الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لفتاة تعاني الحزن والاكتئاب لمشاكل خاصة وكثرة التكفير فيها

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر (28) عاماً، ولدي مشكلة أعاني منها منذ فترة لكنها ازدادت في الفترة الأخيرة، ومشكلتي هي أنه تنتابني حالة من الحزن والاكتئاب بسبب بعض الظروف التي أمر بها ولا أستطيع تجاوز تلك الظروف ولا أستطيع منع نفسي من التفكير فيها، بل لا أستطيع التصرف تجاهها فهي أمور مفروضة علي ليس بيدي تغييرها.

سيدي الفاضل! لدي الكثير من القدرات والميزات يشهد بذلك المحيطون بي، وشخصيتي محبوبة لدرجة أنه لا عداوة تذكر بيني وبين أي شخص من حولي، فالكل يبادلني التقدير والاحترام، لكن الظروف التي مررت بها جعلتني أميل للانطواء والرغبة في العزلة عن الآخرين حتى عن أهلي؛ لأن لهم يداً في الظروف التي مررت بها فلم أعد أثق فيهم -للأسف- وإن كانوا لا يقصدون إيذائي ولكنهم تسببوا في ذلك.

حاولت الخروج من حزني وعزلتي فلم أجد وسيلة، فحتى صديقاتي المقربات مني -وهن قليلات- يتعذر علي التواصل معهن إلا نادراً، وأحاول أن أشغل نفسي وأشغل تفكيري في أمور مفيدة كالقراءة والعمل في المواقع الجادة في الإنترنت وحفظ القرآن، وأكون بحالة جيدة لفترة ثم ما تلبث نفسيتي أن تعود للتردي، والآن وصلت إلى درجة أني لا أريد رؤية الناس؛ لأني إذا حادثتهم يلاحظون ما علي من اكتئاب وأسبب لهم الضيق بدون قصد ويتهمونني بأني أنكد على نفسي، ويعلم الله أن ذلك خارج عن إرادتي فلا أستطيع التوقف عن التفكير في مشاكلي حتى صارت تحضرني في كل موقف.

لقد أثر هذا الاكتئاب علي كثيراً لدرجة أني أصبت بوهن في جسمي فأشعر بإرهاق شديد لبذل أدنى مجهود، وأقل مرض يجعلني طريحة الفراش لأيام، وقد أصبت أيضاً بمرض في معدتي وأعلم يقيناً أنه بسبب حزني؛ لأن أعراضه تزداد عندما أشعر بالضيق.

سيدي الفاضل! أنا فعلاً أشعر أني بحاجة للذهاب إلى عيادة نفسية لتلقي المساعدة، ولكني متأكدة أن أهلي سيعارضون ذلك، بل سأسمع منهم كلاماً يزيد من حالتي سوءاً، فهم لا يقدرون ما أمر به وكل منهم مشغول بأمره، فماذا أفعل؟ وهل هناك دواء متوافر في الصيدليات أستطيع تناوله ليساعدني؟
أعلم أن تشخيص الدواء بدون مقابلة الطبيب أمر خاطئ، ولكن يعلم الله أنني لن أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي، وحالتي تزداد كل يوم سوء وأحتاج من بعد عون الله إلى أي شيء يساعدني على تخطي ما أمر به دون أن يكون له تأثير سلبي علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن المشكلة التي تعانين منها -وهي كما تفضلت مشكلة خاصة، ولا تودين الخوض فيها- قد أثرت عليك، لكن في نظري أن مثل هذا النوع من المشاكل والتي لا يريد الإنسان أن يفصح عنها، ويرى في ذات الوقت أنها هي السبب الرئيس في اكتئابه وشعوره بالإحباط؛ لابد للإنسان أن يعيد تقييم هذه المشكلة، وكثيراً حين يتضايق الإنسان ويحزن ويكتئب يرى أن المشكلة هي السبب الوحيد الذي أدى إلى ذلك، وتكون نظرته قاتمة ويستسلم ويرى أنه لا توجد أي حلول .

بالطبع هذا التوجه سوف يجعل الإنسان مكبلاً في هذه الحلقة النفسية السلبية، ومن هنا ندعو وأدعوك لإعادة النظر في طبيعة هذه المشكلة، فما هي الدروس المستفادة منها؟ وكيف الخروج منها؟ أو على الأقل محاولة تجميدها بحيث لا تكون سبباً مباشراً في الشعور بالكآبة والإحباط، وليس من المستحيل أبداً أن يبني الإنسان أفكاراً وحتى يقوم بأعمال إيجابية من داخل السلبيات التي يعيش فيها.

إذن: إعادة النظر في المشكلة نفسها في رأيي هي وسيلة من وسائل العلاج المهمة لهذه الحالة الاكتئابية التي تعانين منها، ربما تكون السبل والطرق قد أغلقت أمامك، ولكن في ذات الوقت أرى أن المفهوم السلبي حيال المشكلة ذاتها هو الذي جعلك تفكرين في ذلك، لذا أرجو أن تعيدي النظر، وأرجو أن تبني دفاعات نفسية جديدة، تقوم على الثقة، على التوكل، وعليك أن تستعيني بالدعاء والتصميم لقهر هذه المشكلة وتقليصها، أو على الأقل تجميد المكونات الأساسية فيها، والتي تسبب لك الاكتئاب والإزعاج.

وأنا أتمنى وأنا صادق في ذلك إن شاء الله أنه يمكن للإنسان أن يولد أفكاراً وأفعالاً ومواقف إيجابية من داخل السلبيات نفسها، ويتم ذلك بإعادة النظر في الأمر، وأن تبدلي خارطة التفكير لديك، وأن تسيري في طرق وسبل أخرى تكون مضادة لما أنت فيه الآن.

إذن أيتها الأخت الفاضلة: حاولي، وأنا أعرف تماماً أن الإنسان حين يقع في التفكير السلبي تصبح الأمور أمامه مظلمة، ويضخم ويجسم عجزه في مواجهة المشكلة، إن مجرد التنبه لذلك واستيعابه يساعد الإنسان أن يتجنبه إن شاء الله، فأرجو -أيتها الأخت الفاضلة- وتذكري أنك معلمة ومقتدرة وأنت بالطبع تساهمين في حلول مشاكل الآخرين، فأرجو أن تساهمي وبصورةٍ قائمة على الثقة في حل مشكلتك، يجب ألا تجدي التبرير، ولا تجدي الأعذار، ولا تشعري بالمستحيل، وأنا على ثقة بإذن الله تعالى أنك سوف تنتصرين في نهاية الأمر .

الشيء الآخر: هو أن تسعي لتأهيل نفسك بمزيدٍ من المقدرات وبمزيد من المثابرة، أنت -والحمد لله- جيدة الاطلاع وتواظبين على حفظ القرآن، وعليك أن تجتهدي أيضاً في التواصل مع الآخرين مهما كانت العوائق، هذا إن شاء الله كله يخفف من هذه المشكلة ويخرجك من هذا الاكتئاب بإذن الله تعالى .

يأتي بعد ذلك الدور العلاجي، بما أن الأهل لن يقبلوا ذهابك إلى الطبيب فيمكن الحصول على أحد الأدوية الجيدة والتي تساعدك إن شاء الله في الخروج من حالة الإحباط التي أنت فيها، بالطبع الأدوية المثالية هي مضادات الاكتئاب مثل زولفت، زيروكسات، وسبراليكس، ويعتبر إيفكسر أيضاً دواءً مثالياً خاصة أنك تعانين من الوهن وإرهاق وضعف في الجسم، وأنا لا أعرف الوضع في الصيدليات في الكويت، ولكن الكثير من الدول تسمح بإعطاء هذه الأدوية، عموماً حاولي أن تتحصلي على أحدها، وجرعتها واضحة وبسيطة جداً.

فجرعة الإيفكسير هي 75 مليجراماً يومياً لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 150 مليجراماً وتستمرين عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى 75 مليجراماً يومياً لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك 75 مليجراماً يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفين عن تناوله .

أما بالنسبة للسبراليكس فجرعته هي 10 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم ترفع الجرعة إلى 20 مليجراماً ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى 10 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر ثم تتوقفين عنه.

وكذلك الزيروكسات جرعته هي 10 مليجرام -أي: نصف حبة- ليلاً لمدة أسبوع، ثم ترفع إلى حبة كاملة لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك تخفض إلى نصف حبة لمدة شهر، ثم تتوقفين عنه.

الزولفت أيضاً جرعته هي حبة واحدة 50 مليجراماً ليلاً لمدة شهر، وإذا لم تحسي بالتحسن بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبتين في اليوم، أي: 100 مليجرام لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى حبة واحدة 50 مليجراماً يومياً لمدة شهرين، ثم تتوقفين عنه.

أيتها الأخت المباركة! إذا استحالت الأمور في الحصول على هذه الأدوية فيمكنك أن تستعيني حتى بالطبيب العمومي أو طبيب الأسرة، يمكنه أن يصف لك أحد هذه الأدوية، فكثير من الأطباء على إلمام بها، وهنالك دواء بسيط ذو فعالية ولكنه ليس بالجودة التي تتمتع بها مجموعة الأدوية التي ذكرتها، هذا الدواء يعرف باسم موتيفال، يمكن الحصول عليه بدون أي وصفة طبية فيما أعرف، وجرعة الموتيفال هي واحدة ليلاً لمدة أسبوع، ثم ترفع الجرعة إلى حبة صباحاً ومساء لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة ليلاً لمدة شهرين، ثم تتوقفين عنه، وهذا أيضاً -إن شاء الله- يفيد لدرجة كبيرة إذا استحال الحصول على مجموعة الأدوية الأولى.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وعليك بمزيد من الثقة والتفاؤل.

وبالله التوفيق.
----------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة المستشار/ د. محمد عبد العليم، ولمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية والتي تتناول علاج الاكتئاب والحزن من النواحي الشرعية: (237889 - 241190 - 257425 - 262031 ).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً