الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفي والدي وعليه دين وأنا طالب لا أستطيع سداد دينه!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا اسمي عبد الله، من تشاد، مقيم في ليبيا، توفي أبي في السنة الماضية في العشر الأواخر من شهر رمضان وهو مدين بـ (4000) دينار، وليس لدي هذا المبلغ في الوقت الحاضر، وأنا طالب أدرس ولا أدري ماذا أفعل؟

أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك وأهلاً في موقعك وبين إخوانك وآبائك، ونحن ممتنون لك وشاكرون جداً أن جعلتنا موضع ثقتك، وأن حكيت لنا همك وغمك الذي تعاني منه، وتأكد أخي الفاضل أن الله تعالى لن يضيعك، ولن يتخلى عنك، كيف وهو -سبحانه وتعالى- أرحم بنا من الوالدة بولدها؟!

وتأكد أيضاً -يا أخانا الفاضل- أنه سيأتي يوم ستنسى فيه كل هم وضيق، وكل حزن وكرب، وستصبح الآلام والهموم التي تشعر بها الآن مجرد ذكريات قديمة في زاوية من زوايا الحياة، كيف لا وربنا تعالى يقول: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5-6]. ولن يغلب عسر يسرين.

ونحب في هذه السانحة أن نحييك ونشكرك على اهتمامك بقضاء الدين عن أبيك رحمه الله تعالى، وهذا دليل على برك بأبيك وقيامك بحقه، فلله الحمد والمنة، ونتمنى بجانب سعيك الحميد هذا أن تكثر من الدعاء لوالدك؛ فإنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها: (ولد صالح يدعو له).

ونسأل الله تعالى أن يمن عليك برزق حلال طيب لتقضي به دين أبيك، ويعينك على أمر دينك ودنياك، وأن يكون ذلك عاجلاً غير آجل، إنه سميع قريب، عليم قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ويمكنك أخي الكريم ما دمت عاجزاً عن سداد دين أبيك أن تنظر في أهل الخير ومن عنده القدرة المادية إلى من يعينك في ذلك، أو أن تطلب العفو للدين من صاحب الدين بعد أن تحكي له ظروفك، أو تطلب منه إمهالك لحين توفر المبلغ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وكنا نتمنى -أخي الكريم- لو استطعنا مساعدتك في ذلك، ولكن يؤسفنا أن نقول لك -والألم يعتصر قلوبنا-: إن موقع الشبكة الإسلامية إنما هو موقع دعوي تثقيفي، يختص بأمور العلم الشرعي والثقافة الإسلامية، وليس باستطاعته تقديم مساعدات مادية.

ولكننا وإن عجزنا عن مساعدتك فلن ننساك -إن شاء الله تعالى- من دعائنا، فنرفع أكف الضراعة لله -عز وجل- فنقول: (اللهم أذهب همه واكشف غمه وفرج كربه ونفس ضيقه، اللهم كن له عوناً وعضداً ونصيراً، اللهم كن له حافظاً وكافياً ووكيلاً، اللهم ارزقه العلم النافع، والرزق الحلال الطيب، والعمل الصالح، اللهم اقض عنه الدين وأغنه من الفقر، اللهم آمين. اللهم آمين. اللهم آمين) كما نرجو ألا تنسانا كذلك من صالح دعائك بظهر الغيب.

ولا يخفى على أمثالك أن الشريعة حرصت على قضاء الديون، وشدد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لدرجة أنه ما كان يصلي على من عليه دين حتى يجد في المسلمين من يتكفل بالأداء عنه، فلما وسع الله على المسلمين كان بيت مال المسلمين وسلطانهم يتولون قضاء الديون التي مات أصحابها قبل أدائها.

ولكننا بهذه المناسبة نحب أن ننبه الجميع إلى ضرورة الاهتمام بقضاء الديون قبل حلول الأجل، كما أرجو أن نعوّد أنفسنا الاقتصاد والتدبير فإن التدبير نصف المعيشة.

ولا شك أن الفرق كبير بين من يستدين من أجل الضروريات، وبين من يستدين من أجل الاستثمار وزيادة الأموال حتى لو أوقعه ذلك في أشياء فوق طاقته.

وإذا استدان المسلم الأموال وكانت بنية الأداء أدى الله عنه، ولكن المشكلة في الذي يأخذ أموال الناس وليس في نيته أداء الأموال، وأنت في كل حال مطالب أن تكثر من الدعاء لوالدك، وعليك بحسن الاعتذار لمن استدان منهم، ولو وسع الله عليك فلا تقصر في القيام بواجبك تجاه والدك الذي نسأل الله أن يرحمه رحمةً واسعة.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ونذكر الجميع بأن العفو عن المعسر أجره عظيم، وفي الصحيح قصة الرجل الذي كان يأمر موظفيه والعاملين أن يتجاوزوا عن كل معسر، وأنه لقي الله فتجاوز عنه، وقال: نحن أحق بذلك منك.

ولا شك أن الذي استدان منهم الوالد فيهم أخيار يرغبون في الأجر والثواب، وأرجو أن تجد من الدعاة الفضلاء والناصحين من يسعى في أمر والدك، ويرفع عنك ما قد يحصل لك من الحرج، وله أن يتحمل تلك الحمالة وتحل له المسألة حتى يصيب سداداً.

ولا أظن أن هناك من يلح عليك بضرورة السداد وأنت لا تملك الأموال، وأرجو أن أعلن لك عن سعادتنا بهذه الروح التي دفعتك للسؤال، وهكذا يكون الأخيار من الرجال والنساء، ونسأل الله أن يلهمك رشدك ويصلح لنا ولك الأحوال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً