشياء القديمة عديمة الفائدة، مثلاً لعب الأطفال التي كنا نلعب بها عندما كنا صغاراً لا زال يحتفظ بها حتى الآن، وأيضاً كثير من الكتب والأوراق من مرحلة الدراسة يحتفظ بها (علماً بأنها لا تشكل أي أهمية بالنسبة له الآن)، بل حتى قطّارات العين (Eye drops) والأقلام الفارغة.

وعندما يجدني أحاول التخلص منها ينزعج انزعاجاً شديداً ويغضب جداً وربما سبّني أو ضربني.

ولقد سمعت مؤخراً من طبيب نفساني أن هذا السلوك يحدث لبعض مرضى الوسواس القهري.

وبالفعل تذكرت أن أخي منذ فترة طويلة كان يشكو من أن لديه أفكاراً غريبة، مثلاً كان لا بد أن يعود إلى المنزل من نفس الطريق التي ذهب منها، وكان يمكث أحياناً في الحمام أكثر من ثلاث ساعات للاستحمام وعندما نسأله يتهرب من الإجابة.

ولا زال له بعض السلوكيات الغريبة، فهو الآن مثلاً عندما يستحم (يغتسل) لا بد أن يطفئ الإضاءة وأقول له: لماذا لا تفتح المصباح؟ فيقول لي: (إذا فعلت ذلك أتعب تعبا شديداً).

فهل فعلاً أخي مريض بالوسواس القهري (علماً بأنه لا يبالغ في النظافة أو غسل الأيدي)؟

شكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك كثيراً على الاهتمام بأمر أخيك، أيها -الأخ الفاضل-، أقول لك نعم، هذا الذي يعاني منه أخوك هو نوع من الوساوس القهرية، ونسميها الوساوس الطقوسية، والوساوس يمكن أن تكون أفكاراً أو أفعالاً أو مخاوف أو طقوساً أو خيالات، وهكذا.

فأخوك يتبع نمطاً معيناً يبدو غريباً وشإذن، ولكن بالنسبة له يحمل أهمية داخلية بالرغم من إيمانه بسخفه، ربما لا يصرح بذلك، ولكن إذا حاول أن يخرج عن هذه الطقوسية والرتابة والروتين، يحس بقلق شديد، وهذا هو الذي يجعله يتبع ذلك النمط الوسواسي.

أنا أعتقد أن الطريقة المثلى أن يتم نقاش وحوار مبسط مع أخيك، وأن لا يهاجم كثيراً في أفعاله هذه، ولكن يجب أن يشرح له أنها نوع من الوساوس القهرية، وإذا لا يوجد حرج يمكنك أن تعرض عليه هذه الإجابة التي ترد إليك من الشبكة الإسلامية.

الوساوس -أخي الفاضل- يمكن علاجها، ويمكن أن تزول، فقط تتطلب الإصرار والاقتناع بأنها وساوس، ولذا سوف تكون نقطة البداية في علاج أخيك أن يعرف أن هذه الوساوس قهرية، وهي بالطبع ليست نوعا من الجنون، وليست نوعا من الاختلال العقلي، هذا أمر أيضاً ضروري جداً .

بعد ذلك يبدأ العلاج، وهنالك الجانب السلوكي النفسي، والجانب الدوائي.

الجانب السلوكي يتمثل في التخلص ومقاومة هذه العادة، مقاومتها يكون بالتدرج، وحقيقة أرى أن أخاك يحتاج لمن يساعده في هذا التدرج، الأشياء التي يحتفظ بها يمكن التخلص منها واحدة بعد الأخرى، ليس من الضروري أن يتخلص منها جميعاً ويمكن أن تبدءوا بالأشياء البسيطة المتعلقات البسيطة التي ربما لا يحس بانزعاج شديد لها.

وهنالك طريقة؛ وهو أنه حين يؤخذ منه شيء من هذه الأشياء القديمة المتعلقات القديمة يوجد في مكانها شيء آخر يكون ذا فائدة ومنفعة، هذا أيضاً ربما يكون نوعاً من التدرج المقبول، وبالنسبة لسلوكه لطريق معين، يمكن أن يذهب معه أحد الأشخاص من طريق آخر، ويكرر بالطبع هذا عدة مرات، هذا -إن شاء الله- يجعله يتعود نسبياً.

بالنسبة للإكثار من المكوث في الحمام لفترة طويلة، هذا بالطبع يجب أن يناقش فيه، ويجب أن يُخطر أنه لابد أن يقلل الزمن، وأنا أحبذ أن يحدد كمية الماء، يجب أن لا يكون الاستحمام من ماء الماسورة، لا، يضع ماء في إناء كبير، ويعرف أن هذا الماء هو الماء المتاح له فقط، ويحدد الزمن، نقول على سبيل المثال: إذا كان الآن يستحم في ثلاث ساعات نقول له خذ ساعةٍ كاملة، وبعد يومين تخفض إلى 40 دقيقة أو خمسين دقيقة، وهكذا، هذه التمارين السلوكية حقيقة جميلة جداً وفعالة جداً، فقط تتطلب القناعة بجدواها والمواظبة عليها والصبر عليها.

الشق الثاني في العلاج هو الجانب الدوائي، الوساوس القهرية الآن توجد أدوية فعالة جداً لعلاجها، وحقيقة الأدوية تعمل على تغيير بعض المسارات الكيميائية.

يعتقد أنه يوجد نوع من التغير البايلوجي في أماكن معينة في المخ تعرف أحد هذه الأماكن بنواة كوديت، تعتبر هي المركز الرئيسي للتغيرات البايلوجية فيما يخص المسارات العصبية في المخ، ولذا لا بد أن نصحح هذه المسارات البايلوجية.

هذه التغيرات لا يمكن الفحص والتثبت منها أثناء الحياة، فإذن لا تشغل نفسك بأي نوع من الفحوصات بالنسبة لهذا الأخ.

الأدوية المضادة للوساوس معروفة وفعالة ومجربة.

الدواء الأفضل في حالة أخيك هو العقار الذي يعرف باسم فافرين، وجرعته هي 50 مليجرامليلاً ً لمدة أسبوعين ويفضل أن يتناوله بعد الأكل، وبعد أسبوعين ترفع الجرعة إلى 100 مليجرام، ثم بعد شهر من ذلك ترفع الجرعة إلى 200 مليجرام، ويستمر على هذه الجرعة لمدة ثمانية أشهر.

إذا لم يحدث تحسن بعد الشهر الثاني من بداية العلاج يجب أن يضاف دواء آخر يعرف باسم بروزاك، والجرعة هي كبسولة واحدة في اليوم.

إذن تكون الجرعة العلاجية هي: كبسولة واحدة صباحاً من البروزاك، و 200 مليجرام ليلاً من الفافرين.

وهنالك أيضاً من الأطباء من يوصي بدواء آخر مدعم، هذا الدواء يعرف باسم رزبريدون، وجرعته هي واحد مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى 2 مليجرام، يستمر على هذا الدواء لمدة ثلاثة أشهر، ثم يتوقف عنه.

بالنسبة للفافرين يجب أن يكمل المدة المقررة التي ذكرناها، بعد ذلك يبدأ في تخفيض الجرعة بمعدل 50 مليجرام كل شهر حتى يتوقف عنه، وإذا كان أخذ البروزاك مع الفافرين، يستمر على البروزاك لمدة شهر واحد بعد التوقف من الفافرين، ثم يتوقف من تناول البروزاك.

أسأل الله له التوفيق والشفاء والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً