الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البكاء وسرعة الغضب عند الأطفال .. سببه وعلاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دكتورنا محمد عبد العليم! أختي تُعاني من ابنتها وعندك الحل بإذن الله، فجزاك الله خيراً وأعانك على هذه الهموم التي تواجهها.

أختي عندها أربع بنات، بين كل واحدة فرق 3 سنين، الثانية منهن في الصف الرابع (أي عمرها 10 سنوات) جميلة الشكل وتتميز عن أخواتها بعينيها الخضراوتان، ومتفوقة في المدرسة والحمد لله، ولكن عندها مجموعة من السلوكيات المزعجة، فمنذ صغرها كانت دائمة البكاء لدرجة أنها ينقطع نفسها وتصبح زرقاء اللون من شدة البكاء، عرضتها أمها لأطباء وأجمعوا على عدم وجود أي مشكلة صحية بحمد الله (هذا عند ولادتها) تحسنت بعد 6 أشهر من الولادة، وظلت أمورها طبيعية وممتازة إلى أن أصبح عمرها 8 سنين (أي السنة الماضية) عادت للبكاء وهذه السنة زادت جداً جداً، وتبقى مستمرة في البكاء مع عصبية ونرفزة شديدة وكأنها تفقد أعصابها ولا تسيطر على انفعالاتها، وحتى في المدرسة يقولون عنها أنها دوماً محتدة مما يسبب لها مشاكل مع أخواتها باستمرار، وفعلاً تم استخدام جميع الأساليب من ترغيب وترهيب ولكن دون جدوى، بل بالعكس وترت جو البيت كاملاً، وأصبحت تُقلق والديها لخوفهم عليها؛ حيث أنها في آخر مشكلة هددت أختها الكبرى بأنها ستضربها بالسكين (طبعاً هي لم تحمل السكين أو أنها تؤذي أحداً لا سمح الله) أقصد تهديدها حين تغضب بالسكين، وتدعي على نفسها، أو أن تخرج من البيت ولا ترجع وهكذا.

على الرغم من أنها محبوبة من أعمامها وأخوالها وكل البيت من الجد والجدة وأيضاً بالمدرسة معروفة بتميزها ونشاطها بالإذاعة مثلاً وغيره من النشاطات، وتحفظ من القرآن والشعر، ولا تخجل من الظهور أمام المدرسة مثلاً، وتقول أمها أنها شديدة الملاحظة جداً ولا تنسى أي تفاصيل، وأيضاً لها صفة أنها لا تفضل السهر، وتستيقظ مبكرة جداً وتنجز كل المطلوب منها على أكمل وجه.

وأنا شخصياً كخالها لا أرى عندها مشكلة في الزيارات المتبادلة إلا حين تغضب تُصبح ربما عدوانية، لكن لم أرها يوماً تعتدي على أحد لا إخوتها ولا أقاربنا، وألاحظ قوتها بالحفظ، وحرصها على التميز بين أطفال أسرتنا، وأيضاً تحب النظافة جداً، وتفضل أن تبقى لديها النقود، وطبعاً مستعدة أن تعطي أخواتها مما معها أو أياً كان.

فما رأيكم؟ ولماذا هذه التصرفات؟ وما المطلوب؟ أمها تقول لك وبكل صدق: ماذا تفعل وستقوم به إن شاء الله؟ وخصوصاً أنها معلمة وتربوية وأيضاً عندها من المشاغل ما يكفي، وأيضاً بدأت أخواتها يقلدونها بالبكاء المستمر.

لا تتخيل يا دكتور محمد مدى خوف وقلق أمها عليها، وكم تحلل وتحلل؟ وتقول: لماذا هذا؟ وما الحل والبديل؟ والحمد لله البنات لسن محرومات من أي شيء، على الرغم من ضيق البيت حيث أنه فقط غرفتان...لا أدري هل لذلك أثر؟ لكن الأمور الأخرى كلها سليمة، وأنا قلت لها أن الحل على يدك طبيبنا بإذن الله، فجزاك الله خيراً، ولا تبخل عليها بالإرشادات، ولك من الله خيراً الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

جزاك الله خيراً على اهتمامك بهذه الابنة.

أخي الكريم! هذه الابنة من الواضح أنها متميزة ومتفوقة، وأنها تحمل كل السمات التي تجعلها إن شاء الله ذات مستقبل باهر .

بالنسبة للبكاء المستمر في بعض الأحيان، البكاء دائماً هو تعبيرٌ عن الاحتجاج لدى الأطفال، هو صرخة مساعدة، هو محاولة لفرض الذات وللفت الانتباه، وبعض الأطفال يتعود عليه ويتخذه كوسيلة دفاعية، وربما يتحول بالطبع إلى وسيلة هجومية بمعنى أن تصحبه العصبية، وفي هذا الوقت يحاول الطفل دائماً إثبات نفسه من خلال هذا التصرف الذي لا يرى فيه غرابة أو لا يراه مخلاً بالسلوك أو المسلك العام .

لا شك أن العلاج في مثل سنها هو أن يكون هنالك نوع من التحاور معها، الحمد لله هي مدركة وهي ذات مقدرات عالية، وتؤهلها سنها لأن تتحاور معها والدتها، وأفضل الأوقات للحوار هو حين تكون هذه الابنة الفاضلة في مزاج طيب ومرتاح، تحدثها والدتها عن محاسنها ولابد أن تركز على ذلك، نحن كثيراً لا نذكر أبناءنا بمحاسنهم، ويجب أن يبدأ الحوار دائماً بذلك، يجب أن يثنى عليها؛ لأن في ذلك تحفيزاً لها، ثم بعد ذلك بلغة لطيفة وأسلوب حواري مطمئن يتم التحدث معها عن عيوبها، وهي هذه العصبية وهذا الصراخ وهذا البكاء الذي يحدث منها، يُقال لها أن ذلك غير مقبول، وأن هذا الأمر يزعج الأسرة وسوف يؤثر على نفسها وعلى شخصيتها في المستقبل.
لا شك أن مثل هذه الحوارات إذا تم أداؤها وتداولها بمنهج وأسلوب جيد سوف تؤدي إلى نتائج إيجابية.

يجب أيضاً الاستمرار في أسلوب الترغيب وأسلوب التجاهل في بعض الأحيان، ويجب أن يكون هنالك تحمل من جانب الأسرة، وتجاهل هذا الصراخ وهذه العصبية، فالتجاهل يؤدي إلى تقليل السلوك الغير مقبول، والدخول في نقاش حاد ومواجهة يؤدي إلى تثبيت وربما زيادة السلوك أو المسلك الغير مقبول .

إذن: الشرح، والمحاورة، والتجاهل، والتحفيز..هي الأساليب المفيدة، ويمكن أن يشارك في الحوار أيضاً أي شخص لديه تأثير أكثر على هذه الابنة، أنت كخالها إذا رأيت أن حوارك معها سوف يكون مفيداً فلا بأس في ذلك، وحتى معلمة الفصل إذا كانت ذات تأثير إيجابي عليها، يمكن أن تحفزها وأن تشرح لها، ثم بعد ذلك توضح لها عيوب هذا المسلك .

الطفلة يجب أن تعلم كيف تعبر عن ذاتها، فهذا جزء من الحوار، يُقال لها أنه في أثناء الغضب أو قبل الغضب عليها أن تعبّر عما في ذاتها، تُعطى المجال لأن تتكلم، ويقال لها بدل البكاء وبدل الصراخ أرجو أن تتحدثي، أرجو أن تخرجي ما بداخل نفسك، ونحن على أتم الاستعداد للاستماع إليك، هذا مهم أيضاً ويساعد كثيراً .

بالطبع أنا لا أفضل الأدوية كثيراً في مثل هذه الأعمار، إلا إذا كان الأمر خارجاً عن السيطرة وهو مزعج لدرجة تؤثر على شخصية الطفلة وعلى الآخرين فلا مانع أن نعطي هذه الابنة أحد الأدوية التي يعرف عنها إزالة القلق والتوتر، ومن أسلم الأدوية في مثل هذا العمر العقار الذي يعرف باسم تفرانيل، يمكن أن تعطى الطفلة جرعة عشرة مليجرامات ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى 25 مليجراماً ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض مرة أخرى إلى عشرة مليجرامات ليلاً لمدة شهر، ثم يمكن التوقف عنها.

أرجو أيضاً إتاحة الفرصة لهذه الابنة بأن تقوم بتمارين رياضية، أي نوع من التمارين الرياضية المناسبة لها، فهي سوف تساعدها وتمتص من غضبها وتجعلها تعبر عن ذاتها ولا تحتج عن طريق البكاء والصراخ.

عموماً، شيء أخير أود أن أقوله: إن مثل هذه السلوكيات تختفي تلقائياً في كثير من الأطفال، والتجاهل في حد ذاته يعتبر علاجاً جيداً كما ذكرت .

وبالله التوفيق.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً